الفضل الكبير في وضع قواعد الموسيقى ونظريتها بطريقة عِلمية يرجع للعرب. لقد ساهم علماء أجلّاء في ميدان علوم الموسيقى وتركوا كُتبا قيّمة لا زالت شاهدة على التقدم الفكري والعِلمي والفني الذي وصلت إليه الحضارة العربية والإسلامية. هؤلاء العلماء كان لهم طبعا إلمام بممارسة الموسيقى كل حسب مستواه ، وأبرزهم : الكِندي ، الفارابي ، ابن سينا ، الأرموي ، اللاذقي ، الجُرجاني. ابن سينا مثلا معروف بكونه طبيبا لكن موسوعته " الشفاء " تضم جزءا مهمّا في موضوع علوم الموسيقى ٭1.
ما يسمّى ب " علوم الموسيقى " يرتبط بمادة " عِلم الإصغاء " Acoustique ( أنظر مقالنا في مجلة Acta Acustica باللغة الإنجليزية أسفله [1] ) وهي شعبة من شُعب علوم الفيزياء ، موضوعها دراسة الأصوات sons/ sounds وتوافق بعضها ببعض ( وهذا ما يفسر عِلميا كثيرا من مكوّنات الموسيقى ، فصل 2 ) ٭2 وشرح كل ما يتعلق بالسلّم الموسيقي وأبعاد درجاته، والمركّبات ٭3 accords/chords والهارموني ، الخ.
عبارة " علوم الموسيقى " قليلة التداول في اللغة العربية ، وتعوّضها أحيانا عبارة " نظرية الموسيقى " لكن هناك فرق بينهما كما سنرى في الفقرات 2 و 4 و 6. وفي العصور القديمة كنّا نجد " عِلم الموسيقي " كعنوان لعديد من الكتب ، ولو أنها مكتوبة بلغات شرقية مختلفة : تركية ، فارسية ، أوردية ٭4.
هذا شيء مألوف ، كثير من الألفاظ العربية دخلت اللغة التركية والفارسية (والأوردية). لمّا بدأت الدولة العربية تضعف وتضمحلّ ٭5 ، تابع الفرس المسار العِلمي الذي أنجزه العرب ( بين القرنين 9 و 13 ) وألّفوا عدة كُتب باللغة العربية حتى بداية القرن 15 حين تركوها وتابعوا كتاباتهم بلغتهم الأصلية. وحسب عِلمنا ، كان الجُرجاني ( 1413 م ) آخر فارسي ألّف باللغة العربية وله كتاب يدخل في إطار علوم الموسيقى.
أسس الأتراك حضارة قوية دامت عدة قرون ، وأنجزوا أعمالا في عِلم الموسيقى ومن أشهر أعلامهم عبد القادر مراغي الذي عاش حوالي 1400 م ورؤوف يكتا الذي مثّل تركيا في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة سنة 1932. ويمكننا إضافة كانتمير Cantémir من مقاطعة مولداڤيا وسط أوروبا ، الّف كتاب " عِلم الموسيقى " سنة 1700 ، باللغة التركية رغم العنوان العربي ( بالحروف اللاتينية « ilm-i musiki » ).
ألّف وترجم المستشرقون ٭6 كتبا عديدة في موضوع الحضارة العربية وما وصلت إليه من التقدم في جميع الميادين ، إلّا علوم الموسيقى فقد أهملوها والسبب هو أنه موضوع عِلمي وفني وتقني في نفس الوقت ويتطلب من صاحبه أن يكون على اطلاع بشتى المعارف. من أهم منجزاتهم الكتب المترجمة للغة الفرنسية على يد البارون رودولف إيرلانجير Baron Rodolphe d'Erlanger ( بين 1930 و 1959 ) في 6 مجلّدات [2] ، هو من نظّم مؤتمر القاهرة لكنه كان مريضا ولم يتمكن من الحضور ووافته المنيّة مدة قصيرة بعد ذلك ( سيعقَد مؤتمر ثانٍ في فاس سنة 1969 ). وهناك ترجمة البارون بيرنار كارّا دو ڤو Baron Bernard Carra de Vaux لكتاب صفي الدين الأرموي " الرسالة الشرفية في النِسب الموسيقية " سنة 1891 [3] يمكن قراءته عبر شبكة الإنترنيت ٭7 ( كارّا دو ڤو شارك في مؤتمر القاهرة سنة 1932 ).
تنطلق أولا من اعتبارات تتعلق بالإصغاء. فالطرب أو الترنم الذي تخلقه الموسيقى في الإنسان ( في إحساسه وروحه ، بعد مرورها بخلايا الأذن ) مرجعه قواعد قنّنها عِلم الإصغاء [4]. لا بد لنغمات الموسيقى ، إذا شاءت أن تروق للذوق ، أن تخضع لبعض الشروط التي يطبّقها الملحن أو العازف أو المغني ، بطريقة عفوية/ فطرية. وهذه الشروط فرضتها الطبيعة ، ودور العالِم هنا هو كتابتها في صيغة قواعد حبرا على ورق ، على شكل نِسب ( جمع نِسبة ) أو كسور ( جمع كِسرة ) fraction/rapport ( فقرة 6 ) أو تركيبات formule أو معادلات équation وسنسهّل هذه الأشياء إلى أقصى درجة لكي تكون في متناول أكبر جمهور ممكن.
وما دامت الطبيعة هي المسئول الأول عن الطرب والترنم فهذه القواعد إذن تُطبَّق على أنواع الموسيقى عند كافة شعوب الدنيا وليست حصرا على النمط الذي يدرسه تلاميذ المعاهد والذي يستمد دعائمه مما سطّرته أوروبا. الطبيعة هي التي فرضت شكل وبنية السلّم السباعي ( فصل 4 ) الذي هو أساس السلالم الأخرى. والخلاف الظاهري بين أنواع الموسيقات هو من صنع الإنسان ، نتج تحت تأثير بيئته أو ثقافته أو عوامل أخرى لا علاقة لها بالموسيقى ، ويمكن تجاوز هذا الخلاف وتقريب جميع الأنواع وربما توحيدها.
بوادر علوم الموسيقى كما سنرى تعود إلى بلاد الرافدين ( فصل 4 فقرة 2 ) في الألفية الثانية ق م حيث ظهرت النواة الأولى لدراسة السلّم الموسيقي وتحديد علوّ/حدّة النوطات بواسطة أرقام على شكل نِسب/كسور.
عن طريق الحيثيين الذين عاشوا في وسط تركيا ورث الإغريق كثيرا من حضارة بلاد الرافدين لكنهم لم يستغلوا كلّ مكوناتها والسبب هو أن ثقافة اليونان كانت مبنية على الفلسفة وأهملت المواضيع الأخرى ومنها الترقيم والحساب. فطريقة الترقيم عند الإغريق تشبه التي عند الرومان ( chiffres romains حساب الجُمّل ٭8 ) لا تسمح بعملية الضرب أو القسمة. والنتيجة هي أنه لم تكن لدى قدماء الإغريق لا علوم ولا نظرية موسيقى ، رغم ما كتبه المؤرخون في الغرب ، فهُم ينسبون إلى فيثاغورس أشياءً ترتبط بنظرية الموسيقى وهذا خطأ ( فصل 3 ). هذا الإنسان لم يكن لا عالما ولا فيلسوفا ولا موسيقيا ، ولم يكتب أو يترك أي شيء وبلغت بهم الجرأة إلى أنهم نسبوا إليه أحد أشهر قواعد علوم الرياضيات ألا وهي قاعدة المثلّث ذي الزاوية القائمة التي تعتبر ركيزة التريڭونوميتري trigonométrie. والغرب يعرف ويعترف الآن أنّ صاحبنا فيثاغورس لا علاقة له بهذا. فالإغريق عكسَ ما يحكيه الغرب ( ويردده العرب ) لم تكن لهم حضارة أو ثقافة عِلمية وكل ما في الأمر أنه كان لديهم فلاسفة يُفتون ويكتبون في شتى المعارف. أمّا عن الرياضيات mathématiques الإغريقية فكانت شبه منعدمة (والهند كانت أكثر تقدما منهم)، كان لهم نزر قليل من الهندسة géométrie ،ومرجع هذا الخلط هو أن مصطلح mathématicien كان يعني عالِما بصفة عامة ومع مرور الزمن تغيّر معناه، ولهذا كلمة پوليماث polymathe تشير إلى رجل على دراية بمختلف العلوم.
علوم الموسيقى ( فصل 2 ، 4 ) أسسها وطورها علماء عرب ( وفرس ) وكانوا علماء في شتى المعارف وسنعطي جميع الأدلّة في هذا الكتاب ( فصل 5 ). أمّا ما قام به المؤلفون في ( غرب ) أوروبا حتى بداية عصر النهضة فلا علاقة له بالعلوم ، وينعتون ذلك ب " نظرية " ( أو تنظير ) والمؤلفون théoriciens ومقابلها في العربية " منظّرون "، كانوا كلهم تابعين للكنيسة الكاثوليكية. إنهم الرهبان والكهنة/القساوسة ، وحدهم كانت لهم دراية بالتعليم والقراءة والكتابة ( ف 3 : داريزو ، ف 4 : زارلينو ، ف 6 : پييترو آرون) وما داموا خاضعين لنفوذ الكنيسة ( أو إحدى طوائفها Ordres بنديكتين ، جيسويت... bénédictins, jésuites ) فقد كانوا ينفذون تعاليمها. وفيما يتعلق بموضوعنا ( علوم الموسيقى ) فلم يكونوا موسيقيين بل كانوا كتّابا يشتغلون داخل مكتبات وخزانات الكنائس والأد۫يرة ، ما جعلهم يتيهون في المضاربات spéculation ( نجد العبارة musica speculativa في عناوين بعض مؤلفاتهم ) ويرتكبون بعض الإختلالات ( فصل 6 ). باستثناء راموس الأندلسي Ramos de Pareja ، الذي كان موسيقيا وباحثا درس المراجع العربية في الأندلس وحمل معارفه إلى روما لكنه لم ينل ما يستحقه من العناية ، فهو لم يكن راهبا ولا كاهنا. ربّما هناك سبب آخر ، راموس أتى بمعارف المسلمين والڤاتيكان يتحفظ من كل ما يأتي من المسلمين sarrasins وهذا يذكرنا بحدث معروف في التاريخ : هاجر جيربير دورياك Gerbert d'Aurillac ( الذي سيصبح بابا تحت إسم سيلڤيستر Sylvestre II ) إلى الأندلس وإلى فاس لطلب العلم فاكتشف الأرقام العربية ونقلها إلى موطنه المسيحي لكنها قوبلت بالرفض من طرف الڤاتيكان الذي تابع استعمال الترقيم العتيق ( حساب الجُمّل ) حتى أواخر العصور الوسطى ( قرن 15 ).
قُبيل عصر الأنوار ستعود المياه إلى مجاريها وتستقيم الأمور ، وسينكبّ العلماء على دراسة هذا الموضوع وكان أولهم ورائدهم ديكارتا CompendiumaMusicae ) Descartes) ،
وتبعه ميرسين Mersenne ( اHarmonie Universelle ) ، صوڤورSauveur ، هويڭنس Huygens ، هيلمولتز Helmholtz ...
إنها ميزوپوتاميا ٭9 حسب التعبير الغربي ، وتضم العراق ( وخصوصا المنطقة ما بين نهري دجلة والفرات ) وشمال شرق سوريا. هذه البلاد هي مهد الموسيقى ونظريتها وعلومها. بدأت حضارة بلاد الرافدين في النصف الثاني من الألفية الرابعة قبل الميلاد (3500 ق م ) في مصب النهرين وتحركت نحو الشمال ( سومر وآشور وبابيلون ومدن أخرى في سوريا ، ومن هناك إلى مملكة الحيثيين في بلاد الأناضول ). كان من أبرز مظاهرها منظومة ترقيم جعلتها تتفوق في الحساب ( ومهدت الطريق إلى علوم الموسيقى ). دامت هذه الحضارة حتى القرن السادس قبل الميلاد حيث اندمجت مع جارتها الفُرس.
قد يصعب على المرء تقييم اختراعات أُنجِزت في قديم الزمان لأنه يعتبرها في عصرنا هذا شيئا عاديا ( أو فطريا ) لكنها تجسّد أفكارا خارقة للعادة في زمان ظهورها. من هذه الإختراعات آلة البربط ( بربوط عند الفرس ، تشبه العود أو القيثار ) تحتوي على صندوق وذراع/زند وأوتار وعلى كل وتر يمكن وضع أصابع اليد اليسرى في مواقع ( ٭10 دساتين ) مختلفة لتغيير الصوت. هذه الآلة ظهرت في بلاد الرافدين في أواخر الألفية الرابعة ق م ٭11 ، أي منذ 5000 سنة ونيف ( فصل 4 ). سمعَت بها وبمواصفاتها أوروبا العتيقة فيما بعد وسمّتها بَربيطوس ( التي تحولت إلى بَربيطون barbiton في فترة لا أحد يحدد تاريخها بالضبط ) ولم تكتشفها أوروبا ٭12 وتعزف عليها إلّا في القرن 12 آتية من الأندلس.
تكوّنت على هامش حضارة الرافدين مملكةُ الحيثيين في شرق تركيا وامتدت إلى وسطها وغربها ، وأخذت الكثير من الرافدين. دامت هذه الحضارة من القرن 18 إلى 12 ق م لتنقرض نهائيا حوالي 1000 ق م بسبب الهجومات المتوالية من طرف ما يسمّى ب " شعوب البحر" وهم طلائع الغزاة اليونانيين الذين انطلقوا من الجزر في شرق البحر المتوسط. وفي نفس الحقبة عرفت طروادة أولُ مدينة " يونانية " ٭13 أوجَ حضارتها ، وبعدها عدة مدن على الساحل التركي لبحر إيجيه. فالحضارة الإغريقية ( الإيلينية/ الهيلينستية ) انطلقت إذن من المدن التركية بمكوّنات ورثتها من الحيثيين الذين هم بدورهم ورثوها من بلاد الرافدين. ومن هذه المكوّنات بعض أهم العناصر الموسيقية ( ومنها أسماء المقامات : الفريجيان phrygien واليونيان ionien) وسوف نعطي كل التفاصيل.
أكثر من هذا : كلمة موسيقى ليست عربية. كان العرب يستعملون كلمات مثل : "غناء" ، "طرب" ، "نغم" ، وكذلك "صوت". وفي بداية القرن التاسع لمّا تأسس بيت الحكمة في بغداد على يد الخليفة المأمون تُرجمت إلى العربية كتب عن الإغريقية والفارسية والهندية والسريانية ، حينذاك دخل لفظ " موسيقى " إلى العربية وكان يُكتب "موسيقي" musike ، حُذفت النقطتان مع مرور الزمن ليصير موسيقى/موسيقا. فأصلُ مصطلح "موسيقى" إغريقي كما يعتقد الغرب ، وهذا ما كنّا نعتقد نحن كذلك إلى أن قرأنا في كتاب المؤرخ فتيس [Fétis [5 ( نقلا عن المستشرق Hammer-Purgstall ٭14 ) أنه من أصل فارسي ( بالمعنى السائد الذي يضم بلاد ميزوپوتاميا ). وما دمنا في باب المصطلحات فلا بد من الإشارة إلى القيان ( الجواري المغنيات ) ، جمع قَينة ، أصلها من بلاد الرافدين : قيناتو أو قاناتو أو كاناتو ، ونلاحظ وجود " كانت " وهو أصل جميع ما يتعلّق بالغناء في اللغة اللاتينية ومشتقاته : cant cantar cantate.
الخطوات الأولى لعلوم الموسيقى هي تحديد المسافة بين درجات السلّم ( ولو بطريقة بسيطة ) ، أنجزتها حضارة بلاد الرافدين في الألفية الثانية ق م ، أرسى قواعدها بطريقة حاسمة العلماء العرب ( والفرس ) ابتداء من القرن التاسع ، ولم تعرفها أوروبا إلّا في أوائل عصر النهضة ( القرن 15 ). ربما يتعجب القارئ من هذه الحكاية لكننا سنعطي جميع الأدلة والمعطيات في هذا الكتاب ، وكلها موجودة حاليا في الكتب والمخطوطات والمتاحف والإينترنيت.
كلمة قانون في اللغة العربية لها مدلولان : أحدهما يشير إلى نصوص أو قواعد ينبغي احترامها والاقتداء بها ، ومن لم يحترمها سيكون مصيره العقاب ، والثاني يدلّ على آلة موسيقية تتركب من عدة أوتار ، بدون صندوق أو ذراع/زند ، عدد هذه الأوتار كبير في يومنا هذا لكنه كان أقل في العصور القديمة. فما علاقة هذين الكيانين الذين يحملان نفس الإسم ؟
لفظ " قانون " ليس عربيَّ الأصل فقد أتانا من أوروبا ، يكتبه الإغريق kanon ويكتبه اللاتين canon. أصل الكلمة يعود إلى بلاد الرافدين حسب صبحي أنور رشيد في كتابه " تاريخ الموسيقى العربية " [6] جزء 1 ص 195 ( نقلا عن معجم للمستشرق الألماني المتخصص في بلاد الرافدين وتاريخها وحضارتها Wolfram von Soden ) وتعني قصبة للقياس. ذُكرت في كتاب باللغة الإغريقية يشرح بعض قواعد نظرية الموسيقى البدائية. أخذ مؤلف هذا الكتاب ٭15 ، والعهدة على الراوي ، حبلا أو وترا ذا طول معيّن وربطه بين نقطتين ثابتتين ( مونوكورد monocorde في الأدبيات الغربية ) ؛ بِنقر هذا الوتر نسمع صوتا أساسيا كما يحدث مع آلة عود أو قيثارة. ويُقال إن المؤلف نَقر على نصف الحبل وعلى ثُلثه ورُبعه وكل مرة يسمع صوتا مخالفا ، فقرّر بأن يوظّف هذه الأصوات في نظريته. لا أحد يؤكد قطعا أن هذا الإنسان عزف أنغاما وكل ما في الأمر أنه اعتمد على هذه النِسب/الكسور ( نصف 1/2 ، ثلث 1/3 ، ربع 1/4 الخ ) وطبّقها على هذا الوتر الذي أصبح بمثابة " نمودج " modèle أو" مرجع " référence ( أي قانون ٭16 ) لدراسة السلّم الرباعي ( الذي لا يتعدّى أربع درجات ). وأطلق المؤرخون الغربيون إسم " قانون " على هذه الآلة واحتفظ هذا الإسم بالمفهوم الموسيقي الذي نعرفه.
حاول الفلاسفة الإغريق تطوير هذا الموضوع والتعمق فيه وابتكروا نِسبا/ كسورا أخرى مع العِلم أن أرقامهم ( ونظام ترقيمهم ) كانت معقّدة ولا تسمح بإنجاز عمليات حسابية ( هذا المشكل لم يُطرَح للعلماء العرب لأنهم اكتشفوا الترقيم الهندي الذي يسهّل هذه العمليات ). لقد كانت الأرقام ( ومعها الحساب ) نقطة ضعف الحضارة الإغريقية ومن بعدها الرومانية ومن بعدهما جميع أوروبا المسيحية ، حتى دخول الأرقام العربية عن طريق المغرب. كان الإغريق معجبين ومولعين بالأرقام والحساب ، وجعلوا منها إحدى ركائز العلوم الأربعة كوادريڤيوم Quadrivium : الحساب ، الموسيقى، الهندسة Géométrie والفلك. لكن لم تكن لديهم موسيقى تستحق الذِكر والموسيقى التي يتحدث عنها " العلماء " تنحصر في دراسة بعض النِسب/الكسور تطبَّق على المونوكورد وهي أقرب إلى الحساب منها إلى النغم ( في الحقيقة لا علاقة لها بالطرب أو الترنم ). وللتذكير، النِسب/الكسور فكرة قديمة كانت هي أساس تشكيل السلّم الموسيقي السباعي في بلاد الرافدين ألفين سنة ق م ( فصل 4 ).
الآلة شبه الوحيدة في الحضارة الإغريقية ( ومن بعدها اللاتينية ) هي الليرة lyre الكنّارة ( صورة ، فصل 3 ) ذات أربع أوتار ، اعتبرها الفلاسفة منعزلة لا تربطها أية علاقة ( بعكس أوتار العود ) وأطلقوا عليها إسم : " رُباعي الأوتار " أو تيتراكورد Tétracorde. هيمنت فكرة التيتراكورد على نظرية الموسيقى في أوروبا منذ العصور العتيقة إلى يومنا هذا ونحن في بداية الألفية الثالثة وهي فكرة غير صائبة وأدّت إلى تحويل الغرب عن الفكرة الأساسية وهي الأوكتاڤ.
بدأت الديانة المسيحية تنتشر في أوروبا في القرون الأولى للميلاد ، وأعطى حكماءها ( ومن أبرزهم سانت أوڭوستان Saint-Augustin في القرن الرابع ، ذكره الإيطالي Gusto Zampieri في مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة سنة 1932 ) تعاليمَهم لكي تُجوّد الكتابات الدينية. كانوا يجوّدون نصوصا مستوحاة من الإنجيل أو المزامير psaumes ، بأسلوب شرقي لأن الديانة المسيحية انطلقت من الشرق ، ولها تراتيل شرقية ، ومهدُها مدينة بيزنطة عاصمة الروم المشارقة. تحولت هذه التراتيل psalmodie/cantillation إلى إنشاد تطور ببطء في الكنائس الشرقية ( ستبقى إيطاليا تحت سلطة الإمبراطورية البيزنطية حتى القرن الثامن ) إلى أن أتى منصور بن سرجون التغلبي ( 749 م ). كان يشتغل في بلاط آخر الخلفاء الأمويين ويعرفه الغرب بإسم يوحنا الدمشقي Jean Damascène/ John of Damascus. كان أحدَ أعلام الفكر المسيحي وكان مولعا بالأناشيد الدينية ، وضع قواعدها في شكل أنغام أساسية عددها ثمانية ( لكنها في الحقيقة أربعة مزدوجة ) تبنّتها الكنيسة البيزنطية في الشرق الأوسط. ومن ثم انتقلت إلى الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثامن ، تُرجمت إلى اللاتينية فيما بعد وكانت النواة الأولى للأناشيد الدينية التي نتج عنها الغناء البسيط الڭريڭوري Plain-chant grégorien ٭17 في القرن التاسع ، وخلال القرون من 11 إلى 13 تفرّع إلى عدة أصوات ( فصل 3 ). هذه الهيكلة الثُمانية هي ما يسميها الغرب أوكتوئيكوس Octoechos ، الأسطوخوسية ، ذكرتها مصادر عربية ومنها كتاب الأغاني للأصفهاني ( الجزء 3 ) ورسالة الكِندي في اللحون والنغم ( [7] ص 26 ).
فيما بعد ، ستحدث منافسة بين قُطبي الديانة المسيحية وسيتقوى الجانب الغربي ، ومقره الڤاتيكان في روما وسيفرض سلطته على غرب أوروبا ووسطها. كان الڤاتيكان يُملي على الناس ما ينبغي أن يفعلونه في جميع مظاهر الحياة ويُفتي عليهم فرائض ومحرّمات ويجبرهم على إطاعة النبلاء والأمراء ( الموالين له وهو ما يسمى في التاريخ بالإقطاعية الفيوداليزم Féodalisme ). وحتي زواج الملوك كان رهينا بموافقة البابا ، والغناء والموسيقى ( خارج جدران الكنيسة ) من كبائر المحرمات ، ولا شيء يحدث إلّا بموافقته وبمباركته ، وكل من أراد من الطبقات الضعيفة أن يترقى في المجتمع لا بد له أن يمرّ عبر طريق الكنيسة ويكون قسّا أو راهبا.
من جهة أخرى ، بلغت الموسيقى أوجها إبان الدولة العباسية ، ومن أشهر أعلامها أبو الحسن علي بن نافع المشهور ب " زرياب " الذي غادر بغداد وحطّ الرحال في الأندلس عبورا بالمغرب حاملا معه رصيدا ضخما من الأنغام كانت النواةَ الأولى للموسيقى الأندلسية التي امتدت إلى قشتالة وانبثق منها الجيل الأول للمنشدين المنيستريل ٭18 أي التروبادور Trobador. سيعبُرون جبال البرانس في القرن 12 إلى جنوب-غرب فرنسا وسيصلون باريس ( سيتحول إسمهم إلى تروڤير Trouvère ) وسيندمج فنهم الدنيوي profane مع الغناء المتعدد الأصوات ذي الأصول الدينية في القرن 13 خلال انطلاقة الأنشطة الثقافية والفنية مع تأسيس جامعة الصوربون وكاتدرائية نوتردام ( والحصيلة هي أسلوب الپوليفوني الذي سيزدهر ابتداء من القرن 14 ، فصل 3 و 6 ).
باختصار شقّت الموسيقى طريقها من عند العرب في الشرق الأوسط إلى غرب أوروبا عبر مسارين :
- دمشق ، بيزنطة ، روما ( قرون 8-9 )
- بغداد ، الأندلس ، قشتالة ، باريس ( قرون 9 إلى 12 ).
ومع هذا المسار الثاني ستصل آلة العود إلى باريس ومنها إلى باقي أنحاء أوروبا حيث لا توجد أي آلة. وستُدخَل عليها تغييرات لتعطي القيثارة والڤيويلا vihuela ٭19 ( في إسبانيا ) والڤيولا viole/viola التي بدورها ستتحول إلى ڤيولون violon في القرن 16. نتج عن هذه التغييرات معظم الآلات الوترية المتداولة حاليا في الغرب وفي جميع أنحاء المعمور حيث يسمون صانع هذه الآلات لوتييه luthier ٭20.
من الوجهة النظرية لم يحدث أي شيء في علوم الموسيقى إلى أن جاء داريزو ( قرن 11 ) ووضع بعض القواعد التي كان لها الفضل الكبير في تشويه ما ورثه الغرب عن العرب ( فصل 3 ). داريزو أشهر المؤلفين في نظرية الموسيقى ، ابتكر سلّما سداسيا بدائيا اعتمد عليه المنظّرون قرونا بعده إلى أن جاء الأندلسي راموس حاملا معه السلّم السباعي في القرن 15 ، لكن راموس ( فصل 6 ) لم يكن من خدّام الكنيسة ولم يلق ترحيبا ومكث في طيّ النسيان إلى أن أحيينا ذاكرته ونشرنا أعماله في كتابينا السابقين باللغة الفرنسية [48].
نستخلص إذن ( وسنقدّم جميع الأدلة في هذا الكتاب ) أن الموسيقى ونظريتها وعلومها أخذها الغرب عن العرب كما أخذ أشياء كثيرة لا مجال لذكرها هنا ولكن تجدونها في كتب المستشرقين ( " حضارة العرب " لڭوستاڤ لوبون Gustave Le Bon و " شمس العرب تسطع على الغرب " لزيغريد هونكه Sigrid Hunke ) ، وهي كتب شاملة تتطرق إلى جميع جوانب الحضارة العربية ، ما عدا علوم الموسيقى. فهذا الموضوع له خصائصه ولا يمكن للمستشرق البحث والتأليف فيه إلّا إذا كان له تكوين موسيقي : ڤيلوطو [9] ، كارادوڤو ، إيرلانجير ، وفارمر [10] الذي وضع لائحة زمنية ٭21 لِ 35 مؤلف عربي ساهموا في الموسيقى ونظريتها وعلومها آخرهم أبو زيد عبد الرحمان الفاسي (1685)، لكن فارمر تناسى أو تجاهل محمد البوعصامي ( القرن الثامن عشر ).
في أوروبا ومنذ عدة قرون تتداول الأوساط الفكرية عبارة " ex oriente lux " وهي تشير إلى أن الضوء ( بمعنى الفكر والمعارف ) يأتي من الشرق. لا نعرف التاريخ الذي صيغت فيه هذه العبارة والمرجح هو أواخر العصور الوسطى لمّا اكتشفت أوروبا المؤلفات العربية وترجمتها ( فقرة 8 ).
استيعاب مضمون هذا الكتاب لا يتطلب مستوى كبيرا من الدراسة ، فكل شيء مشروح عن كامله في الفصلين 1 و 2 انطلاقا من نقطة الصفر، إلّا أنه من المحبذ أن يكون القارئ على اطلاع بمعلومات بدائية في نظرية الموسيقى ( فصل 1 ) ، وعلى دراية ببعض العمليات الحسابية البسيطة التي توظّف النِسب/ الكسور. أيّة درجة في الديوان/ الأوكتاڤ لها رقم يدلنا على حدّتها أو بُعدها /مسافتها مع القرار ، وهذا الرقم قيمته تتغير من 1 للقرار إلى 2 للأوكتاڤ ، إذن فهو على شكل نِسبة أو كِسرة ( أو على شكل رقم عشري chiffre décimal ). إنه رقم استدلالي ( أو دليل ) يشير ( أي مؤشر ) إلى صوت محدّد إنطلاقا من القرار. ومن الآن فصاعدا سنعطي الأولوية للفظ نِسبة ( والجمع نِسب ) أسوة بالمصنفات العربية القديمة في هذا الميدان.
"الهارموني" l'Harmonie لها علاقة بالحساب arithmétique ، فقد كان قدماء الإغريق يخلطون بين الحساب ونظرية الموسيقى إلى درجة أن مصطلح " هارموني " متواجد في كلا المجالين ( فصل 2 ). ولكي تحدُث هارموني ( انسجام/ توافق/ تآلف ) بين نوطتين لا بدّ لرقميهما أن يخضعا لشروط معينة.
الأرقام حاضرة في نظرية الموسيقى وعلومها ، والكتب العديدة التي تناولت هذا الموضوع مليئة بالأرقام ( الكِندي، الفارابي، ابن سينا، الأرموي ومن بعدهم اللاذقي ، الجرجاني ، المراغي ، وفي تراجم إيرلانجير الستة [2] ، أنظر موقع " Cris Forster " في الإنتيرنيت ٭22 ).
لنأخذ مثالا بسيطا سوف نشرحه مع كل التفاصيل فيما بعد ( فصل 1 ). طول أوتار العود 60 سم ، لنعدّل/نسوّي ونعزف نوطة "دو" على أحد الأوتار. فإذا ضغطنا على مسافة 15 سم من العضمة ونقرنا 45 سم المتبقية سنعزف "فا" ، وإذا ضغطنا على مسافة 20 سم ونقرنا 40 سم سنعزف "صول" ، ومسافة 30 سم ستعطينا الأوكتاڤ/ الجواب أي "دو" العليا ، الخ. ومن هذه الأرقام ستنتُج النِسب التالية :
60/30 = 2/1 الأوكتاڤ/ الجواب ، 60/40 = 3/2 الخامسة/المسيطرة dominante ،ا 60/45 = 4/3 الرابعة ، وكذلك 5/4 الثالثة الصافية وهذه الحالة خلقت مشكلا حيّر العلماء والمنظّرين في الشرق والغرب منذ عدة قرون. وهنا نمسّ صميمَ " مبدأ توافق الأصوات "Consonance ( فصل 2 ) الذي هو الأساس لعلوم الموسيقى ويعطينا تفسيرات لقواعدها ونظريتها. ابن سينا طرح " مبدأ التوافق " ودرسه في كتابه " جوامع عِلم الموسيقى " ، موجود بكامله في الإنتيرنيت ٭23 [11]. اعتمد ابن سينا على النِسب لدراسةِ الأصوات المتوافقة وبناءِ سلّم ذي 17 درجة تبنّاه وطوّره الأرموي [12] ( قرن 13 ) وكان سائدا في المشرق العربي حتى القرن 19 ( فصل 5 ) ، وصفه هوبرت پاري Hubert Parry في كتابه The evolutin of the art of music "، 1893 "بِ " أروع سلّم.... " the most perfect ever devised.
هذه النِسب/الكسور البسيطة ( كجميع الأرقام بين 1 و 2 ) تساوى وحدة + جزء من وحدة ، كان المؤلفون العرب ينعتونها بالتعبير التالي " الكل وجزء من الكل " وتعني الكلّ ( أي 1 ) وجزء الكلّ ( نصف ، ثلث ، ربع..... ) ، مثلا : 3/2 = 1 + 1/2 .
هذه الأرقام حاضرة كذلك في الهارموني ( فصل 2 ) وتشكيل المركّبات التي اعتمدتها نظرية الموسيقى الغربية منذ عصر النهضة. وكل هذا له تفسير منطقي يأخذ أسانيده من علوم الفيزياء أو كما تسميها المراجع القديمة علومَ الطبيعة ( مع شيء من علوم الحساب).
ويبقى السؤال الكبير مطروحا : لماذا يتكون السلّم الموسيقي من سلسلة 7 درجات (فصل 1 ) ، فيها نوعان : 5 كبيرة و 2 صغيرة ، والكبيرة تساوي ضِعف الصغيرة. قد يبدو هذا الشكل بسيطا أو بدائيا ، لكنه كلّف للإنسانية عدة ألفيات من البحث والإجتهاد للوصول إليه ( وليس السبب هو ما ذكره سليم الحلو في كتابه " تاريخ الموسيقى الشرقية" [13] ص 220 إلى 224 ). سنجيب عن هذا السؤال مع مبررات الشكل السباعي وجميع التفاصيل تدريجيا من الفصل 1 إلى 4 ( الفصول الأخرى انطلاقا من 5 تستعرض ما أنجزه مختلف الشعوب في هذا الميدان ) مع ما رافقها من معطيات تتعلق بالهارموني والمركّبات. سيمتد عدد الدرجات إلى 12 و 24 من جهة ( نظام الفارابي [14] ) ، وإلى 17 من جهة أخرى ( نظام الأرموي ) ، وضمنَ كتاب شيرين مألوف [15] توجد أسطوانة CD تحتوي على مقامات وتقاسيم معزوفة حسب نظامَي الفارابي والأرموي. أمّا السلّم الخماسي المتداول عند الأمازيع وشعوب أخرى في العالم فما هو إلّا صيغة مختزلة من السلّم السباعي ( بحذف درجتي نصف الطنين ).
يقال إن العصافير ( أو بعضها ) تغرّد ربع الطنين ٭24 وهذا ما جعل الباحث الأمريكي رينهارد Johnny Reinhard يقول " ما دامت العصافير تغني ربع الطنين فلماذا لا يستعملها الإنسان؟ " ٭25. صفحة بالإنجليزية في الإنتيرنيت تعطي لائحة طويلة للقِطع الغربية التي تحتوي على ربع الطنين :
https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_quarter_tone_pieces
من الوجهة العلمية والإصغائية acoustique والمنطقية لا توجد أيّة فوارق بين موسيقات الشرق والغرب ، ويمكن لأيّ إنسان أن يَطرَب لكليهما ، ولأنواع أخرى من فلكلور شعوب متعددة. لكن التاريخ والتقاليد وكذلك أشخاصا ( منظّرين/مضاربين spéculateurs ، فقرة 2 ) كتبوا وأفتوا في الموسيقى ولا علاقة لهم بالإبداع أو العزف ، هم السبب في الاختلاف الذي آلت إليه.
الموسيقى العالمية الحالية التي انتشرت في شتى أنحاء العالم انطلاقا من أوروبا ( وأثرت في الموسيقى العربية سواء في المشرق أو في المغرب ) نشأت في الشرق الأوسط العربي وهاجرت إلى أوروبا في مرحلتين ( فقرة 5 ). سيقع الإختلاف بين القرنين 9 و 13 ( أوج الحضارة العربية ) وثّقه علماء على دراية كبيرة بالشأن الموسيقي وفي هذه الفترة ظهر معظم المقامات المتداولة في أيامنا هذه ( لم تكن تسمى مقامات ٭26 ) مع حضور قوي لربع الطنين. في أوروبا ، أدّى الإزدهار الوافد من الأندلس إلى فنّ التروبادور في قشتالة الذي انتقل إلى فرنسا وباقي أرجاء أوروبا وساهم في ترقية الپوليفوني ( قرن 13 و 14 ) التي سيتمخض عنها الأسلوب الهارموني ( قرن 17 ). لكن حدث في عصر النهضة تنافر أو ابتعاد عن الموروث الأصيل لمّا أُزيلت المقامات القديمة anciens modes ليبقى الماجور وحده ( سيُضاف إليه المينور فيما بعد ). نتيجة لهذه التحولات " الطائفية " أي من صنع الإنسان اتخذت الموسيقى ونظريتها اتجاهين لا يمكن إنكارهما. الفن العربي غنيّ بمقاماته ، تُعدّ بالعشرات ، لكلٍّ سمتُه وطابعُه Ethos لكن جمهور المستمعين في الغرب محروم من هذه النعومة ولا يمكنه إلّا الإكتفاء بمقامين يلقبونهما بالكبير والصغير مع انعدام رُبع الطنين ٭24. مفهوم الإيطوس ذكره الفلاسفة الإغريق للتمييز بين المقامات لكن موسيقى قدماء الإغريق كانت هزيلة ولم يبق منها أي شيء فكيف نتكلم عن مقامات هذه الموسيقى. الإيطوس هو طابع المقام وسمته وكل ما يفرقّه أو يميّزه عن المقامات الأخرى ، وكذلك الإحساس الذي يخلقه في أذن المستمع ( أو نفسه أو روحه ). ومن هنا جاء مصطلح " طبع " ( والجمع طبوع ) في " طرب الآلة " المغربي ( فصل 7 ). هذا المفهوم لا وجود له في الغرب إلّا في مخيلة المنظّرين ٭27. " والواقع أن النظر في مسألة علاقة الطبوع بالطبائع موغل في القدم ، وهو يعكس نظرية الإيتوس التي أسس لها فلاسفة اليونان " ، من كتاب " أغاني السقا.... " إبراهيم التادلي ، تحقيق بنعبد الجليل [16] ص 95.
الموسيقى في الغرب لها هي كذلك ميزاتها ومزاياها وأبرزها الهارموني. في العصور القديمة كانت هناك أناشيد متعددة الأصوات (أربعة أصوات متراكمة تؤدي أناشيد مختلفة) لكن هذه التقنية تغيرت في أواخر عصر النهضة لتصبح صوتا واحدا ( غناء أو عزفا ) تصاحبه أنغام آلية في شكل مركّبات. هذه التقنية فعلا تضيف شيئا من الترنم والجمالية سببه وجود وتتابع مركّبات من أنواع مختلفة ( فصل 2 ) ، لكنها تحدّ من القدرة التعبيرية للمقام ، إقرأ مقولة الباحث دانييلو ٭28.
نردد أحيانا أن عددا من المصنفات الأدبية والفكرية ضاعت مع مرور الزمن ( أو أُحرِقت ) ، حدث هذا عند العرب والعجم وشعوب أخرى في شتى أنحاء العالم. فكل شيء عرضة للضياع وليس هناك أي ضمانة لكي يبقى قرونا طويلة. لكن بالنسبة للمصنفات العربية ، شاءت الأقدار أن تتعرض لكارثتين عظيمتين أدّت إلى إتلاف أعداد كثيرة قد تقدر بالملايين. الأولى لمّا دخل هولاكو بغداد وقتل مئات الآلاف من سكانها ، والثانية أقل شهرة عند العرب لكن مفعولها أسوء وألحقت أضرارا جسيمة ، قام بها الكاردينال (Francisco Jiménez de Cisneros ( 1517 . فهذا الكاردينال لم يكن هدفه قتل المسلمين بل تنصيرهم ، أكثر من هذا كان هدفه الأعلى هو القضاء على الإسلام ومحو لغته وعدة مصادر تؤكد على أنه أحرق الملايين من الكتب.
في بداية عصر النهضة بدأت أوروبا تستفيق من سباتها العميق ، وتعتني بالآداب والفنون واكتشفت حضارة الإغريق ومؤلفات " علمائها " الفلاسفة القدماء. هذا شيء معروف ، لكن الشيء الذي يجهله عموم القوم هو أن أوروبا اكتشفت المؤلفات العربية قرونا قبل ذلك وترجمت العديد منها إلى اللغة اللاتينية. أول هؤلاء المترجمين هو Constantin l'Africain ( أواخر القرن 11 ) الذي سافر إلى المشرق ودرس الطب لدى العلماء العرب وترجم عدة كتب في موضوع الطب والصيدلة ، لكن أشهرهم هو الإيطالي Gérard de Crémone من القرن 12 ، هاجر إلى إسبانيا/ قشتالة وتعلم اللغة العربية وترجم إلى اللاتينية حوالي سبعين كتابا منها المجيسطي لبطليموس من النسخة الوحيدة باللغة العربية ( سيُعثر فيما بعد على نسخة إغريقية ) ، وترجم " قانون الطب " لابن سينا و"المنصور في الطب " للرازي. فقد أسس الأسقف ريموند Raymond de Tolède في طليطلة ( على غرار بيت الحكمة في بغداد ) مركزا للمترجمين كان يديره Domingo Gundisalvo (م1105-1190 )، من أبرز أعماله ترجمة موسوعة الشفاء ( ڭونديسالڤو و أبراهام بن داوود Avendauth ) لابن سينا التي تضمّ كتاب " جوامع عِلم الموسيقى " ، الذي وصلت محتوياته إلى منظّري عصر النهضة في إيطاليا وخصوصا زارلينو ( أنظر أعمال Cris Forster ٭22 ).
في نفس القرن تُرجم للاتينية كتاب الخوارزمي Liber ysagogarum Alchorismi حوالي 1140 م لكن الآراء تتضارب حول المترجم الحقيقي ، وفي 1202 م ألّف فيبوناشي Leonardo Fibonacci كتابه الشهيرLiber abaci الذي ليس ترجمة مباشرة لأي كتاب ولكنه حصيلة لما تعلّمه خلال إقامته في شمال افريقيا ابان الدولة الموحدية، وهو يشرح منظومة الحساب بالأرقام العربية بدلَ اللاتينية/الرومانية.
في القرن 13 في مدينة پادو/ پادوڤا التي تحتضن إحدى أوائل الجامعات الأوروبية موازاة مع الصوربون ومونپيلييه ٭29 ( أول جامعة في العالم هي القرويين أُسست في القرن 9 ) ، ترجم بوناكوسا Bonacossa " كتاب الكلّيّات " لابن رشد Averroès بعنوان Colliget.
نلاحظ أن المواضيع الأولى التي نالت اهتمام المترجمين هي الطب ٭30 ، وبعده الرياضيات ( والفلسفة والفلك ، الخ ) ، أمّا عن مصنفات الموسيقى فلا علم لنا إلّا برسالة " جوامع عِلم الموسيقى " في كتاب " الشفاء ". وسيجيء الأندلسي راموس ٭31 في القرن 15 ، حسب عِلمنا لم يترجم شيئا لكنه درس المصنفات العربية واقتبس منها الأفكار التي دوّنها في كتابه الوحيد [17] والتي سينقلها إلى روما وسيكون له الفضل الأكبر في تدشين علوم الموسيقى في أوروبا.
المصطلحات لا تطرح أي مشكل لمواطنينا المغاربيين ، أو للعرب عموما ، لأنهم يستعملون المصطلحات الغربية وهذا لا يمكننا تزكيته في هذا الكتاب ، ورغم الجهود التي بدلها بعض المؤلفين في هذا الصدد فإنه لا يوجد أي تنسيق ويبقى المجال موضوع مضاربات و " كل يلغي بلغاه " حسب التعبير المغربي الدارج. ولهذا ارتأينا أن نخصص هذا الفقرة لتوضيح المصطلحات الأكثر انتشارا في مصنفات الموسيقى ونظريتها وعلومها ( انظر المزيد في الفصلين 1 و 2 ).
مع تقدّم تقنيات الإتصالات اللاسلكية ( مؤلف هذا الكتاب له تكوين عِلمي في هذا الميدان ) في العقود الأخيرة تعمم مفهوم التردد/ الذبذبة fréquence. أيّ تموّج onde/wave سواءً كان من النمط الكهرومغناطيسي ( électromagnétique ، إذاعة أو تلفزة أو هاتف متنقل ) أو الإصغائي ( acoustique ) له ذبذبة ذات قيمة محددة. الإنسان يستطيع سماع الأصوات بين 20 و 20.000 هيرتز على أكثر تقدير ( الحيوانات كالقط والكلب والطيور كالنسر لها مدى أوسع ) ، وكلّ صوت ( أو رنّة آلة ) له مواصفات أهمّها الحدّة (أو العلو) hauteur/pitch فنقول " صوت حادّ " aigu/sharp أو " صوت غليظ " grave/low . والدياپازون هو معيار الحدّة وقيمته 440 هيرتز.
كلمة صوت لها مفهومان سنتطرق لهما بتفصيل لاحقا ( فصل 2 ) : الأول Voix/Voice لمّا يتعلق الأمر بصوت الإنسان وغناءه ، والثاني يتعلق بما يسمعه الإنسان Son/Sound.
كلمة نغم أو نغمة لها تاريخ منعرج ولم تكن رائجة مثل غناء أو طرب ، وأول معانيها هو " صوت " بصفة شاملة ، أو رنّة ( وهو ما يقابله حاليا "نوطة" ). " نغمة " حاضرة في عدة لغات شرقية : نهمة/نڭمة في العبرية ، ونومة ( رنّة أو نفَس souffle ) في الإغريقية ، أطلقت أوروبا هذا الاسم على العلامات الأولية Les neumes لتدوين الموسيقى. وحاليا معناها معروف لدى الجميع : نغمة تدلّ على " لحن " أو جملة موسيقية ( mélodie ميلوضي ). ولا ينبغي أن ننسى " الصنعة " وهي كلمة متداوَلة في المغرب ، أصلها من " صنَع " ، أي ألّف أو أبدع ، والنتيجة : نغمة أو لحن ، أو أغنية أو معزوفة.
هناك كذلك مصطلح " دَور" الحاضر جدا في كتابات المؤرخين وعلماء الموسيقى القدماء ، ومعناه مجموعة من النوطات تبدأ من القرار وتنتهي بالجواب/ الأوكتاڤ. هذا يعني أننا نرجع إلى نقطة الانطلاق إذن دَور= دائرة أو حلقة ، ويحمل في باطنه شيئا يشير إلى " مقام " ( " كتاب الأدوار " لصفي الدين الأرموي ) ولفظ مقام ليس قديما ( أنظر الأسماء القديمة لمفهوم " المقام " فصل 1 فقرة 2 ). مع مرور الزمن تطور معنى " الدور " ليصير في القرن 19 أغنية قصيرة ( ملحنة في مقام واحد ) عرفت أوجها في مصر في النصف الأول من القرن 20.
السلّم الموسيقي عبارة عن مجموعة أصوات/ نغمات تبدأ من القرار ( أو الأساس ) وتنتهي بجوابه وذبذبة هذا الأخير تساوي ضِعف ذبذبة القرار ويلقبونها بالأوكتاڤ ( لأنها الدرجة الثامنة ). يتكوّن السلّم البدائي من سبع درجات غير متساوية العلوّ ( فصل 1 ) ، خمسة منها متساوية علوّها/ارتفاعها " بُعد " أو " بُعد طنيني " وسنكتفي في هذا الكتاب بلفظ " طنين " كما فعل بعض المؤلفين في السنين الأخيرة ، ويقابله في الغرب ton/tone . الدرجات الإثنان الباقيتان تساوي نصف طنين. وإذا قسّمنا أيّا من الأطنّة الخمس إلى جزأين متساويين فسنحصل على 12 درجة ( أو وحدة ) من نوع نصف طنين قيمة كل منها 100 سنت ( فصل 1 ). إنه السلّم المعاصر ، يُنعت بِ المعدّل أو المستقيم لأن درجاته الإثني عشر كلها متساوية ، لكنها كانت قابلة للتغيير في العصر الباروكي baroque إلى حوالي سنة 1800 في أوروبا.
الثيم théme/thema جملة/ نغمة أحادية تُكوّن أساس أو هيكل المعزوفة تُعاد عدة مرات ، يمكننا ترجمته ب " موتيف " ( أو موضوع ). الموسيقى الكلاسيكية ( العليمة savante ) في أوروبا ، والجاز في أمريكا وموسيقى الأفلام تعتمد على ثيم/موتيف وتغييره وتوزيعه وعزفه بطرق مختلفة.
بين درجتين متتابعتين يوجد عموما " بُعد " طنين ( ماعدا في حالتين فصل 1 ) ، و " بُعد " يدلّ على الفرق أو المدى intervalle/interval ( أو distance ) بين أيّة درجتين من السلّم ولو لم تكن متتابعتين ، والمصطلح الأكثر تداولا هو " مسافة " ، فنقول مسافة ثالثة tierce أو رابعة quarte أو خامسة quinte ، و " دائرة المسافات الخامسة " Cercle des Quintes فصل 1 ، و " حلقة الأبعاد الخامسة " Cycle des Quintes فصل 4.
المركّب accord/chord له علاقة وطيدة مع " مبدأ التوافق " الذي هو عماد الموسيقى ونظريتها وعلومها ( فصل 2 ). انه مجموعة من الأصوات أو النوطات تُعزَف أو تغنّى متزامنة وتُكتب في المدرّج بشكل متراكم/عمودي ويعتبر من أهم خصائص الموسيقى الغربية. فإذا كانت الأغاني أو المعزوفات العربية ( أو الشرقية ) تُكتب في سطر/ مدرّج واحد ( مفتاح "صول" ) فإن الغربية تدوّن على مدرّجين ( مفتاح "صول" ومفتاح "فا" ) ويمكن للقارئ أن ينظر إلى أية قطعة غربية مدونة بالنوطة : النوطات المتزامنة (المكتوبة عموديا ) تنتمي إلى مركّب واحد ، وفي هذه الحالة ينتج عنها صوت شامل جميل وحسَن الرنّة. فمن هي يا ترى هذه النوطات ؟ مع القرار ، بالتتابع ( لأسباب سنشرحها في الفصل 2 ) : الأوكتاڤ أو الدرجة الثامنة ، الخامسة ( المسيطرة ) ، والثالثة ( الصافية الهارمونية ، لأن الثالثة فيها أنواع ، فصل 2 فقرة 2 ) ، الخ. هذه الظاهرة أو العلاقة بين درجة ما مع القرار ( أو بين درجتين مختلفتين ) ، يسمّيها الغرب كونصونانس Consonance ، أمّا في الأدبيات العربية القليلة فنجد عدة ألفاظ : توافق ، تآلف ، تلائم ، انسجام ، وسنتبنّى الأول منها لأنه أكثر تداولا ( ولو أنه يشير أحيانا إلى المركّب نفسِه ) .
ونصِل إلى أهم شيء في الموسيقى/الغناء ( لدى المستمع ) ، أي الترنّم Intonation إينتوناسيون ( أو الطرب/ الإطراب ، انظر الملحوظة أسفله) الذي سنتطرق إليه مرارا في هذا الكتاب ( موازاة مع التوافق ). الترنم هو ما يفرّق بين الغناء ( أو الموسيقى ) من جهة والكلام العادي أو الضجيج من جهة أخرى. فالغناء مقسم إلى أجزاء يضبطها الميزان/الإيقاع ، وكل جزء (حقل/ميزورة mesure/bar ) يتكون من لحظات ( أو نقرات ) قوية temps fort وأخرى ضعيفة temps faible ( أو خالية ) ، والصوت يعلو وينخفض ، وتتناوب لحظات التوتر والسكينة ، ولولا هذا التناوب لكان الغناء رتيبا monotone أو لم يكن هناك غناء بتاتا.
ليس هناك تعريف للترنم في صيغة جملة أو معادلة ، ولفهم هذا المصطلح واستيعابه ينبغي مقارنة ثلاثة طرق للتعبير الشفهي :
٭ الكلام العادي ، مثل إنسان يقرأ جريدة أو أستاذ يصحح إنشاء أو مذيع يقرأ الأخبار بدون تعبير ، فيه رتابة ،
٭ خطاب زعيم سياسي أو نقابي ، فالصوت يعلو وينخفض ، يقوى ويضعف ، يحلو ويجفّ ،
٭ الغناء ، ويحتوي على عناصر الطريقة الثانية ، بدرجة أقوى مع مزيد من الحماس ( أو الحزن ) وتغيير في حدّة ( ذبذبة ) الصوت فهو تارة حادّ وتارة غليظ. ويأتى الإيقاع ليتمم الترنّم ( أو الطرب/ الإطراب ، انظر الملحوظة أسفله).
فالغناء القديم عند جميع شعوب الدنيا ينقصه الترنم ، وهو في الحقيقة أقرب إلى الترتيل cantillation منه إلى الغناء. والإنشاد الشائع حاليا في الكنائس الكاثوليكية ، نشأت بوادره الأولى في الشرق في القرون الأولى للميلاد ورغم التحسّن الطفيف يبقى عديمَ الترنم. وهناك خطاب القس الأمريكي مارتين لوثر كينڭ في نقطة الوصول للمسيرة الكبرى للجالية السوداء سنة 1963 حيث ألقى خطابه الشهير آي هاڤ أودريم I have a dream الذي يشبه أغية من أسلوب الب۫لوز blues ( فصل 11 ) بترنمه وتناوب اللحظات القوية والهادئة ، فهو أقرب إلى الغناء منه إلى الخطاب.
ملحوظة : مصطلح "طرب" تجدونه أعلاه مرافقا ل "ترنم" Intonation ، معناهما متقاربان لكن الطرب شيء أقوى وليس بامكاننا اعطاءكم المزيد من التوضيحات. الكل يعرف عبارة " أطربنا يا ...... " ، ومصطلح "طرب" لا يوجد مقابل له في الغرب لأن الطرب أصلا لا وجود له في موسيقاهم . وفي نظرنا الوسيلة/الطريقة الوحيدة التي سوف توضح لكم "الطرب" هي أن نسمع نغمة من مقام غربي (دياتوني) تليها نغمة من مقام عربي/شرقي يحتوي على ربع طنين. الأمثلة كثيرة : "يا مسافر وحدك" لِ محمد عبد الوهاب ، "ليلي الأنس في ڨيينا" لِ اسمهان .....
نعرض هنا بعض المحطات التاريخية التي قد يحتاجها القارئ لمتابعة ورصد تطور الموسيقى ونظريتها وعلومها ( أنظر نبذة قصيرة عن تاريخ أوروبا في مطلع فصل 3 ).
منذ قديم الزمان كانت تعيش في شبه الجزيرة العربية شعوب ناطقة بالعربية ( أو بلغات متقاربة معها ) متمركزة على طول السواحل البحرية لشدة الحرارة وقلة الموارد في المناطق الداخلية : في بلاد الخليج شرقا ، وفي الجنوب ( حيث توجد عُمان واليمن حاليا ) ، وفي الغرب على طول البحر الأحمر. وكانت لهذه الشعوب صلات مع جيرانها خصوصا بلاد الرافدين وفارس والروم المشارقة أي البيزنطين. عرفت عدة دول/قبائل في الجزيرة العربية حضارات جد متقدمة كاليمن منذ أكثر من ألف سنة قبل الميلاد ( 16 قرن قبل الإسلام ) والبتراء Petra منذ قرون قبل الميلاد ( في سنة 106 قضى عليها ترايان قيصر روما ) وتدمر Palmyre في القرون الأولى بعد الميلاد. سبقتهم مملكة ماعن ويعرفها الغرب بإسم ماغان Magan.
كانت الممالك والقبائل الشرقية والجنوبية تعاني من ضغوط بلاد الرافدين Mésopotamie إلى أن ظهرت دولة الفرس في القرن السادس ق م واستولت على بلاد الرافدين في وقت وجيز ، واندمجت معها إلى درجة أن ابن خلدون يتكلم عن نابوكودونوزور ( 600 ق م ) كملك الفرس ( رغم أنه ملك بابيلون ). امتدت حدودها من الهند إلى مصر وبحر إيجه إلى أن هزمها ألكسندر مقدونيا في سنة 333 ق م واحتل مناطق شاسعة وشيّد عدة مدن تحمل إسمه ( منها قندهار وإثنان في بلاد السند )، وسوف يكون لهذا الإحتلال تأثير ثقافي سنجد بصماته في نظرية الموسيقى عند الهنود. بعد موت ألكسندر انقسمت مملكته بين أولاده ومساعديه والانقسام يولِد الضعف واسترجعت الفرس قوتها ونفوذها.
أمّا في شمال الجزيرة فكانت القبائل العربية منقسمة إلى جهتين : المناذرة أو اللخميون وعاصمتهم الحيرة ( تقع في منطقة العراق ) تحت نفوذ الفرس ، والغساسنة في ( منطقة سوريا ولبنان وفلسطين أو ما يسمى بالشام ) تحت نفوذ الروم ( ومن بعدهم البيزنطين ).
رغم قساوة المناخ وظروف العيش فقد كان هناك إلمام بمظاهر الترفيه ومنها الشعر والغناء وكانت أسواق ( مواسم ، في الثقافة المغربية ) تقام سنويا في عدة مدن تكون مناسبة يتبارى فيها الشعراء وأشهرها عكاظ والحيرة. والقصائد الفائزة كانت تعلّق ( أي تُكتب و تُنشر للجمهور ) بماء الذهب وهي المعلّقات.
كان الشعراء يجوبون أطراف الجزيرة ( بما فيها قبيلتي المناذرة والغساسنة ) ويطربون الأعيان وشيوخ القبائل ومن الأكيد أنهم احتكّوا بموسيقى الفرس والروم واستفادوا وأخذوا منها. يعتبرهم المؤرخون شعراء ولو أن جلّهم كانوا يغنّون أشعارهم ( أو على الأقل يرتلونها ) مصاحَبين أحيانا بآلة كالمزهر ( الإسم القديم للعود ) أو الزَنك ( آلة تشبه الكنّارة lyre ) أو الصُنج ( آلة بسيطة للإيقاع أو النقر ). وإذا كان العود من أصل فارسي فالكنّارة كانت متداولة في مناطق جد متباينة من المعمور ( الليرة عند الإغريق أو الڤينا عند الهنود أو مثيلة لهما في مصر ).
ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في بداية القرن السابع ، انتشر بسرعة واتجه نحو الشمال وانتصر على الروم في معركة اليرموك 636 م وعلى الفرس في معركة القادسية 637 م. تأسست الدولة الأموية في دمشق ثم العباسية في بغداد. وبدأت الخلافة العباسية تضعف وسيطرت عليها في القرن العاشر قبائل تركمانية أتت من آسيا الوسطى (الخليفة احتفظ بلقبه الديني رغم أنه لم تبق لديه أية سلطة ) أبرزها السلاجقة الذين أسّسوا دولة قوية احتلت جزءا من الشرق الأوسط وبلاد الأناضول. ابتداءً من نفس القرن العاشر نشأت في شرق الدولة العباسية المملكة السامانية التي تنتمي إلى أصول فارسية وتحررت من الوصاية العربية وامتدت إلى بلاد الهند والسند وخراسان وآسيا الوسطى. وسيحتل المغول في القرن 13 شمال الهند ويندمجون مع الهنود والفرس ليؤسسوا حضارةَ ما يسميه الغرب ب الهندستان ( فصل 8 ).
جاءت الجيوش الصليبية ( ابتداء من 1096 م ) لتجد الشرق الأوسط مقسما إلى دويلات يسهل احتلالها. دامت الأمور على هذه الحال ( حوالي قرن ونصف ) إلى أن سقطت بغداد في يد التتر بقيادة هولاڭو سنة 1258 م. اندمج الغزاة التركمان مع العرب واعتنقوا الإسلام وانقسموا من جديد إلى سلالات سيبرز منها العثمانيون الذين سيتقوون ويحتلون بلاد الأناضول ويدخلون بيزنطة سنة 1453 م ( هذه السنة التي نعتبرها نهاية العصور الوسطى ).
انتهت الدولة العربية في الشرق الأوسط لتقوم على أطلالها قوّتان ، هما فارس التي توسعت نحو الشرق وتركيا التي سيطرت على بلاد الأناضول وامتدت نحو أوروبا. وبعد أن تمّ تعميم اللغة العربية عند الفرس والأتراك بدأت تفقد سيطرتها تدريجيا لكنها احتفظت بمكانتها في الأنشطة والمؤلفات العلمية. في أواخر القرن 14 م أهمل المؤلفون اللغة العربية وعوضوها بلغتهم المحلية/الأصلية ( تركية ، فارسية أو أوردية ). بداية القرن 16 ومع جمود الشعوب العربية ( في المشرق ) فقدت لغتهم هيبتها وقيمتها عند الشعوب المسلمة غير العربية ، ولم يبق في الكتب إلا العناوين باللغة العربية : مؤلفات عبد القادر مراغي مثل " جامع الألحان " 1450 ، " غنية المنية " 1375 ( مؤلف مجهول ) ، " لهجة إسكندر شاه " 1500 ( عمر سامة يحيى ) ، " تحفة الهند " 1675 ( ميرزا خان ) ، " عيني أكبري " 1593 لأبي الفضل ، " النغم الصافي " 1813 لمحمد رضا ، " عِلم الموسيقى " 1700 للأمير المولداڤي ديميتري كانتمير Cantemir ، وهذه الكتب ليس لها من اللغة العربية إلا العنوان ٭32.
في الغرب الإسلامي ، انقسمت الدولة الأموية في الأندلس إلى عدة ممالك/طوائف سيتدخل الموحدون والمرابطون لحمايتها من الجيوش المسيحية ( في معركتي الزلاقة والأرك ). بعدهم سيقاوم المرينيون الغزاة َ الإسبان ، سينتصرون أحيانا ولكنهم سيخسرون المعركة الأخيرة سنة 1340 م ، وستعيش غرناطة حتى سنة 1492 م تحت سيطرة إسبانيا المسيحية. بقيت أطماع دول أوروبا قائمة إلى أن هزمها المغرب في معركة واد المخازن سنة 1578.
بعد سقوط قرطبة 1236 م وإشبيلية 1248 م ومدن أخرى في أواسط القرن 13 ، غادرت أعداد ضخمة من المسلمين واليهود الأندلسَ وتوجه معظمهم إلى المغرب ( الأقصى ) لكن جزءًا منهم رحل إلى الشرق الأوسط ، وانتهى بهم المطاف في جنوب شرق تركيا وبالضبط في مدينة قونيا. حملوا معهم أسلوب الموشحات وإيقاعاته المتعددة حيث سينسجم مع أناشيد الطائفة المولوية وسيخترق الحدود ويمتد إلى حلب بحُكم قربها من تركيا ( وصلت الموشحات إلى مصر لكنها لم تعمّر طويلا لأسباب نجهلها ).
بين القرنين 15 و 19 ( من 1400 إلى 1900 ) لم يكن وجود لأي كيان عربي قوي في المشرق ( ولا في شمال إفريقيا باستثناء المغرب ) وسينعت المفكرون العرب المشارقة هذه الحقبة بالإنحطاط. لكن كان هناك حضور قوي للدول الإسلامية وعددها أربعة تبيّنها خريطة حائطية كانت معروضة في " معهد العالم العربي " Institut du Monde Arabe IMA عنوانها " العالم الإسلامي بين القرنين 16 و 19 " ( أي بين 1500 و 1900 ) : Le monde musulman entre le 16ème et le 19ème siècle. راسلنا هذا المعهد للحصول على معلومات عن هذه الخريطة لكن مخاطبنا ادّعى أنه لا وجود لها ، ولنا اليقين أنها مرمية في القبو تحت البناية ونطلب من أصحاب القرار التدخل لكي تخرج من مخبأها ويتطلع عليها من أراد. الخطوط العريضة والمعلومات المهمة موجودة في عدة مراجع ( كتب التاريخ والإنتيرنيت ) وتتيح لنا تصميم هذه الخريطة.
1) الهندُستان ( المغول Empire moghol حسب التعبير الغربي ) ويضم شمال ووسط الهند زيادة على بلاد السند ( باكستان حاليا ) ، وكان للمسلمين فيها مكانة قوية ومن مآثرهم " تاج محل ".
2) بلاد فارس وكانت أكبر من إيران الحالية وتظم خُراسان ( أفغانستان حاليا ) ومناطق احتلتها روسيا في القرن 19 ، عاصمتها تبريز وبعدها أصفهان ، بدأت تتبنى التشيّع تحت ضغوط السلالة الصفوية.
3) الإمبراطورية العثمانية وكانت تحتل مناطق كبيرة في الشرق العربي وأوروبا المسيحية وتحكم شمال إفريقيا ما عدا المغرب ( وكانت لها أطماع لاحتلال المغرب ).
4) الإمبراطورية الشريفة كما يسمّيها المؤرخون في الغرب ( سيُسمّيها الفرنسيون ماروك Maroc ) وكانت جد شاسعة مقارنةً مع ما هي عليه الآن وكانت تضم المغرب الأقصى ، والصحراء الغربية والشرقية ، وشمال موريتانيا. والجدير بالذكر أن المرابطين أتوا من قبيلة زناڭا أو سناڭا ( صنهاجة عند المؤرخين المغاربة لأن حرف ڭ g لا يوجد في اللغة العربية ، أنظر كتاب شارل دو فوكو [De Foucauld [20 ) التي تقع جنوب موريتانيا الحالية والتي أعطت إسم سينيڭال. وإذا كان الإسلام حاضرا في عدة دول جنوب الصحراء فالفضل يرجع إلى الإمبراطورية المغربية التي توسعت في إفريقيا منذ المرابطين والموحدين إلى العلويين ( كان القضاة في موريتانيا ومالي والنيجر وجنوب الجزائر يصدرون أحكامهم بإسم سلطان مراكش أو فاس ).
" الانحطاط " ( وبعده " النهضة " ) مفهوم أنجبه المؤلفون العرب المشارقة ، وهذا المفهوم لا يهمّ المغاربة ، لأن الإمبراطورية الشريفة لم تعرف أي انحطاط في هذه الحقبة، فقد كان المغرب دولة قوية وقاوم أطماع الأتراك والإسبان ( كتاب الإستقصاء [21] ) ، وهو من أدخل الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء ٭33.
خريطة العالم الإسلامي بين القرنين 16 و 19 ( أي تقريبا من 1500 إلى 1900 ) ، رسمناها حسب المعطيات التي جمعناها من خريطة معهد العالم العربي Institut du Monde Arabe في باريس ومن عدة مصادر تاريخية.
من الشرق إلى الغرب : H الهندستان أو P ، l'Empire Moghol بلاد فارس ،T الإمبراطورية العثمانية ، M الإمبراطورية الشريفة.
إذا كانت دمشق وبغداد رمزَ الحضارة العربية وثقافتها وفنّها ( بما في ذلك من شعر وطرب ) ، فالأوضاع مختلفة في يومنا هذا ( منذ أواخر القرن 19 ) : محور الثقافة والموسيقى هو القاهرة، لكن الشيء الذي يجهله المشارقة ( وربما كثير من المغاربة ) هو أن مدينة فاس العالمة كانت ولا زالت مركز العِلم والثقافة والموسيقى بصفة مستمرّة منذ أكثر من ألف سنة. وهنا يجب التذكير بأن جامعة القرويين هي أقدم جامعة في العالم ،
أُسست في أواخر القرن 9 م. ولمّا بعثت كنيسة روما " العلاّمة جيربير " كما تلقّبه أوروبا المسيحية « savant Gerbert » ليعبُر جبال البرانس ويلتحق بالأندلس لتلقّي العِلم حوالي 1000 م ، تابع مسيرته حتى مدينة فاس ليتمم معارفه في جامعة القرويين. رجع " العلاّمة جيربير " حاملا معه منظومة الحساب العربي لكن الكنيسة رفضتها وتابعت استعمال الأرقام الرومانية القديمة التي لا تصلح للعمليات الحسابية.
إبان عصر الانحطاط في المشرق ( تقريبا منذ سلالة المرينيين التي حاربت التحالف المسيحي في الأندلس ، إلى تدخّل دول أوروبا في شؤون المغرب ، عبورا بمعركة وادي المخازن ) كان المغرب ( وعاصمته فاس ، مع فترة قصيرة لمكناس ) يشكل دولة قوية وأكبرَ قطب عربي في العلوم والثقافة والموسيقى. وفي هذه الحقبة تطور ونضج في فاس ومدن أخرى شمال المغرب " طرب الآلة " أو " غناء النوبة " (فصل 7) .
وأخيرا لا يمكن ختام هذه المقالة بدون ذكر نوستراداموس ( 1503ـ 1566 ) Nostradamus الذي ألّف ( أرجوزة ) كتابا في شكل رباعيات ينصح فيه أوروبا المسيحية ويحذر أهلها من مغبة إغفال وجود المسلمين/العرب الذين يعتبرهم أعداء ( من الوجهة الثقافية/ الحضارية والعسكرية ). في تلك الحقبة ، إبان عصر النهضة الأوروبية ، لم تكن أي مدينة في العالم العربي تنافس مدينة فاس. ومن أشهر رباعياته تلك التي تذكر فاس :
De Fez le règne parviendra à ceux d´Europe, Feu leur cité, & lame trenchera
يمكن ترجمة البيت الأول : من فاس سيأتي المُلك ( أي السلطة أو القوة أو العدو ) ، والبيت الثاني : سيحرق المدينة ويذبح البشر.
في القرن 18 ، نتيجة للتأثير التركي بدأت مدينة حلب تتميز عن باقي المدن العربية الشرق ـأوسطية وازدهرت فيها الموسيقى وصارت أكبر قطب موسيقي في القرن 19 في الشرق الأوسط. ومن حلب ( ودمشق ومدن أخرى من الشام ) سيهاجر عدد من الموسيقيين إلى مصر في النصف الثاني من القرن 19 أبرزهم شاكر أفندي الحلبي ( فصل 10 ) جلبهم التقّدم الذي وصلت إليه مصر منذ قدوم ناپوليون حيث توافد عدد من الأدباء والمفكرين من الشام إلى القاهرة ( مثل جورجي زيدان ).
وسيأتي القرن 20 ليخيب آمال القوميين العرب لتحقيق " النهضة " ، وستساعد القبائلُ العربية الجيوشَ الأوروبية في معاركها ضد الأتراك ( لورانس العرب Lawrence d'Arabie ) وتفتح لها المجال لتقسيم الأراضي العربية. فالحدود الحالية في الشرق الأوسط أو في شمال إفريقيا سطّرها المستعمر الأوروبي ( سايكس-پيكو Sykes-Picot ، بلفور ، ليوطي ) في أوائل القرن العشرين. في المشرق تكونت دول جديدة لتنصيب الأمراء الموالين لأوروبا ، وفي المغرب العربي كوّنت فرنسا دولة شاسعة جمعت فيها المناطق الساحلية بما فيها القبائل الأمازيغية والصحراء والطوارق. وفي سنة 1958 تأسس ما يسمى " Comité de salut public de l'Algérie et du Sahara" ، عبارة موجودة في الإنتيرنيت مع كل الشروحات. وهذه العبارة إن دلّت على شيء فإنها تدلّ على أن الصحراء الكبرى ( ومنها الصحراء الشرقية ) لم تكن جزءا من الجزائر ، لكن ستضمها فرنسا للجزائر في مفاوضاتها سنة 1962. الجنرال دوڭول كان يؤيد فكرة دولة للطوارق في الصحراء الكبرى إسمها " ترقستان " ( بالقاف وليس بالكاف ، أصل الكلمة من "ستان" أي بلاد و "طوارق" لأن اللغة الفرنسية لا تفرق بين "ط" و"ت" ) لكنه تنازل في الأخير عن هذه الفكرة مقابل الاحتفاظ بمنشآت عسكرية ( حيث كانت تقوم بتجارب نووية ). وخلاصة القول ، كما يقول فرحات عباس ، أحد مؤسسي FLN جبهة التحرير الوطنية :
" La France n'a pas colonisé l'Algérie, elle l'a fondée " ( عبارة موجودة في الإنتيرنيت ) ، أي : فرنسا لم تستعمر الجزائر وإنّما صنعتها أو خلقتها.
أحمد ربّاع حاصل على دكتوراه الدولة في علوم المواصلات اللاسلكية ( نال عليها جائزة CNRS المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا سنة 1987 ) ومتخصص في الرادار ( أنظر أسفله ). وله كذلك دبلوم في الموسيقى Premier Prix de solfège وفي آلة الپيانو Première Médaille de piano من معاهد الدار البيضاء. ازداد صيف 1953 بالدار البيضاء في حيّ سيكون رمزَ المقاومة ضدّ الإستعمار الفرنسي وسيكون المحطة الأولى للسلطان محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى وسيحمل إسمه من بعد ( الحي المحمدي ، ولنا عودة للموضوع ). يشتغل أستاذا في كلية العلوم بالدار البيضاء وسابقا في معاهد الموسيقى في الدار البيضاء . يقوم بأبحاث في علوم الإصغاء/السمعيات والموسيقى ، ألّف كتابين باللغة الفرنسية الأول Histoire de l'acoustique musicale عند دار النشر ڤوزو Fuzeau للتربية الموسيقية 2006 ( لقي نجاحا كبيرا ، أنظر أسفله ما كتبه النقاد ) والثاني Histoire universelle de la musique عند دار النشر هارماطان Harmattan 2015. للمؤلف عدة ألحان لأشعار بالعربية والفرنسية والإنجليزية. بالعربية مثلا لحّن رباعيات من قصيدة المواكب ( أعطني الناي وغني ) لجبران خليل جبران استعمل فيها سبع مقامات الأكثر تداولا ، وجزءا من قصيدة البحيرة لِلامارتين Lamartine ( أشهر قصيدة في الشعر الفرنسي ) ، وكلمات من خطاب القس مارتين لوثر كينڭ Martin Luther King آي هاڤ أو دريم I have a dream ، وأخرى بالفرنسية من أغنية Imagine لجون لينون John Lennon.
في إطار أبحاث دكتوراه الدولة ، درس أحمد ربّاع وصمّم وابتكر نوعا جديدا من الرادارات يمكن نعته برادار الجيل الثالث G3 ( لن يكون هناك جيل رابع G4 ). الرادار ظهر في بداية الحرب العالمية الثانية ( أو قبلها بقليل ) والجيل الأول كان يتكون من أسلاك تشبه الهوائيات ٭34 antennes الأولى للإذاعة أو التلفزة. وإبان هذه الحرب أُنجزت التجارب الأولى للجيل الثاني من الرادارات ، على شكل صحن parabole يتحرك لمتابعة الهدف cible/target لكنها لم تُستعمل على نطاق واسع إلّا في أواخر الخمسينات ، لسببين : نموّ النقل الجوي وبداية الحرب الباردة. هذا النوع يشبه هوائيات التلفزة عبر الأقمار الإصطناعية ، وهو الذي يوجد في جميع مطارات العالم. لكن في أواخر السبعينات أحسّ المسئولون بأن هذا النوع لم يعد كافيا لحاجياتهم وفكروا في صنع رادار يتيح متابعة أهدافٍ تتحرك بسرعة فائقة ( طائرات حربية جد سريعة أو قذائف صاروخية missiles ). والحل الذي وصلوا إليه له شكل لوحة plaque عمودية ثابتة تضم عددا كبيرا ( قد يتعدى الألف ) من الخلايا cellules تبثّ إشارات signaux وتقوم بدور رادارات جد صغيرة minuscules ، ويمكن التحكم في حصيلة هذه الإشارات بوسائل إلكترونية لمتابعة الأهداف ( دون أي تحرك للوحة ). والشيء الذي لا تبينه الصورة هو شبكة الخطوط lignes de transmission والآليات الإلكترونية الموجودة خلف اللوحة.
بعد الحصول على دبلوم Master )DEA) في الإلكترونيك من جامعة ليل Lille بشمال فرنسا ، قرر أحمد ربّاع الإلتحاق بمختبر الپروفيسور دوبوست Gérard Dubost في مدينة رين Rennes ( مقاطعة بريطانيا ، غرب فرنسا ) لتحضير دكتوراه السلك الثالث ومن بعدها دكتوراه الدولة. فالپروفيسور دوبوست يشتغل في ميدان الهوائيات antennes والرادارات منذ الستينات من القرن الماضي حيث اشتغل مع الألماني Siegfried Zisler. فمن هو زيسلر ؟
لمّا انهزمت ألمانيا النازية في 1945 هاجر كثير من العلماء والمهندسين إلى الولايات المتحدة لكن بعضهم فضّل البقاء في فرنسا ( لأسباب شخصية أو عائلية أو لغوية ) ، ومنهم زيسلر الذي كان يشتغل في صناعة الرادار واستقر في باريس بعد الحرب. دوبوست بعد تخرجه من مدرسة المواصلات SupTélécom في باريس حضّر دوكتوراه مع زيسلر وسيؤلفان معا كتابا في الموضوع. سوف يحصل دوبوست على أعلى وسام في فرنسا Légion d'honneur لمجموع إنجازاته في ميدان المواصلات اللاسلكية ، لكن أحمد ربّاع مقتنع بأن الرادار الذي ابتكره ساهم بالقسط الأوفر في هذا الوسام.
بعد عودته إلى أرض الوطن سنة 1983 ، اشتغل الدكتور ربّاع مدرّسا في كلية العلوم بالدار البيضاء ، وسافر إلى الولايات المتحدة لقضاء فترة 3 أشهر في مختبر Y. T. Lo المتخصص في الرادار لمتابعة تجاربه ، في نفس المختبر الذي اشتغل فيه باردين John Bardeen مخترع الترانزيستور الحاصل مرتين على جائزة نوبل.
1 - محمود الحفني درس أعمال ابن سينا وشرحها في Ibn Sinas Musiklehre " 1931" ، وغطاس خشبة ألف " شرح الموسيقى من كتابي الشفاء والنجاة " 2004.
http://www.sudoc.abes.fr//DB=2.1/SET=1/TTL=1/CMD?ACT=SRCHA&IKT=1016&SRT=RLV&TRM=ilm-i+musiki
2 - وكذلك صنع هذه الأصوات وتنقلاتها عبر الهواء ( الأثير ) ، وهذا موضوع علمي محض يتطلب تكوينا متخصصا ذا مستوى جامعي لا يدخل في إطار كتابنا هذا.
3 - كلما تجدون كلمتين بالحروف اللاتينية ، فالعادية/الطبيعية منها فرنسية والمائلة إنجليزية.
4 - اللغة الأوردية خليط من الفارسية والهندية كانت لغةَ المسلمين في شمال الهند الذي يسمونه في الغرب الهندُستان أو المُڭول ( Empire moghol وليس mongol ) ، دامت حضارتهم عدة قرون إلى أن هزمهم الإنجليز في القرن 19.
5 - سقطت بغداد في 1258 وقرطبة 1236 واشبيلية 1248 ( غرناطة بقيت تحت نفوذ الإسبان إلى 1492 ) ، أنظر توضيحات حول " الانحطاط " في فقرة " شيء من التاريخ " أسفله.
6 - الإستشراق لا يهمّ الشرق وحده ، فهناك المغرب والأندلس ، ومن الكتب الأولى التي درسها " المستشرقون " كتاب عبد الواحد المراكشي ( 1185-1250 م ) " المعجب في تلخيص أخبار المغرب ". شرحه ونشره ( وربما ترجمه ) سنة 1847 الهولندي ذو الأصول الفرنسية Reinhart Dozy.
7 - https://archive.org/details/letraitdesrapp00alba كارادوڤو
8 - أنظر الصورة فصل 3 ، le boulier أو لوحة الحساب ، تحمل طابات ( جمع طابة وهي كرة صغيرة boule ) ، كانت تُستخدم لإنجاز عمليات حسابية بسيطة في أوروبا والبلدان ( الصين واليابان مثلا ) التي لم تكن تعرف منظومة الأرقام العربية ذات الأصول الهندية.
9 - ميزوپوتاميا وپوليفوني ، في هذين اللفظين حرف پ p الذي لا يوجد في اللغة العربية ، لكن للبحث عنهما في الإنتيرنيت ينبغي تعويضه بحرف باء وإلّا سوف تظهر فقط الصفحات باللغة الفارسية.
10 - دساتين والجمع دستان ، كلمة فارسية رائجة في الأدبيات العربية.
11 - عود/قيثارة أوروك Ourouk ، بالإنجليزية Uruk lute. فارمر يستعمل الإسم التاريخي الحقيقي پاندور pandore .
12 - أوروبا دون إسبانيا. " أوروبا " في هذا الكتاب تستثني إسبانيا/قشتالة لأن موسيقى هذه الأخيرة كانت شبيهة بالتي في الأندلس.
13 - التي تسمّى كذلك إيليون والتي أعطت إيلينا / هيلينا الإسم الرسمي لجمهورية الإغريق ، عُرّبت ب " اليونان " : الجمهورية الإيلينية Ellinikí Dhimokratía
14 - Histoire générale de la Musique », F. J. Fétis» ، الجزء الرابع ، الفصل الأول ، ص 12.
15 - يُنسب عادة إلى أوقليدس لكن من المرجح أن يكون مؤلفه هو قليونيد/قليونيدس ، وفي الإسمين تشابه.
16 - " القانون في الطب " Canon de la médecine هو كتاب في الطب ألفه ابن سينا ، بقي لفترة طويلة المرجع الأساسي لتدريس الطب في مختلف جامعات أوروبا.
17 - لفظ plain ( بحرف a ) يشير إلى صفة " بسيط " ، غير معقد ، مع شيء من الرتابة monotonie مثل الأرض البطحاء la plaine ، ونجده في اللغة الإنجليزية.
18 - في تاريخ أوروبا وثقافتها ، المنيستريل Ménestrel/Minstrel شخص يمارس الغناء والعزف على آلة وترية ( عود ، كنارة ). لا يوجد مقابل لهذا المصطلح في اللغة العربية وأفضل تعبير هو " المنشد " ( أو " المطرب " ). مصطلح " منيستريل " شامل ويضم كل أنواع المنشدين ( من شعراء وعازفين ) في جميع أنحاء العالم. والعديد من الشعراء العرب قبل الإسلام كانوا يغنّون أشعارهم ( أو على الأقل يجوّدونها أو يرتّلونها ) ، مصاحَبين أحيانا بآلة المزهر ( العود ) أو الزنك ( الكنّارة ) أو الصُنج وكان الأعشى يلقب ب " صنّاجة العرب ".
19 - آلة إسبانية بين العود والكمان تعزف بالريشة أو بالآرشيه vihuela .
20 - لفظ luthier يأتي من luth وهو يدل على صانع جميع الآلات الوترية : عود ، قيثارة ، كمان ؛ فرض العود ( آلة الحكماء ) نفسه في أوروبا وعمّر طويلا.
21 - هنري جورج فارمر نشر عدة كتب ومقالات حول تاريخ ونظرية الموسيقى العربية. هذه اللائحة نقلها يوسف شوقي في تحقيقه لرسالة ابن المنجم في الموسيقى [22] عن إحدى مقالات فارمر .
22 - فورستر نشر أبحاثا قيّمة فيما أنجزه العرب في علوم الموسيقى
http://chrysalis-foundation.org/musical_mathematics.htm
23 - https://archive.org/stream/jawamea_ilm_al-mosiqa#page/n0/mode/2up
24 - السلّم الموسيقي الغربي يتركب من أبعاد من نوع طنين ونصف طنين ( فصل 1 ) ومن الصعب شرح مفعول ربع الطنين quart de ton / quarter-tone على الأذن وينبغي الإنصات إلى جملة من مقام غربي ( أي لا يضم إلّا أبعاد الطنين ونصف الطنين ) تليها جملة من مقام عربي تضم رُبع الطنين ( مثل " ليالي الأنس في ڤيينا " لاسمهان).
25 - الجملة بالإنجليزية "If birds can sing quartertones, why shouldn't we play them?"
26 - أنظر الأسماء القديمة لمفهوم " المقام " فصل 1 فقرة 2.
27 - أنظر مقال إيطوس Ethos في موسوعة لاروس Larousse على الإنتيرنيت.
28 - Danielou : Traité de musicologie comparée, 1959 : “Il nous faut aussi renoncer au préjugé qui voit dans la forme harmonique un développement, un progrès sur la forme modale”.
29 - جامعة بولونيا التي أسستها الكنيسة في أواخر القرن 11 لا يُمكن اعتبارها جامعة ، فقد كانت لا تدرّس إلّا المواضيع الدينية.
30 - الطب : كانت أوروبا تعاني من الأوبئة ، وهذا يذكرنا بما قاله صلاح الدين الأيوبي لمبعوث أمير الإفرنج المريض في فيلم Kingdom of Heaven : سأبعث لك بأطبائي Je t'enverrai mes médecins. الفيلم سُجلت مشاهده في ورززات.
31 - راموس Ramos de Pareja دي پاريا أو پاريخا ، لا نعرف كيف ينبغي النطق بها.
32 - مثال آخر : كتاب Konuni ilmī va amalii musik̦ī " قانون علمي وعملي موسيقي " للطجيقي محمود حسيني زين العابدين Zajnulobidin, Mah̦mudi H̦usajni باللغة الطجيقية ، 1987. http://www.sudoc.abes.fr//DB=2.1/SET=1/TTL=1/CMD?ACT=SRCHA&IKT=1016&SRT=RLV&TRM=ilm-i+musiki
33 - خلال الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لنيجيريا في دجنبر 2016 ترددت الأصوات لتذكر بالعلاقات التاريخية العميقة بين البلدين ، وفي صلاة الجمعة التي أدّاها الملك محمد السادس مع الرئيس محمد بوخاري ألقى الإمام خطابا تتخلله بعض الجمل التي تداولتها وسائل الإعلام المغربية مثل : " نعتز بكون ذلك كله إنحدر الينا من المغرب الشقيق " ، " الكتب المغربية التي يتخرج عليها العلماء في مراكز التعليم بغرب افريقيا ".
34 - هوائي aériel هو الإسم الأول لِ antenne لأنه كان موجها إلى الهواء/الفضاء.
الرادار الذي ابتكره الدكتور أحمد ربّاع على شكل لوحة ثابتة ، يتكون من 1024 خلية ، ويبثّ إشارة signal يمكنها التحرك والبحث عن الهدف ( بخلاف الرادار العادي المتواجد في جميع مطارات العالم ) ، صنعته شركة Thomson-CSF) Thales) سابقا . الصورة من مقال نُشِر في مجلة IEEE الأمريكية ، 1986 ( أنظر سيرة المؤلف في آخر المدخل ).
مقدمة مقال منشور في مجلة أوروبية يدرس المقام العربي الشرقي ويحدد درجات أبعاده ( لم يُكتب لهذا المقال النشرُ في المغرب ).
الجائزة التي نالها الدكتور أحمد ربّاع من المركز الوطني للبحث العلمي CNRS في فرنسا سنة 1987 ، مكافأة له واعترافا بقيمة الأبحاث التي أنجزها في إطار أطروحته لِنيل دكتوراه الدولة.
من كتابنا الثاني " تاريخ نظرية الموسيقى " [8] ، منشورات هارماطان Harmattan ، 2015 :
.Extraits de quelques articles de presse sur notre premier livre « Histoire de l’Acoustique Musicale », Editions Fuzeau
(L’Education Musicale (n° 537/538, nov/déc 2006, page 38
Il peut paraître étonnant de classer une telle étude dans la Formation musicale. Elle en fait toutefois partie grâce à ses qualités pédagogiques. L’exposé est clair et le contenu passionnant. Certes, il ne fait pas l’économie d’un peu de mathématiques, mais rien qui ne soit à la portée de l’honnête homme. …. L’auteur traite son sujet autant en physicien qu’en musicien, et c’est un régal. …. Du musicien amateur éclairé à l’élève des grandes classes de nos écoles de musiques, tout le monde trouvera son miel dans cet ouvrage.
DIAPASON (juillet/aout 2006, page 18) : Les Lois de la musique
… Des lois physiques qui régissent la musique aux notions fondamentales du solfège, l’ouvrage de S. Donval s’offre comme une synthèse des connaissances nécessaires à la compréhension des notions de gamme, d’échelle ou encore de tempérament, parmi bien d’autres. Si les explications et les références scientifiques ne manquent pas, le style est clair et concis, la présentation lumineuse. Un «usuel» à recommander.
(DISSONANZ / DISSONANCE (revue suisse, juin 2007, page 56
Et c’est finalement à la croisée des disciplines mathématique et musicale que l’ouvrage trouve son point de convergence, disciplines dans lesquelles l’auteur évolue en spécialiste, …… il est tout-à-fait possible de suivre le raisonnement de l’auteur sans une compréhension approfondie des questions mathématiques. Tout dans l’ouvrage semble par ailleurs être fait pour le confort du lecteur. Nancy Rieben
(http://neospheres.free.fr (repris par ingenieurduson.com
La question est vaste mais S. Donval, par son expertise et par un sens pédagogique très affirmé, relève ce défi haut la main. …. Pour mener à bien cette tâche, l'auteur commence par poser les bases de ce qui constitue l'acoustique musicale. Puis il décortique plus en profondeur les notions de son et de fréquence, les harmoniques …… , mais au fur et à mesure de son appropriation cet ouvrage devient un véritable livre de chevet, un manuel au sens fort, littéralement à tenir à portée de main, un livre indispensable dont les ressources semblent inépuisables. Eric Deshayes
CRESCENDO (87, avril-mai 2007, page 36
…..L’Histoire et la Tradition ont eu beaucoup d’influence sur la musique, souvent au détriment des règles de base de l’Acoustique. … Les explications et réponses à ces questions et à d’autres sont exposées dans cet ouvrage, arguments et références à l’appui. D’un langage clair et didactique, cet ouvrage est accessible à toute personne qui s’intéresse à ces questions fondamentales. …
Le Nouveau Musicien (n°17, 2006) : Le son à travers les âges
... Cet ouvrage tend à démontrer que la Tradition n’est justement pas le fait du hasard, mais qu’au contraire elle respecte les lois de la physique. « Ces lois expliquent, par exemple, pourquoi l’enchainement de l’accord de septième de dominante vers l’accord parfait de la tonique est la meilleure manière de finir une phrase. » …. Ouvrage de vulgarisation scientifique, il s’adresse ainsi à l’enseignant et l’étudiant, comme au musicien curieux de remonter à l’origine du son.
http://www.classiquenews.com
Autant dire que cette histoire quasi exhaustive de l’acoustique musicale devrait séduire le plus grand nombre, et même s’adresser, comme une bible, à tout mélomane avisé, curieux, critique..... La démonstration est limpide : argumentée, synthétique …. Débarrassé de toute emphase liée au goût, à la sensibilité, comme de toute polémique, le texte se lit sans aucune aspérité. Un régal pour l’esprit, une nourriture des plus recommandées pour la curiosité et la culture du mélomane de tout niveau. Ernst van Beck
http://www.citizenjazz.com
Ce livre est à mettre entre toutes les mains, mais quelques rappels en physique élémentaire sont de mise.
Ce traité se termine par un long voyage à travers les âges, via la restitution de la réalité historique de l’acoustique dans les différentes civilisations (« De la Mésopotamie à la Californie »). Il se lit très bien mais peut surtout servir de référence pour qui souhaite acquérir des notions théoriques et historiques dans le domaine de l’acoustique. Jérôme Gransac
http://www.resmusica.com
L’une des qualités notables de cet ouvrage est d’être à la fois assez synthétique et suffisamment documenté pour démêler le fil des conceptions scientifiques du son, d’une part, et les problématiques harmoniques qui ont pu se cristalliser par elles. Dès lors, s’il peut d’abord se présenter comme un complément acoustique à tout solfège, il peut aussi bien servir de manuel d’introductions aux musiques du XXe siècle …. Il n’en reste pas moins un ouvrage utile aux étudiants, professeurs et mélomanes, dans la mesure où, justement, on n’écoute pas la musique qu’avec les oreilles. David Christoffel
جدول من كتاب ديكارت Compendium Musicae يرتّب فيه مسافات السلم الموسيقي حسب درجة التوافق.
إنه مجموعة من الأصوات sons/sounds تُسمّى نوطات notes ، موضوعة على درجات degrés ، تُستخدَم للتلحين والعزف والغناء. تبدأ من نوطة غليظة ( ويقال كذلك ثقيلة ) grave/low أي ذات ذبذبة fréquence صغيرة/ سفلى هي الأساس أو القرار tonique/tonic ، وتصعد أي تصير حادّة aigu/sharp تدريجيا وتنتهي بالجواب وهي نوطة ترنّ بكامل التوافق والإنسجام مع القرار ( ويمكن رصدها والتعرف عليها بدون صعوبة ). سوف نعود ( فصل 4 ) لنفسّر الأسباب التاريخية والطبيعية والعِلمية ( تتعلق بعلم الإصغاء/ السمعيات acoustique ) التي أدّت إلى اختيار هذه الأصوات/النوطات وتحديد عددها وعلوّها/حدّتها hauteur/pitch. عناصر هذه المجموعة كان يعبّر عنها في القدم بكلمة " نغمة " ٭1.
السّلّم الأوّلي أو البدائي يتكوّن من سبع درجات ، أسماؤها المتداولة تاريخيّا ( في جنوب أوروبا ذي الثقافة اللاتينية وكذلك في العالم العربي ) هي :
دو - رَي- مي -فا-صول-لا-سي (دو) ٭2 ، لكننا لاحترام الأعراف والتقاليد سنضطر أحيانا لكتابتها وقراءتها من اليسار إلي اليمين أي كلّما ترون هذه العلامة <==.
هذا السلّم سُباعي heptatonique. عادةً نتمّمه بنوطة ثامنة حادّة هي جواب القرار واسمها "دو" كذلك وتكوّن مع القرار مسافة ديوان octave. سوف نرى فيما بعد أن ذبذبة ( تردد ) الجواب تساوي ضِعف القرار وأنه إذا كان الوتر المطلق يعطي نغمة "دو" فنِصف الوتر يعطي الأوكتاف/الديوان أي "دو" التالية وهذا شيء يعرفه عازفو العود والآلات الوترية عموما ٭3 .
درجات هذا السلّم ليست متساوية. فإذا أخذنا مسافة "دو" إلى "رَي" مقياسا بإسم "طنين" ton/ tone ، فبين كل نوطة والتي تليها ( مثال : دو ← رَي أو فا ← صول ) المسافة هي طنين واحد كامل باستثناء البُعدين " مي← فا " و " سي ← دو " فهُما يساويان فقط نصف طنين demi-ton/ semitone ( تمعّن في الرسمين أعلاه وأسفله ).
السلّم السباعي هو المرجع ، لكن موسيقى بعض الشعوب ينقصها نصف الطنين ويصير السلّم خماسيا pentatonique ، ومن هذه الشعوب : الصين واليابان ، السيلت celtes في أوروبا ( سكوتلاندا ، إيرلندا ، مقاطعة بريطانيا في غرب فرنسا ومقاطعتي ݣاليسيا وأستورياس في شمال غرب إسبانيا ) ، إفريقيا السوداء والأمازيغ في شمال إفريقيا ، والنتيجة : دو-رَي-فا-صول-لا- (دو).
تُدوّن أي تُكتب الأنغام بواسطة مجموعة سطور متوازية أفقيا تسمى مُدرّجا portée ( بالإنجليزية staff/stave وجمعُها staves ) يُقرأ من اليسار إلى اليمين انطلاقا من علامة " مفتاح صول " ( أو " مفتاح فا " ) :
ملحوظتان
٭ يمكن تمديد السلّم إلى أعلى ( نحو الأصوات الحادة ) وإلى أسفل ( نحو الأصوات الغليظة ).
٭ كما توضّح صورة الكيبورد يمكن تقسيم الدرجات ذات طنين كامل إلى نصفي طنين ليصبح عدد الدرجات 12 لكل واحدة منها نصف طنين ( ومجموع الديوان 6 أطنّة ).
الموسيقى منبر يلتقي فيه الفن والتقنية والعِلم في نفس الوقت ، ولا تستعمل أيَّ صوت يرنّ بأيّة ذبذبة بل تعتمد نوطات منظّمة بشكل دقيق وكلّ لحن/غناء يتركب فقط من سبعة من الإثني عشر ( صورة الكيبورد أعلاه ) ، ومجموع هذه النوطات السبع تسمى " مقاما " ٭4. ومن أجل تسهيل المفاهيم الأولية ارتأينا أن نبتدئ بالمقامات الغربية لبساطة تركيبها. المقام الأكثر انتشارا في الغرب هو المقام الكبير ماجور ويسمّى عند العرب " عجم " ويُعتبر هو المرجع ، ولهذا فهو يشبه/ يطابق السلّم ، بتعبير آخر(لأسباب تاريخية) أخذ الغرب المقامَ العجم واعتبره سلّما أو نمودجا ، يتألف من سلسلة سبع درجات كالتالي، من اليسار إلى اليمين <== :
المقام الكبير ( ماجور/عجم ) :
نلاحظ هنا أن مسافة الخامسة ( دو← صول ) تساوي 3 طنين ونصف ( وتعتبر تامة/كاملة juste ) والثالثة تساوي 2 طنين ( وتعتبر كبيرة majeure ).
وهناك المقام الصغير ( مينور/نهوند ) <== :
يتبين لنا هنا أن المقام الصغير يحتوي على السبع نوطات المتتابعة انطلاقا من درجة "لا" ، ويسمى عند العرب نهوند ( كلمة فارسية الأصل ). ونلاحظ أن مسافة الخامسة ( دو← صول ) تساوي 3 طنين ونصف ( كالتي في الماجور ) لكن الثالثة تساوي فقط طنين ونصف ( وتعتبر صغيرة mineure ).
كانت في أوروبا سبع مقامات نحصل عليها من السلّم الموسيقي بطريقة بسيطة : ننطلق من أيّة نوطة في السلّم البدائي كقرار ، مثلا ، نبدأ ب "مي" <== :
إسمه عند الغرب مقام فريجيان phrygien وعند العرب " كُرد " أو " كورد ".
وهكذا يمكن تكوين سبعة مقامات ( بما فيها عجم ، نهوند وكُرد ) لا تحتوي إلّا على النوطات الطبيعية الدياتونية ( ذات اللون الأبيض في الكيبورد ).
جدول المقامات السبع القديمة في العصور الوسطى ( أوروبا ) : ˃==
حُذفت المقامات السبع القديمة إلّا إثنان منهما : الماجور ionien والمينور éolien إبان عصر النهضة ( لأسباب غير مُقنعة سنتطرق إليها فيما بعد ) من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالموسيقى. إنهم المنظّرون الذين كانوا رهبانا أو قساوسة يمارسون شتى الدراسات والعلوم تبعا لتعليمات الكنيسة الكاثوليكية. أمّا في شرق أوروبا بعيدا عن نفوذ الكنيسة الكاثوليكية فلم يُحذف أي مقام ، لكن مع مرور الزمن ضعفت مكانة بعض المقامات ، لكي يبقى ثلاثة فقط : الماجور والمينور والكورد ( فريجيان ). هذا الأخير حاضر في الموسيقى التقليدية الروسية ، وأهم خصائصه هي أن أول درجاته تساوي نصف طنين. وفي القرن 15 لمّا انشق الپروتستان عن كنيسة روما وقع نفس الشيء ولم يستجب الملحنون لتعليمات الڤاتيكان ولهذا بقي الفريجيان حاضرا ونجده عند بعض الملحنين الألمان من المذهب الپروتستاني : ج س باخ ، بروكنر ، لوثر.
ملحوظة : نجد مقام الكورد في التراث الأندلسي-المغربي ( فصل 7 ) ويسمونه صيكه/ صيكا ( تحريف للفظ سيكه أو سيكاه المشرقي ، وهذا الأخير يحتوي على ربع الطنين ).
المقامات السبع التي عرضناها أعلاه تحتوي فقط على سبع نوطات أساسية حاضرة في السلّم السباعي ، وهي الأزرار البيضاء في الكيبورد. تُنعت هذه النوطات أو الأزرار بالطبيعية أو الدياتونية ، وبالتالي فهذه المقامات هي كذلك " دياتونية " ( أو طبيعية ) .
أبعاد أو مسافات السلّم الموسيقي كما رأينا ليست متساوية ، جلّها (5) يساوي طنينا والإثنان الباقيان " مي← فا " و " سي← دو " يساويان نصف طنين. وإذا قسّمنا كل ذي طنين إلى نصفين أصبح الديوان مكوّنا من 12 " نصف طنين " بفضل زيادة 5 نوطات ( الأزرار السوداء في الكيبورد ). وللإشارة إلى هذه الدرجات ابتُكرت علامات تحويل ٭5 من نوعين : رافعةdièse أو خافضة bémol لرفع الصوت أو خفضه بنصف طنين :
دو# = رَيb رَي# = ميb فا# = صولb صول# = لاb لا# = سيb
وكذلك : مي# = فا ، فاb = مي ، سي# = دو ، دوb = سي
علامة ثالثة مانعة بيكار bécarre تقوم بإلغاء مفعول العلامتين السابقتين.
هذه العلامات لها دور لا يمكن الإستغناء عنه ، فهي تفرض وجودها إذا شئنا تمديد المقامات ، واعتبار أيّة نوطة من النوطات الإثني عشر كقرار. مثلا ، نأخذ أغنية في مقام ماجور/كبير/عجم على قرار "دو" ، لو أراد شخص ذو صوت حادّ ( إمرأة أو طفل ) واختار صوت/نوطة "صول" كقرار ، فلننطلق إذن من "صول" ولنَسِر على نمودج/مقام عجم : <==
كان لا بد إذن رفع "فا" بعلامة رافعة dièse بنصف طنين ليكون هذا المقام مطابقا لشكل العجم ( فقرة 2 ). مثال آخر : حاوِل كتابة المقام الكبير بداية من "فا" فسوف تكون مضطرّا لخفض درجة "سي" بعلامة خافضة bémol.
رأينا فيما قبل شكلَ المقام الصغير، مبنيا على قرار "لا". فإذا أخذنا "رَي" كقرار وجب خفضُ "سي" ، وإذا كان القرار "مي" وجب رفع "فا" لكي نحتفظ بشكل مقام نهوند : <==
مقام كورد فريجيان ينطلق من نوطة "مي" وهو في هذه الحالة دياتوني ( فقرة 2 ). يمكن بدايته من أي نوطة مع ضرورة إدخال بعض علامات التحويل ، وهو جدّ متداول عند العرب ، وهذه 3 أمثلة من مقام كورد على "لا" ، "دو" ، " رَي" : <==
توضع علامات التحويل التي تعرّف بالمقام ، من رافعات أو خافضات ، في بداية المدرّج بعد المفتاح ، ومجموع هذه العلامات في هذا المكان يسمى " دليل المقام " .
ملحوظة : الكومة التي تساوي تُسع الطنين والتي يسمَع بها العازفون غير حاضرة في هذا الفصل لأنه يعالج فقط السلّم المعدّل/المستقيم ، ولنا عودة للموضوع في فصل 4.
رأينا أعلاه كيف نشكّل المقام الكبير ( عجم ) على قرار "صول" أو "فا" والمقام الصغير ( نهوند ) على قرار "رَي" أو "مي". فإذا أخذنا إحدى النوطات السبع ( أو الإثني عشر ) كقرار ، ما هي التغييرات التي ينبغي إنجازها على السلّم الدياتوني لكي نحصل على مقام عجم ، نهوند أو كورد أو... مثلا : ما هو دليل مقام كورد على صول ؟ الجواب هو : سيb ، ميb ، لاb ، وهذا ما سنشرحه تدريجيا.
القاعدة الأوّلية هي تطبيق الفكرة التي قدّمناها أعلاه ، لكنها قد تتطلب تفكيرا ووقتا من المحبذ تجنّبهما. فهذا التفكير ( والحسابات التي تنتج عنه ) يؤدي إلى تطبيق طريقة أخرى بسيطة رائجة في الغرب تعتمد على سلسلة الرافعات والخافضات. يكفينا إذن حفظ ٭6 هذه السلسلة عن ظهر قلب ، في كلا الإتجاهين :
دائرة المسافات الخامسة
وعلامات التحويل
المقامات الكبيرة
المقامات الصغيرة
حسب هذا الجدول : مقام "ميb" ماجور : 3 بيمول ، " رَي" ماجور : 2 دييز ، "دو" مينور : 3 بيمول ، "سي" مينور : 2 دييز.
أما الكورد ، فتشكيله ينطلق من المينور مع زيادة بيمول لتخفيض الدرجة الثانية ، مثلا مقام مينور "صول" يحتوي على 2 بيمول وهما "سيb" و "ميb" ، ينبغي إذن زيادة البيمول التالي وهو "لاb" ( البيمولات بالتتابع هي : سي مي لا رَي... ) لكي تكون الدرجة الثانية على بعد نصف طنين من القرار.
المقامان اللذان يقعان في نفس العمود لهما نفس الدليل ( مثلا "دو ماجور" و "لا مينور" ) ويستعملان نفس النوطات السبع ( من الإثني عشر ) ، والفارق بينهما طنين ونصف وهو بُعد المسافة الثالثة الصغيرة ( فقرة 5 ). يُنعتان في الغرب ب " المقامين المرتبطين " gammes relatives أو tons/modes relatifs وسوف نعود لهما في موضوع الموضيلاسيون ( أنظر فصل 2 فقرة 7 ).
وقفنا في الجدولين السابقين عند العدد 5 بيمولات أو 5 دييزات ، لكن بعض المعزوفات في الغرب قد تصل إلى 6 أو 7. فالملحنون يحاولون تغطية الضعف الذي تعاني منه الموسيقى في الغرب باختلاق تعقيدات قد تُظهر ملامح الجودة والامتياز والمهارة ( مثال : كونسيرتو پيانو ، تشايكوفسكي ) ، وهذا هو منطق الموسيقى " العليمة" ( musique savante ) ونظريتِها في الغرب .
درجات السلّم الموسيقي الدياتوني ( الطبيعي ) سبعة ( ويمكن تمديدها إلى إثني عشر درجة ) زيادة على الأوكتاڤ/ الثامنة. الفرق بين درجتين يسمى بُعدا أو مسافة Intervalle/interval ، وعادة له نعث يشير إلى عدد الأطنّة أو الدرجات التي يحتوي عليها. الجدول التالي يبيّن أسماء الدرجات السبع والمسافة بينها والقرار.
مسافة بعض الدرجات إلى القرار : الجواب أو الديوان 6 طنين ، الرابعة في كلا المقامين ( ماجور أو مينور ) 2 طنين ونصف ، والخامسة في كلا المقامين 3 طنين ونصف. وينعت الغرب هاتين الدرجتين ب "جوست" juste ( كاملة/تامة ) لأن مسافتهما لا ترتبط بالمقام سواءً كان ماجورًا أم مينورًا ( أو كورداً ).
أما الدرجات الأخرى فمسافاتها تختلف حسب المقام والفرق بينها نصف طنين وأحيانا في بعض الظروف تكون هذه المسافات زائدة augmentée أو ناقصة diminuée وهذا ما يبيّنه الجدول التالي :
منذ قديم الزمان يطبّق العلماء والمنظّرون بعض القواعد لقياس المسافات معتمدين على الأرقام أو النِسب/الكسور. وكانت هذه القواعد تطبّق على آلة بسيطة ذات وتر واحد : المونوكورد ( أي وحيد الوتر ) أو القانون Canon-Kanon . ومصطلح قانون معناه نمودج modèle أو مرجع référence ينبغي الإقتداء به ٭7. درس قدماء الإغريق المونوكورد وكان الهدف هو تقسيم هذا الوتر لكي يُعطي عدة أصوات ، لكن هذا الهدف لم يتحقق عند الإغريق ( وبقي حبرا على ورق ) لأن آلتهم الوحيدة الكنّارة lyre تتركب من أوتار منفردة لا يمكن تقسيمها ( فصل 3 ) ، وسيقوم العود ( آلة الحكماء ) بهذه المهمة.
لنأخذ إحدى أوتار العود ولنسوّيها على نغمة "دو" ، وللتذكير فطول أوتار العود يساوي 60 سنتمتر. بوضع أحد أصابع اليد اليسرى فوق هذا الوتر ( والضغط عليه ) في عدة دساتين ينقص الجزء أو الطول المتحرك longueur vibrante ويمكن عزف درجات السلّم : رَي مي فا صول الخ ( أنظر الصورة أسفله ).
اعزِف جواب "دو" وقِس طول الجهة المتحركة من الوتر فسوف تجد 30 سم ، والنسبة بين 60 و 30 هي : 2/1 أو 2. أعِد هذه التجربة واعزف النوطة الخامسة "صول" ( أصبع اليد اليسرى في ملتقى الزند/الذراع والصندوق ٭8 وسوف تجد 40 سم والنسبة هنا هي 60/40 = 3/2 أو 1,5. أعد مرة أخرى هذه التجربة وإعزف النوطة الرابعة وسوف تجد 45 سم والنسبة هنا هي 60/45 = 4/3 .
ينبغي كتابة هذه النسب وقراءتها من اليسار إلى اليمين ( على الطريقة اللاتينية لغاية التنسيق مع الكتابات الغربية الواسعة الإنتشار عبر شبكة الإنترنيت ، خلافا لبعض الكتابات العربية ) ، وقيمتها تتغير بين 1 و 2 ( إذن إنها أرقام عشرية chiffre décimal)، وهو ما يعبر عنه قدماء العرب ب " الكل وجزء من الكل " ، مثلا : 3/2 = 1 + 1/2
بعض النِسب ( فصل 3 ) كانت مستعمَلة في نظرية الموسيقى لدى الإغريق ، لكن هؤلاء لم يبتكروا سلّما موسيقيا والسبب أنه كان ينقصهم وسائل الحساب رغم ما وصلوا إليه من الفكر والثقافة والفلسفة ( أنظر ما كتبناه عن ماثيماتيك في المدخل فقرة 2 ). النِسب عند الإغريق لم تتجاوز قيمة 4/3 = 1,3333 لأن موسيقاهم ( إن كانت لهم موسيقى ) كانت مبنية على المسافة الرابعة ، ولهذا لن تجدوا في كتاباتهم 3/2 أو 2/1.
فكرة الأرقام أو النسب كانت معروفة منذ القدم ( الألفية الثانية ق م في بلاد الرافدين) ، سيضع قواعدها الكِندي في كتاباته ( رسالة في الأنغام واللحون ، رسالة في خُبر صناعة التأليف ) في القرن 9 معتمدا على " مبدأ توافق الأصوات " ( فصل 2 ). استعملنا وتر العود لأن القراء العرب يعرفونه ، والحصيلة سلسلة من الأرقام على شكل نِسب من 1 إلى 2 تشير إلى أبعاد الأصوات من الواحدة unisson إلى الثامنة octave ، وفي هذا الاتجاه ( من الواحدة إلى الثامنة ) الصوت يصير حادا وتكبر ذبذبته إلى أن يتضاعف من القرار إلى الجواب ، وهذا ما تعرضه لائحة الذبذبات ( فصل 4 ). إذن هذه الأرقام أو النِسب ينبغي أن ترتبط بالذبذبات وليس بمقاييس الطول ، فالذبذبة هي القاسم المشترك لجميع الآلات الموسيقية ٭9. سنقدم التفاصيل فيما بعد لكن يمكننا من الآن ملاحظة وقياس طول الجهة المتحركة من وتر العود التي تعطي درجات السلم "دو" قرار ، "رَي" ، "مي " ، "فا" ، "صول" الخ ، وأخيرا "دو" جواب. بالتتابع ابتداء من القرار وبالسنتميتر :
60 53,3 48,7 45 40 .......... 30
أمّا أرقام/نِسب هذه الأصوات فهي ( المزيد من الشروحات في فصل 4 ) :
الأوكتاڤ 60/30 = 2/1 = 2
الخامسة "صول" 60/40 = 3/2 = 1,5
الرابعة "فا" 60/45 = 4/3 = 1,333
الثالثة ٭10 60/48,7 = 1,232 قدّرها الفارابي ب 27/22 = 1,227
الطنين " رَي" 60/53,3 = 9/8 = 1,125
الواحدة
60/60 = 1/1 = 1
من الآن فصاعدا ( إلى آخر صفحة من هذا الكتاب ) سنعبّر على كل بُعد أو مسافة برقم يدل على نسبة ذبذبته fréquence مع ذبذبة القرار ، هذا الرقم هو الدليل أو المؤشّر. يُكتب على شكل نِسبة ، قيمتها من 1 (قرار) إلى 2 (جواب) ، ويبيّن علوّ/حدّة النوطة أو مسافتها/بُعدها انطلاقا من القرار. مثلا الدليل 5/4 = 1,25 ٭10 خلق مشاكل كبيرة للعرب ( فصل 5 ) وللغرب ( فصل 6 ).
وبناء عليه ، فكيف نعالج الأبعاد/ المسافات وندرسها من الجانب الحسابي ( ونجمع ونطرح ) ، بتعبير آخر كيف يمكننا مَثلا الإنتقال من الرابعة 4/3 إلى الخامسة 3/2 عِلما بأن الفرق بينهما طنين 9/8 :
رابعة + طنين = خامسة
من الوجهة العِلمية طبيعة الذبذبة ونوعية مقياسها تفرض علينا عملية الضرب وليس الجمع ، فمن الخطأ وضع 4/3 + 9/8 ، ولن نحصلَ على بُعد مسافة الخامسة ، والعملية الصحيحة هي
4/3 × 9/8 = 3/2
وفي نفس السياق لكي نجمع خامسة 3/2 ورابعة 4/3 (مثلا "دو- فا" و "فا- دو" ، نذكّر بأن المسافات تُكتب انطلاقا من النوطة السفلى/ الغليظة ) فبديهي أن الحصيلة ستكون ثامنة :
خامسة + رابعة = ثامنة
3/2 × 4/3 = 4/2 = 2
تحديد المسافات في هذه الحالات القليلة السابقة الذكر شيء بسيط ويعطي نِسبا بسيطة الأرقام ، لكن المسافات الأخرى ( يوجد في الديوان إثنا عشر درجة ) فيها شيء من التعقيد ولهذا ابتدع العلماء في الغرب تركيبة formule لقياس أيّة درجة من السلّم. هذا الطريقة طُبّقت في البداية على السلّم الغربي المعاصر ( منذ حوالي قرنين ) ويُعرف بالسلّم المعدّل ( أو المستقيم ) ذي الإثني عشر درجة ( نصف طنين ) متساوية القياس. كل درجة تساوي 100 وحدة ، إذن هذه الوحدة هي الجزء المئوي centième لنصف الطنين وتسمّى في الغرب سنت cent ٭11 : نصف طنين = 100 سنت
وباختصار ، حسب هذا التقسيم ، الديوان يساوي 1200 سنت ( بصفة مطلقة ، بدون قيد ولا شرط ) ، والرابعة 500 والخامسة 700 ( في السلّم المعدّل/المستقيم )
السلّم الموسيقي العربي كان يحتوي على درجات من نوع طنين ونصف طنين حتى بداية القرن 9 ( أي سنة 800 ونيف ) ، كما سنجده ( فصل 5 ) عند إسحاق الموصلي ( رسالة ابن المنجم ) وعند الكندي في مصنفاته. زرياب تلميذ إسحاق أتى من المشرق في سنة 822 وبدون شك أغانيه التي نقلها من الشرق لا تضم ربع الطنين quart de ton / quarter tone ( أنظر جملة الباحث الأمريكي في المدخل فقرة 7 ) وهذا من أسباب انعدامه في موسيقى الآلة.
لم يظهر ربع الطنين إلا أواخرَ القرن الثامن في بغداد على يد جعفر بن زلزل ولم يُعمّم إلّا في القرن التاسع. فإذا قسّمنا كل نصف طنين إلى إثنين يصيرعدد درجات الديوان 24 كل واحدة منها تساوي ربع طنين. ينبغي هنا التذكير بأنّ تقسيم الديوان إلى 24 درجة يعطينا سلّما ، أما المقام فهو مجموعة سبع نوطات تخضع لشكل معيّن. وكلمة " مقام " بهذا المعنى ليست قديمة ، فالمؤلفون العرب ( والفرس ) كانوا يستعملون كلمات أخرى : جنس ، نوع ، لحن ، بحر.... وأخيرا دَور.
ربع الطنين الذي تتميز به موسيقى العرب كان موجودا عند قدماء الإغريق والرومان والبيزنطين ( ويسمونه دييزس diesis في كتاباتهم ، أمّا في أرض الواقع والممارسة فالموسيقى كانت عندهم شبه منعدمة ) ، وبقي متداوَلا في أوروبا إلى أواخر العصور الوسطى رغم تجاهله من طرف المنظّرين. وهناك وثائق تاريخية تؤكد وجوده حتى بداية القرن 14.
حاول بعض المجددين إحياءه وإنعاشه في عصر النهضة لكن اعتماد التدوين على نصف الطنين منذ داريزو صار راسخا في أذهان كل الملمّين بالموسيقى ونظريتها. بقي ربع الطنين شائعا في المناطق الخاضعة للكنيسة الأرثوذوكسية والقبطية إلى يومنا هذا ، وفي الأغاني الشعبية في روسيا القيصرية ذات العقيدة الأرثوذوكسية حتى بداية القرن 18 وانقرض تحت تأثير ثقافة أوروبا الغربية.
لا بد للتذكير هنا بالسلّم المعمول به عند قدماء الإغريق. فقد كان ذا بنية جدّ بسيطة : أربع درجات مجموع مداها ( حوالي ) رابعة تامة أي 2 طنين ونصف. درجات هذا السلّم لم تكن متساوية ( وهو في الحقيقة لا يستحقّ إسم سلّم ) ، وأبعاده لا تخضع لأي مسطرة أو قاعدة ويمكن مقاربتها مع نوع طنين ، نصف طنين ، 3/2 طنين وربع طنين ، وكذلك 3/4 طنين spondiasme. فالإغريق كانوا يجهلون الطنين وكان البعد الأساسي ( المعيار) لديهم هو الدييزيس diesis وهو يقارب ربع الطنين.
ربع الطنين نادرا ما نجده معزولا ( أي يكوّن درجة من إحدى درجات مقامٍ ما ) ، ولكنه يندمج ليكوّن مسافات لا توجد في السّلم الغربي وأهمّها مسافة 3/4 طنين ، نعبّر عنه بعلامتين تنحدر من علامتي الرفع ( دييز # ) والخفض ( بيمول b ) :
٭ نصف دييز يرفع الصوت بربع طنين ، وهذه العلامة وردت في بعض المعزوفات العصرية في الغرب حين قرّر ملحّنون توظيف أصوات جديدة لا تخضع للأعراف ( أنظر الهارمونيات على المدرج ، فصل 2 ).
٭ نصف بيمول يخفض الصوت بربع طنين ، ويعبّر عنه بعدّة علامات تذكّرنا بالبيمول.
مقام الرست هو مرجع المقامات العربية الشرقية ونمودجها ، ويمكن اعتباره حلّا وسطا بين المقامين الكبير (عجم) والصغير (نهوند) عند الغرب. وكلمة راست من أصل فارسي وتعني شيئا مستقيما ومنتظما : ˃ ==
ونجده في الأناشيد الدينية للجالية السوداء في أمريكا ( من نوع ب۫لوز أو ڭوسبيل ) لأسباب سنتطرق إليها لاحقا ( فصل 11 ).
المقامات العربية كثيرة ولم تنتج عن قرار أو مخيلة فيلسوف أو مفكر ، ولكنها تكونت وتطورت على يد عازفين ماهرين عرب بين القرن 9 و 13 ، وفُرس وأتراك ( أنظر الملحوظة أسفله ) ، وتابعت تنوعها إلى القرن العشرين على عكس ما وقع في أوروبا. فالمقامات كانت في الأصل أنغاما ابتدعها العازفون ورددتها الأجيال إلى أن ترسّخت في إحساس المستمعين ومن ثم تبناها المنظّرون. وخير مثال هو العجم/ الماجور ، إنه المقام الرئيسي في الغرب ويستحوذ على 4/5 الأنغام في الغرب ، فرضه المنظّرون ( فصل 4 ) في روما إبان عصر النهضة ( القرن 16 ) بعد إزالة المقامات السبع القديمة anciens modes ( سيعود المينور/ نهوند في القرن 17 ). ومقام العجم/ الماجور ليس فيه أي جمالية ، فهو جافّ ، لم يستعمله العرب قطّ إلى أن أتى به عبده الحامولي من تركيا إلى مصر في أواخر القرن 19 ، وحتى تركيا قد تبنّته بحُكم جوارها مع أوروبا المسيحية ( دونيزتّي Donizetti جاء إلى تركيا في سنة 1820 فصل 10 ).
المقامات العربية تُعدّ بالعشرات وهي مندمجة مع التركية والإيرانية ، ربّما تتعدى المائة ، لكنها ليست رائجة بنفس الكثافة. فالراست والبياتي هم الأكثر حضورا ، وآخرون نادرون. ولهذا فينبغي تقسيمها إلى ثلاثة أصناف : الكثيرة التداول وعددها أقل من عشرة ( أنظر اللائحة ) ، تليها عشرة أقلّ تداولا ، وتليها عشرة أخرى ، الخ.
لكن المشكل هو أن عددا من هذه المقامات لها نفس الجنس ، أي نفس النوطات الخمس الأولى ، أو التيتراكورد السفلي لأن الخامسة عموما تكون كاملة/تامة ( 3 طنين ونصف ) ، ولهذا من الأفضل احتساب الأجناس عوض المقامات.
ملحوظة : مفهوم المقام عند العرب ( وكذلك في مجموع بلاد الإسلام ) ليس فقط اختيار سبعة أصوات/نوطات بين القرار والجواب. كل جملة تلحّن في مقام معيّن له لونه وطابعه ( إيطوسEthos ) ، تبدأ بالقرار ( أو الدومينانت في الأناكروز ٭12 ) وتعتمد على النوطات الخمس الأولى وتنتهي بالقرار بطريقة جميلة ومريحة ( قفلة أو كادانس ). لنتمعن قليلا في بعض المقامات الشرقية. الجهاركاه من المقامات الشائعة وشكله بسيط ، لكن إذا سمعنا أغية " قل لمن صدّ وخان " لأحمد البيضاوي والتقسيم الذي يسبقها سنلاحظ التركيز على النوطة السابعة ( أو على الأصح النوطة تحت القرار ) وهذه سمة/ميزة مقام الجهاركاه. مثال آخر : مقام حجازكار ( أو شد عربان ) يركز على النوطة السابعة لكي ينفصل على الحجاز ( سماعي شد عربان لجميل الطنبوري أو أغنية المواكب لمؤلف هذا الكتاب ). وكذلك في الأنغام على مقام الصبا المسافة الرابعة الناقصة ( رَي صولb ) حاضرة بقوة ، اسمع تقسيم صبا الذي يسبق معزوفة " رقصة الست " لعمر نقشبندي ( موجودة في الإنتيرنيت ). هذه الظاهرة موجودة بقوة في طُبوع موسيقى الآلة.
1 - النغمة كلمة حاضرة في اللغات الشرقية ، يقابلها في الغرب نومة neume وهي الشكل الأولي لتدوين الموسيقى في أوروبا. نومة تأتي من pneuma وتعني " نفَس "souffle .
2 - يعبّر عنها في اللغة العربية ب " درر منفصِلاتِ " : دو- رَر - من - فا - سي/صي - لا - تي.
3 - إذا نقرنا نصف أو ثلث أو ربع..... الوتر فذبذبته ستُضرَب في 2 أو 3 أو 4.... )
4 - لفظ مقام ليس قديما ، والألفاظ التي كانت متداولة هي : جنس ، نوع ، لحن ، بحر..... دور.
المصطلح الغربي المناسب ل " مقام " يشكّل شيئا من اللُبس ، الإفرنج يعبّرون عنه ب "ﯖام"gamme أو "موض" mode ( أو طوناليتيه tonalité ).
5 - هذه العلامات رغم ظهورها في أوروبا في بعض المقطوعات القديمة ( قرن 15 أو ما قبل ) فإنها أُضيفت من طرف المعاصرين ، ولم تدخل حيز التطبيق إلاّ في القرن 16 ، لأن السلم الموسيقي المتداول آنذاك ( حتى القرن 15 ) لم يكن يعتمد على فكرة التقسيم السباعي للديوان بل على نظرية قديمة ابتكرها داريزو في القرن 11 ( فصل 3 ).
6 - لسنا من مساندي فكرة أو طريقة " احفض واعرض " ولكن للضرورة أحكام.
7 - أنظر كلمة قانون في المدخل ، فقرة 4.
8 - "رسالة في اللحون والنغم" للكندي : يجب أن يكون طول الذراع ثلث طول الأوتار.
9 - العالم الفيزيائي الفرنسي ڭاسيندي Gassendi في القرن 18 اكتشف طبيعة هذا الكيان الجديد المستعمل حاليا بكثافة في عالم المواصلات : الذبذبة ، ومقياسها هو الهيرتز.
10 - الثالثة : طول الوتر 48,7 سم يعطينا الثالثة " الشرقية " دو-مي ( تساوي حوالي طنين + 3/4 طنين وموقعها بين الثالثتين (الكبيرة والصغيرة ) ويناسب الرقم 1,232 ، أمّا 5/4 = 1,250 فهو يدلّ على الثالثة الصافية/الهارمونية ( فصل 2 ) أقلّ حدّة من الثالثة الكبيرة 1,256 ( فصل 4 ).
11 - [I = 1200 ˟ log2(f2/f1) = 1200 ˟ [log10(f2/f1)/log102 ] [4
12 - anacrouse ، في بداية الجملة : نوطة أو 2 أو 3 في آخر الحقل الأول في نقرة/ لحظة ضعيفة temps faible ، ويليها في بداية الحقل التالي القرار بلهجة قوية.
المقامات العربية الأكثر تداولا :
علم الإصغاء هو دراسة كل ما تسمعه الأذن ، أي الأصوات ، لكن كلمة "صوت" في اللغة العربية يشوبها شيء من الغموض ، ويناسبها في الغرب لفظان واضحان لا غموض فيهما :
الأول ڤوا /ڤويص Voix/Voice لمّا يتعلق الأمر بصوت الإنسان ( أو الحيوان ) وغناءه وكل ما ينطق به. و " علم الصوتيات " phonéthique هو دراسة ما ينطق به الإنسان وطريقة إصدار الحروف وما قد يترتب عن ذلك من مشاكل.
والثاني يتعلق بما يسمعه الإنسان : كلام ، إنشاد ، ضجيج ، صفير ، صوت آلات صناعية أو موسيقية ، ويعبّر عن هذا في الغرب ب صون/صاوند Son/Sound ، ودراسته تسمى " عِلم الإصغاء " أو السمعيات : acoustique وهي موضوع هذا الكتاب وصميمه.
جميع الأصوات ( أي كل ما تدركه الأذن ) هي عبارة عن تموجات onde/wave أو اهتزازات vibrations تنتقل من منبعها إلى الأذن عبر الهواء ( الأثير ). هذا المنبع يمكن أن يكون وترا ننقره ، أو أنبوبا ننفخ فيه أو طبلا نضرب عليه.
أهم مواصفات الصوت هي الذبذبة ( أو التردد ) fréquence أي عدد التموّجات المبعوثة في ثانية واحدة ، فكلما كثر هذا العدد زادت حدّة الصوت. وح۫دة قياس التردد هي الهيرتز hertz. أذن الإنسان لا تسمع إلا ما بين 20 و 20.000 هيرتز على أكثر تقدير وما تجاوز هذا المدى لا تدركه الأذن ( هذه مسافة قصوى ، ومُعظم الآذان لا تتعدى 40-16.000). أنظر نوطات الپيانو ( جدول ) : من 65 إلى 1050.
المرجع هو الدياپازون 440 هيرتز ، أي نوطة "لا3" التي تقع بين السطرين الثاني والثالث في مدرّج "مفتاح صول". قيمة الدياپازون لم تكن دائما 440 هيرتز ، فقد تغيرت عبر التاريخ وهناك اتجاه لخفضها ( في مؤتمر القاهرة اتفق الحاضرون على قيمة 435 هيرتز ).
آلات الموسيقى كثيرة ومتنوعة وكل واحدة لها رنّتها وطابعها وبإمكاننا أن نفرّق بين العود والقانون والبيانو و... ولو عزفوا نفس النوطة "لا3". لماذا إذن تختلف كل هذه الأصوات ؟ السرّ في ذلك هو أنه لا يوجد أي جسم رنّان corps sonore ( وتر ، أنبوب ، صندوق ، طبل ) يعطي حركة إهتزاز صافية بذبذبة واحدة. الإهتزاز الرئيسي في أي صوت تصاحبه وتسانده ذبذبات أخرى حادّة قيمتها أضعاف الذبذبة الرئيسية ، فهي إذن أكثر حدّة لكنها أقل قوة ويسمونها في الغرب هارمونيك harmoniques ( أو جزئيات partiels ). ويعبّرون عن هذا الإختلاف في الرنّة بين الآلات بمصطلح " تنبر" timbre/timber ( لا علاقة بالبريد ).
هذه الأصوات الجزئية/ الهارمونية ، كما سنشرح أسفله ، هي مصدر التوافق consonance الذي هو نواة الموسيقى ونظريتها وعلومها ، وهي ركيزة بنيان السلّم والمركّبات والهارموني Harmonie. كل الأصوات الجزئية/ الهارمونية متوافقة مع الأساس fondamental ، وهذا أمر لا يمكننا تفسيره هنا لأن فيه معطيات عِلمية تتعلق بالإصغاء ويتطلب معارف تدخل في إطار الفيزياء والرياضيات ، ألّف فيها علماء من أوروبا ( منذ القرن 17 ).
لنأخذ نوطة ذبذبتها 100 هيرتز ٭1. أيّ آلة تعزف هذه النوطة إلاّ وتعزف معها ، في نفس الوقت وبقوة أقل ، أصواتا أخرى : 200، 300، 400، 500، 600، 700 الخ هيرتز ، والأذن ( أو الميكروفون أو آلة التسجيل ) تسمع مجموع/تراكم هذه الذبذبات. هذه الظاهرة فرضتها الطبيعة ، وإلاّ لكانت كل أصوات الناس متشابهة وكل الآلات تعطي نفس الرنة ولا حاجة لابتكار أو صنع آلات جديدة. وعلماء الفيزياء والرياضيات مثل الفرنسي فورييه (- 1830) Joseph Fourier درسوها وألفوا فيها الكثير من الكتب وقاموا بالكثير من التجارب وشبكة الإنترنيت تحتوي على مواقع فيها المزيد من الشروحات.
الصورة التالية تعرض هارمونيات "دو1" وهي : دو2 ، صول2 ، دو3 ، مي3 ، صول3 ، سي♭3 ، دو4 ، إلخ.
بعض هذه الأصوات الجزئية ( إذا نقلناها داخل الديوان ) يطابق إحدى درجات السلّم ( الأوكتاف والخامسة ) ، وبعضها يمكن مقاربته مع الثالثة الكبيرة ، وأخرى بعيدة لأن السلّم الغربي المعدّل/ المستقيم المعاصر ٭2 انحرف ( قليلا ) عن القواعد التي أسّسته. هذه القواعد تعتمد على مقوّمات ترتبط بالإصغاء acoustique ومبدأ توافقِ الأصواتِ consonance ، درسها الكِندي في القرن 9 وأتمّها ابن سينا ( كتاب الشفاء ، جزء " جوامع عِلم الموسيقى " ) في القرن 11 وآخرون أتوا من بعدهم ( أنظر فصل 5 ).
نسبة هذه الأصوات الجزئية مع الأساس/القرار هي ( لأن 200/100 = 2 و 300/100 = 3 الخ ) : 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 الخ وتقع خارج الديوان ، وإذا شئنا تحويلها داخل الديوان وجب قسمتها مرة أو عدة مرات حتى نحصل على نِسبة ( رقم، دليل أو مؤشر ) قيمتها تتراوح بين 1 و 2. والنتيجة هي : 2/1 ، 3/2 ، 5/4 ، 7/4 . بالتتابع : أوكتاڤ ، خامسة ، ثالثة ، وكذلك سابعة لأنها ترنّ بشيء من التوافق فهي إذن حاضرة في المركّب. لكن إذا قارننا مع الجدول فصل 1 فسنلاحظ أن الثالثة الكبيرة 400 سنت أعلى من الصافية/الهارمونية 5/4 ( 386 سنت ) ، والسابعة الصغيرة 1000 سنت أعلى من 7/4 ، أما الهارمونية رقم 11 فلا وجود لها في السلّم.
الدرجة أو المسافة الثالثة
أهم درجات السلّم الموسيقي هي الخامسة/المسيطرة dominante بَعد القرار والجواب ، ونجدها في كل المركّبات. وتأتي بعدها الدرجة الثالثة ، التي لعبت هي الأخرى دورا كبيرا وخلقت مشاكل متنوعة في تاريخ الموسيقى ونظريتها عند العرب وعند العجم.
فتقسيم السلّم الموسيقي بطريقة منتظمة متساوية ( 100 سنت لكل نصف طنين كما في الكيبورد ) لا مبرر له من الوجهة النغمية ، نتج عنه الثالثة الكبيرة ( 400 سنت ، فصل 1 فقرة 6 ) ، لكن لائحة الدرجات الهارمونية تحتوي على الثالثة الصافية 5/4 (386 سنت).
كانت الثالثة الهارمونية 5/4 = 1,25 محورَ نظرية الموسيقى في عصر النهضة في أوروبا لمّا انطلقت دراسة الهارموني والمركّبات 1ـ3ـ5 لأنها تعطي مركّبا غاية في العذوبة ، وبسببها كاد السلّم الموسيقي في أوروبا أن ينقسم إلى 19 درجة عوض 12 في أواخر عصر النهضة ( فصل 6 فقرة 7 ). ولنفس الهدف ابتكر صفي الدين الأرموي سلّما ذا 17 درجة كان أبرز معالمه وجودَ ثالثة صافية ٭3 ، كان مستعملا في الشرق الأوسط حتى القرن 19 ( اكتشفه ڤيلوطو في مصر سنة 1800 ). وقد درسها دراسة تاريخية عميقة المؤلف والباحث الفرنسي سيرج ڭوت [Gut Serge [23 الذي كان رئيسا سابقا لشعبة " عِلم الموسيقى " musicologie في جامعة الصوربون ( توفي في أكتوبر 2016 ونحن نراجع ونصحح هذا الفصل ).
كلّ العازفين في جميع بقاع العالم يطبّقون مبدأ توافق الأصوات دون أن ينتبهوا إليه. فعازف العود عندما يريد تسوية ( دوزنة ) آلته انطلاقا من وتر "صول" ( صول3 ، السطر الثاني في المدرج ) يقارنها بجوابها "صول" العليا ( فوق السطر الخامس في المدرج ) ودستانها على وتر "دو" يقع في ملتقى الزند والصندوق على مسافة 20 سنتمتر من العضمة. وفي نفس السياق ، لتسوية وتر "رَي3" تحت السطر الأول انطلاقا من "صول3" نقارنها مع دستان "رَي4" على وتر "صول3" الذي يقع في ملتقى الزند والصندوق. في هذه الحالتين ( وفي حالات أخرى كذلك ) نقارن نوطةً مع جوابها لأن هناك تجاوب وانسجام بين هاتين النوطتين ونسميه في الموسيقى توافقا. وهذا يرجع إلى كون الجواب يرنّ ذبذبة تساوي ضِعف ذبذبة القرار وهي أقرب وأقوى الهارمونيات ( فقرة 2 ).
لِنعُد لعازف العود الذي يحاول تسوية أوتاره انطلاقا من وتر "صول3". عوض الأوكتاف/الثامنة ، يلجأ العازف أحيانا إلى المسافة الخامسة ، ويبحث عن "رَي4" ( خامسة صعودا ) على وتر "دو4" وينبغي إذن أن يكون موقعها حوالي 6,7 سنتمتر من العضمة ٭4. وبنفس الطريقة يمكن تسوية وتر "رَي3" ( تحت السطر الأول في المدرج) بمقارنته مع خامسته "لا3" أي حوالي 6,7 سنتمتر من العضمة على وتر "صول3". هناك إذن إجماع على توافق هاتين الدرجتين ( داخل الديوان ) : أولا الجواب، ثانيا الغماز. وهاتان الدرجتان دائما حاضرتان في المركّب الترياد triade مند قديم الزمن في أوروبا ، وحتى بداية النهضة الموسيقية ( حوالي 1400 ) كانت أغاني الپوليفوني تنتهي بمركّب مؤلف من هذه النوطات الثلاثة : قرارـ غمازـ جواب.
اقتصرنا لشرح التوافق على داخل الديوان لأن التسوية عند العازفين تعتمد على الدرجة الثامنة ( الجواب ) والخامسة ( المسيطرة ). والحقيقة أن هناك درجات أخرى خارج الديوان تحظى بشيء من التوافق مع القرار ويمكننا رصدها بسهولة. وهنا لا بد من توظيف آلة الپيانو عوض العود أو الكمان : انطلاقا من أي نوطة غليظة ( في أقصى يسار الكيبورد ) مثلا "دو" لنضغط على الأزرار بحثا عن النوطات المتوافقة فسوف نجد: سلسلةً أولى تتألف من الجواب الأول والثاني والثالث الخ ، وكذلك سلسلةً أخرى تتألف من الغماز وجوابه الأول والثاني والثالث إلخ.
من أساسيات علم الإصغاء كما ذكرنا أعلاه أن كل صوت خلقته الطبيعة إلاّ وتصاحبه حتما أصوات جزئية أضعف قوة. إذا كان الصوت المعني بالأمر ذا ذبذبة تساوي 100 هيرتز فسوف نسمع معه سلسلة الأصوات : 200 ، 300 ، 400 ، 500 ، 600 ، 700 ، 800 ، 900 ، 1000 ، 1100 ، 1200 هيرتز الخ.
* 200 ، 400 ، 800 ، 1600 تمثل الجواب الأول والثاني والثالث الخ ( كلما انتقلنا إلى الأوكتاڤ وجب ضرب الرقم/الدليل المؤشر ب 2 ) ،
* 300 تمثل الدرجة الثانية عشر أي جواب الخامسة ، و 600 و 1200 جوابها الأول والثاني. وإذا أردنا النزول إلى الدرجة الخامسة فذبذبتها تساوي 2 ÷ 300 = 150 ، ونسبتها مع القرار 150/100 = 3/2 = 1,5
* أمّا 500 فهي تشير إلى نغمة قريبة من الدرجة السابعة عشر وهي تقع على ديوانين فوق الثالثة ( 3 + 7 + 7 ) و 1000 جوابُها.
والنزول بديوان يعطينا العاشرة ( 3 + 7) 500/2 = 250 ثم الثالثة 250/2 = 125 ونسبة هذه الأخيرة مع القرار 125/100 = 1,25 = 5/4 . لكن هذا الرقم تناسبه قيمة 386 سنت ويختلف عن الثالثة الكبيرة ( 1,2656 أو 400 سنت ، فصل 4 فقرة 4 ) في السلّم المعدّل/ المستقيم المطبّق حاليا في الغرب ( الفارق ضئيل لكن مفعوله قوي ) .
مصطلح المركّب يدلّ على مجموعة من النوطات ( ثلاثة أو أكثر ) توضع عموديا فوق المدرّج وهذا يعني أن عزفها يجب أن يكون متزامنا ( أو على شكل أربيج arpège أي نوطات متتالية جد متقاربة كما يفعل عازفو القيثارة أو الپيانو ).
* يظهر المركّب مكتوبا على شكل مسافات/أبعاد ثلاثية متراكمة أي موضوعة فوق بعضها وهذا المنظر جعل جلّ المؤلفين في الغرب ( ومنهم الفرنسي شالييه [Jacques Chailley [24 ) يعتقدون أن المركّب أولا وقبل كل شيء هو عبارة عن تراكم عدة ثالثات pseudo-régle des tierces superposées وهذا المنظور خطأ ولا يعتمد على أي سند كما سنرى أسفله.
* منذ ظهور فكرة المركّبات في أوروبا في بداية عصر النهضة ( وكانت تسمى حينذاك ترياد أي ثالوث باللاتينية ) كان الهدف منها تراكم/تزامن مجموعة نوطات متوافقة مع النوطة السفلى وهذا ما جعل المدوّنين يترجمونها بِ accord الفرنسية أو chord الإنجليزية لأن في هاتين الكلمتين معنى في هذا الإتجاه علما أن هناك مركّبات متنافرة dissonant لها دورها في التركيب اللحني.
* وما يزيد من الخلط هو وجود عملية الإنقلاب renversement /inversion التي لجأت إليها الموسيقى الغربية لأسباب لا علاقة لها بالنغم ( وبعيدة كل البعد عن الإعتبارات الجمالية ) والتي تؤدي إلى مجموعات فيها أبعاد رباعية أو ثنائية ، تُنعت بالمركّبات المفبركة/المصطنعة artificiel مقارنة مع المركّبات الطبيعية naturel التي لا تحتوي إلّا على أبعاد ثلاثية.
وفي النهاية لا يوجد أي إجماع أو اتفاق حول مصطلح عربي يناسب هذا الكيان وقد ارتأينا أن الأفضل هو مصطلح " مُركّب ". استعمله مترجمو الكتاب الشهير والكثير الانتشار في فرنسا " نظرية الموسيقى " ل " دانهاوزر " ( Danhauser ( -1896 ، نجده أحيانا في بعض الكتب المترجمة عن مؤلفين من روسيا أو أوروبا الشرقية ( كتاب الهارموني ، باراشكيف خادجييف/خادڭييف 1976 ترجمة مكي سيد أحمد 1984).
التعريف المتداول ( الغير صحيح ) للمركّب هو مجموعة ( 3 أو أكثر ) من النوطات موضوعة عموديا على مسافة ثالثة ( كبيرة أو صغيرة ) ، ونصِفه في هذا الوضع بأساسي ( فُندامنطال fondamental ) إذا كان القرار في أسفل.
دو-مي صول ، ثالثة كبيرة تليها صغيرة : مركّب كامل كبير accord parfait majeur
دو- مي♭- صول ، ثالثة صغيرة ثم كبيرة : مركّب كامل صغيرaccord parfait mineur
سي - رَي – فا ، ثالثة صغيرة وأخرى صغيرة : مركّب ذو خامسة ناقصة وهو نادر
دو – مي - صول - سي♭ : مركّب السابعة accord de 7ème
دو – مي - صول - سي♭ - رَي : مركّب التاسعة accord de 9ème
ملحوظة : تكون الخامسة دائما تامّة/كاملة ( 3 طنين ونصف ) وفي نفس الوقت صافية ( طبيعية ، نِسبتها 3/2 ) ، إلّا في بعض الحالات النادرة.
الدرجتان ( بالتتابع ) الثامنة والخامسة معترف لهما بكونهما الأكثر توافقا مع القرار سواء من طرف العازفين أو المنظّرين ، وقع عليهما الإجماع منذ القدم ، لكن الخطأ الكبير الذي وقع في القرن 12 و 13 في أوروبا هو إضافة الدرجة الرابعة واعتبارها مسافة متوافقة. ولم يكن الموسيقيون هم المسئولون عن هذا الخطأ الكبير بل المنظّرون الذين كانوا كلهم من رجال الكنيسة الكاثوليكية ( قساوسة أو رهبان ).
لمّا بدأ الملحنون يخرجون عن طاعة الكنيسة في أوائل القرن 14 ويعتمدون على الإصغاء ويفضلون الثالثة على الرابعة ويطبقون الترياد على شكل 1 - 3 - 5 أصدر البابا يوحنا 22 فتواه ( فصل 3 ) الشهيرة سنة 1325 التي تحثّ على الرجوع إلى المسافات/الأبعاد التي كانت تعتبر متوافقة ( لأسباب تعود إلى العصور العتيقة ) وهي الرابعة والخامسة ( بَعد الثامنة ). وبالطبع لم يكن لهذه الفتوى أي تأثير على سير الأحداث ، لكن الرابعة احتفظت بمكانتها التي حصلت عليها من طرف داريزو في القرن 11 ، وسينتج عنها مفتاح "فا" ( فصل 3 ).
يمكن ازدواج إحدى درجات المركّب الكامل ( سواء كان كبيرا أو صغيرا ) أو تغيير مكان بعض الدرجات ( أو حذفها ) ، مع الإحتفاظ بالقرار في أسفل المركّب ، هذا لا يؤثر على الصوت الإجمالي ونعتبر في هذه الحالة أن المركّب لم يتغير.
الأوضاع والإنقلابات
هناك حالات أخرى حيث يمسّ التغيير نوطة القرار فلا تبقى في مكانها الأسفل ، نعبر عن هذه الظاهرة ب " الإنقلاب " وهو في الحقيقة تشويه لأننا :
1) أمام مركّب مخالف ولا علاقة له بالأول/ الأصل fondamental ،
2) الحصيلة مجموعة مسافات ( فيها رابعة أو سادسة ) غير متوافقة ، وهذا لم يمنع الغرب بنعتها بلفظ accord الفرنسي أو chord الإنجليزي الذي يحمل في طياته فكرة التوافق. ومن هنا نبَعت فكرة المركّب المفبرك/المصطنع.
ظاهرة الانقلاب لا علاقة لها بالجمالية أو الترنم ، وهي فقط وسيلة براغماتية الهدف منها الإختيار بين 3 نوطات وتسهيل الكتابة الهارمونية ولا يمكن استيعابها إلّا بعد إنجاز تمارين هارمونية.
الموسيقى عند العرب ، وفي المشرق عُموما ، وفي كل أنحاء الدنيا ما عدا أوروبا ومعها أمريكا الشمالية ٭5 ، تعتمد على اللحن الأُحادي monodie. ولمّا نقول أوروبا فإننا نقصد موسيقاها ذات الأسلوب الكلاسيكي علما بأن الفن الأحادي الذي طوّره المنشدون troubadour كان موجودا فيها مند القرن 12 ولكنه لم يحض من طرف المحللين بالعناية التي يستحقها. الأسلوب الكلاسيكي ولأسباب تاريخية ودينية وسياسية ( مقولة كوميسكي فصل 3 ) كان محط عناية كبيرة وبالتالي فرض نفسه وأصبح هو الوحيد الذي يُدرَس في المعاهد ، ويطغى عليه الأسلوب الهارموني ( أنظر النمودج ، فقرة 7 ).
تعريف الهارموني هو تقنية التلحين المتعدد الأصوات والإنسجام بينها ، وتوظيف المركّبات واحترام الترنم Intonation. وشاءت الأقدار أن يكون المعيار منذ عصر النهضة هو أربعة أصوات ( نصادف هنا العدد أربعة الذي كان مقدسا منذ عهد الإغريق والذي لا يمتّ بصلة للموسيقي ) ، من أسفل ( غليظ ) إلى أعلى ( حاد ) : ˃== سوپرانو ، ألطو ، طينور ، باص
هذه التقنية نشأت في القرن 17 ، وهي نتيجة تغييرات ابتدأت من القرن 13 أو 14 لمّا كان التلحين ( وخصوصا في الأناشيد الدينية ) يتكوّن من عدة نغمات متراكمة بلغت أوجها في القرنين 15 و 16 حيث كانت تسمى " كونترپوينت " Contrepoint ٭6. ويبقى القرن 17 مرحلة انتقالية سادت فيها تقنية الباص المتصلة ( فصل 6 ) Basse Continue ومنها تحوّلت إلى اعتماد المركّبات وتسلسلها وطبيعتها بين متوافقة ومتنافرة ، تسمى " هارموني " Harmonie بدأت تفرض وجودها في بداية القرن 18.
تاريخ النظام الموسيقي في غرب أوروبا ، يمكن تقسيمه إلى مرحلتين ، بعد الغناء البسيط Plain-Chant :
* الكونترپوينت : حتى أواخر عصر النهضة ( 1620 ) ، كانت الموسيقى تُنعت بالموضاليّة حيث كان الإهتمام مركّزا على السطور النغمية وجماليتها. أمّا أغاني المنشدين فقد كانت أُحادية ، أحياناً مع زيادة سطر أو سطرين للمصاحبة ( دولاهال قرن 13 ، لانديني قرن 14) أدخلها المحللون في إطار الپوليفوني وهذا شيء غير مقبول.
* الهارموني : منذ بداية القرن 18 ( أي بعد 1700 ) إلى نهاية القرن 19 أو بداية القرن 20 ، موسيقاها تُنعت بالطوناليّة حيث المركّبات تلعب دورا أساسيا في التركيب اللحني ، ونلاحظ هذا في الأغاني العصرية في الغرب ( قيثارة ، پيانو/ أرغن ). اختُزلت المقامات إلى اثنين : ماجور/كبير و مينور/صغير ( مقام "كورد" له حضور ضعيف ، "حجاز" في إسبانيا غير معترف به ).
الحقبة الإنتقالية ، من 1620 إلى 1750 كانت أوروبا خلالها تبحث عن بديل للطريقة القديمة أو على الأقل تطويرها وتحسينها. وفي أواخر هذه الحقبة ( سنة 1725 ) أصدر الملحن فوكس Fuchs كتابه الشهير " ڭرادوس أد بارناسوم " Gradus ad Parnassum الذي حاول فيه جمعَ وتحليلَ القواعد الموسيقية لغاية تدريس مادة التلحين التي سوف تسمى هارموني فيما بعد. والغريب في الأمر أنه استند كثيرا على أمثلة أخذها من كبار ملحني القرن 16 ( مثل بالسترينا Palestrina ) والتي كانت تدخل في إطار الأناشيد الدينية متعددة الأصوات وتمسّ صميم الكونترپوينت. وكما أكدنا عدة مرات سيطرةَ الكنيسة على منظّري الموسيقى الذين كانوا كلهم إمّا رهبانا أو قساوسة ، وفوكس قضى طول حياته تقريبا يمارس العزف داخل الكنائس ولهذا كان باستمرار يحتك برجال الكنيسة ومناخها ولم يكن محميا من نفوذها. وهو آخر مؤلف يمكن ربطه بالكنيسة الكاثوليكية وباللغة اللاتينية. وفي نفس الوقت ( سنة 1722 ) أصدر رامو Rameau أول تآليفه في عِلم الموسيقى باللغة الفرنسية بعيدا عن سيطرة الكنيسة حيث قواعد التلحين ( الغربية ) تعتمد على المركّبات وتسلسلها وتمسّ إذن عمق الهارموني.
توجد عدة فوارق بين الطريقين سنحللها في الفقرتين التاليتين. الأولى تتجلى في إبداع جملة ( أفقية ) على أحد السطور الأربعة ، ثم وضع السطور الأخرى مع احترام التوافق في المركّبات حسب العقيدة القديمة ( الدرجات 1 و 5 و 4 ). إنها الپوليفوني وليدة الإنشاد الديني القديم الذي ينعته الغرب بالغناء البسيط Plain-Chant. أمّا الثانية ، الموسيقى الكلاسيكية الهارمونية ، على العكس ، تعطي أهمية كبيرة للترنم. فبعد عصر النهضة ، وتحرّر الموسيقى من هيمنة الكنيسة ، اتجه الملحنون نحو المركّبات وتنويعها وانقلابها وتناوبها بين متوافقةconsonant وتعطي الهدوء والسكينة وأخرى متنافرة dissonant وينتج عنها توتر ونشاز.
تعتمد دراسة الكونترپوينت Point contre Point ٭6 على تراكم 4 أصوات/ أنغام أحادية ( پوليفوني ) موزّعة على أربع طبقات من الغليظ إلى الحادّ وتسمى : باص ، طينور ، ألطو ، سوپرانو. والكونترپوينت أو المنظور الأفقي يركّز على جمالية الأصوات الأربعة كل على حدة. عرف أوجَه في غرب أوروبا في القرن 16 ، باستثناء اسبانيا التي تابعت الغناء الأحادي الموروث عن العرب ( روسيا لم تندمج في هذا النظام لأنها كانت تابعة للكنيسة الأورثودوكسية ).
القاعدة الأساسية تفرض أن يكون اللحن مكونا من مقام mode موحد ، إذن لا وجود للموضيلاسيون بحيث إذا وقعت هذه في أحد الأصوات لا يمكن أن تنتقل إلى الأصوات الأخرى لأنها غير مرتبطة. هذا المقام ينتمي إلى الأنواع القديمة التي لا تحتوي على علامات الرفع والخفض. ينتج عن هذا إذن حظر المسافات الكروماتية الناقصة أو الزائدة. ويحبذ المؤلفون أن لا تكون هذه المسافات طويلة وألاّ تتعدى السادسة الصغيرة ( 4 طنين ). ينبغي على الأصوات أن تبقى متباينة وأن لا يحدث تقاطع croisement/crossing بينها.
من أهم القواعد تجنّب حركة موازية mouvement parallèle للثامنة أو الخامسة لأن هاتين المسافتين جد متوافقة وإذا تابعناها قد ينتج شيء من الرتابة.
من المستحسَن أن تكون الأصوات المتجاورة تتحرك أو تسير في اتجاه معاكس mouvement contraire ( صعود ونزول ) وخصوصا الأصوات المتطرفة ( الباص والسوپرانو ) لأنهما حسب الأعراف هُما اللتان تُسمعان أكثر.
هذه بعض القواعد الأولية لكن هناك أخرى عديدة لا يمكن لكتابنا هذا التطرقُ إليها لأنها ليست صلبَ الموضوع وقد تجدونها بالتفاصيل في الإنترنيت لكن بلغات أجنبية.
الملحنون لا يطبقون حرفيا هذه القواعد ولو أنهم يدرسونها بكل جدية في المدارس والمعاهد ، فالموسيقى فن والفن لا يقبل الشروط ومستمرّ التطور في الزمان والمكان. وهذا ما حدا ببعض المؤلفين أن يعتبروها كنصائح أو تعليمات ( عوض شروط أو قواعد) دوبوا Dubois ص 240 [25]. " لِما نَخضع لهذه القواعد ما دام الملحنون لا يحترمونها ؟ " ٭7.
هذة التركيبة التي تتألف من الأصوات الأربعة المستقلة وضع قواعدها المنظّرون théoriciens لكن المبدعين الأحرار من طينة دولاهال ( قرن 13 ) ولانديني ( قرن 14 ) والنزر القليل من أفراد المدرسة الفرنكوفلامانية ( قرن 15 فصل 6 ) كانوا غالبا ينطلقون من ميلوضي في السطر الأعلى يصاحبها سطران ( أو ثلاثة ) وهذا ما نلاحظه في هذا القطعة للإيطالي لانديني :
طريقة تدريس الكنترپوينت تكون تدريجية وتشرح الأمثلة/النمادج في عدة ( أربع أو خمس ) مراحل. أولا القطعة لا تحتوي إلاّ على نوطات طويلة المدة من نوع المستديرة ronde ، ثانيا نضيف إليها نوطات بيضاء blanche ، ثم سوداء وتبقى كلها مصطفّة عموديا. في المرحلة الرابعة يجوز استعمال النوطات من كل هذه الأنواع وكذلك إدخال السينكوب syncope. وفي الأخير نتمم الكتابة بتطبيق شتى أنواع الزخرفة ornements التي تُدرس في مادة الصولفيج.
انطلاقا من النغمة الأولى ( سوپرانو/ شانت chant ، أو باص / تُنور teneur ٭8 ) تُكتب النغمات الأخرى نوطة تلو الأخرى لكي تخضع النوطات العمودية للشكل القديم لفكرة التوافق 1-4-5 .
تقنية التقليد Imitation
تلحين قطعة من أربعة أصوات/سطور يلزم الملحن إبداعَ أربع نغمات ميلوض۫يات مختلفة ، وهذا عمل صعب شيئاً ما ويتطلب مجهودا كبيرا ولهذا لجأ الملحنون إلى طريقة غريبة لا تتطلب إلاّ إبداع سطر واحد ( السوپرانو مثلا ) وإتمام القطعة بسطور أخرى تُشتقّ وتنحدر من السطر الأول بعد تغيير طفيف :
إمّا بتغيير طول مدة النوطات ، أو تبديل اتجاه الحركة فوق/تحت ( حركة معاكسة ) أو يمين/يسار ( حركة مقلوبة ريتروڭراد rétrograde )
من أشهر الأمثلة المعزوفةُ الصامتة كانون Canon للألماني پاشلبيل Paschelbel ( قرن 17 ) ، وكلمة " كانون " هنا تعني جملة صغيرة ( موتيفmotif أو ثيم thème ) نعيدها عدة مرات ونبني عليها هيكل المعزوفة. ويمكن إدخال تغيير طفيف على هذه الجملة وكتابتها أو عزفها بعدة طرق ٭9 .
الدرجات/النوطات الطوناليّة والموضاليّة
حسب تعاليم نظرية الهارموني في الغرب يجب أن تبدأ الجملة وتنتهي بالمركّب الكامل Parfait/Perfect في وضعه الأول/ الأساسي fondamental على الدرجة الأولى أي القرار. ويحبذ أن نغيّر المركّب عند بداية كل حقل mesure/bar. مركّب المسيطرة dominante هو ثاني أهم مركّب وينبغي أن يسبق مركّب القرار في آخر الجملة ( أو ما نسميها القفلة النهائية ). وتليهما في الأهمية ( حسب التقاليد الموروثة منذ القدم ) الدرجة الرابعة sous-dominante ، لأنه في المنطق الموسيقي الغربي هذه الدرجات الثلاثة 1 و5 و4 ( أو Do-Sol-Fa ) تُنعث بالطونالية notes tonales لأنها تمثل ركائز الطوناليتيه Tonalité أي المقام حسب الفكر السائد في الغرب منذ حوالي 3 قرون ، وهذا شيء لا مبرر له ويمكننا أن نقول إنه خطأ. وقد شاءت الأعراف أن تبقى مركّبات هذه الدرجات الثلاثة ( الأولى ثم الخامسة وبَعدها الرابعة ) لها وزن كبير، ويمكنكم ملاحظة هذا الشيء في أي قطعة تُحسب على الأسلوب الكلاسيكي ( وكذلك في كثير من مقاطع الڤاريتيه Variétés أي المنوّعات ، مثل Let it be ).
اختزل الغرب المقامات modes إلى إثنين : كبير وصغير ( رغم حضور ضعيف للكورد phrygien ) ، درجات هذين المقامين ، من الثانية إلى السابعة ، تكون إما كبيرة أو صغيرة ما عدا الرابعة والخامسة ( فصل 1 ). هذه الدرجات وخصوصا الثالثة والسادسة تُنعتان في الغرب بالموضاليّة notes modales .
أهمية الدرجة الخامسة ( الغماز ) شيء مسلّم به لأسباب تتعلق بمعايير الإصغاء شرحناها منذ بداية هذا الفصل ، أمّا الدرجة الرابعة فقد حصلت على أهمية لا مبرر لها وتعود لأسباب تاريخية. فما هو إذن الفرق بين ما هو طونالي tonal وما هو موضالي modal ؟
الموضوع/الموتيف
في القرن 15 بدأ الترياد يفرض نفسه تدريجيا وصرنا نرى في الكتابة شيئا يشبه المركّب النهائي الكامل 1-3-5 على درجة القرار وقبله مركّب درجة الغماز ( Cadence ) وهذه إحدى أهم مواصفات الهارموني. لكن لم يكن هناك موتيف/ثيم thème في السطر/ الصوت الأعلى كما هو الحال في الموسيقى المعاصرة ، والتلحين كان غالبا ما ينطلق من السطر الأسفل يسمى تُنور teneur وتعني الركيزة أو المنصّة الذي تحمل ( فِعل tenir ) مجموع القطعة. يسمّيه المؤلفون القدامى كانتوس فيرموس cantus firmus ومعناه الغناء الصلب ، ويتكون من ميلوض۫ية/نغمة بسيطة بطيئة السرعة تحتوي على نوطات طويلة المدة. هذه التقنية كانت تّطبق في الپوليفوني العميقة : الأناشيد الدينية والصلوات والتراتيل وما شابه ذلك.
وفي أواخر القرن 16 ( مع ما عرفته قصور شمال إيطاليا من ترف وترفيه ) ملّ الجمهورُ تعقيداتِ الكنترپوينت وأصاب هذا الملل حتى مؤيدي الپوليفوني من خدّام الكنيسة الكاثوليكية وبدؤوا يلحنون مقطوعات تُبرز جمالية الغناء في السطر الأعلى على غرار الأغاني الشعبية من تأليف المنشدين troubadour. ومع تطور فكرة التوافق والتنافر ركّز الملحنون على توظيف المركّبات وتنويعها وتناوبها لخلق الترنم Intonation. وسينتج عن هذا التقدم أسلوب الميلوض۫ية المصاحَبة Mélodie Accompagnée التي عمّرت حتى الآن والتي تعرفونها جميعا في طريقة العزف على الكيبورد : الموضوع/الثيم سواءً كان غنائيا أم آليا في أعلى ( مفتاح صول ) والمركّبات لإنجاز المصاحَبة accompagnement في أسفل ( مفتاح فا ).
قطعة من الفلكلور الفرنسي ، المصاحَبة/المركبّات لِجاك پوتي Jacques Petit
المركّبات/المصاحبة
قواعد الهارموني تطبّق على كل أساليب الموسيقى المتعددة الآلات والأصوات ، منذ القرن 17 ، والقواعد الميلوضيّة أعلاه التي تدخل في نطاق الكونترپوينت تبقى صالحة وسارية المفعول ، مع التركيز على المركّبات وتناوبها.
المركّبات هي نواة الهارموني ، والمراد منها خلق الترنم أي لحظات قوية متوترة tension تتخللها أخرى هادئة détente داخل الجملة ( أو داخل الحقل ). يمكن إنجازه على الدرجات I و V ( وكذلك IV) من جهة وهي الدرجات التي تُعتبر أساسية ومهمة ، تتخللها ( بالتناوب ) من جهة أخرى درجات مثل VI و II. وتأتي الإنقلابات لتعقّد الأوضاع وتخلط الأوراق ( وهذا من اختصاص تعليم مادة الهارموني الذي يخرج عن إطار هذا الكتاب ) لأن مركّبا ( I أو V أو أيّا كان ) مهما كان توافقه فالإنقلاب ينقص ويقلل من هذا التوافق. وعموما يبقي هاجس الترنم هو الذي يحكم التلحين. حضور المركّبات الرئيسية ( القرار والغماز ) لازم ولا بد من تنويعها ببعض المركّبات الثانوية لاجتناب الرتابة. مركّب القرار tonique يجب أن يكون حاضرا بقوة ، لأنه يدلنا على الطوناليته/المقام ، وبه تبتدئ القطعة وتختتم. ويليه مركّب الخامسة dominante وهي ثاني أهم درجة في المقام ، ومن المحبذ أن يسبق القرار (I). أما مركّب الدرجة الرابعة sous-dominante فقد أعطوه في الغرب دورا لا يستحقه. وإذا كنّا في وضعية حرجة/ متوترة tension ( تنافر أو انقلاب أو درجة ثانوية ) لا بدّ للرجوع إلى وضعية ثابتة/ مريحة أي مركّب القرار I ( مباشرة أو عن طريق المسيطرة V ). تسمى هذه العملية ريزلوسيون ( Résolution من فِعل résoudre ) أي حلّ وتسوية وضعيةٍ محرِجة غير مُرضية ، لها قواعد تقنية دقيقة وهي مشروحة بتفاصيل في كتب الهارموني ومواقع الإنترنيت باللغات الأجنبية ، ونجد أصولها في ميدان علم الإصغاء.
بعد الدرجات الرئيسية الثلاثة ( I و V و IV ) تأتي الدرجات الثانوية VI و II ، أمّا III و VII فهي قليلة الحضور ولا يمكننا إعطاء الدلائل أو الأسباب لأن أشياء كثيرة في نظرية الهارموني تعود إلى التقاليد الأوروبية التي تكوّنت منذ قرون وأحيانا يصعب تفسيرها منطقيا أو علميا.
النوطة السابعة note sensible / leading note
في الموسيقى الأحادية عموما تنتهي الجملة بالقرار تسبقه نوطات متتالية ، وأحيانا تنتهي بالجواب تسبقه الدرجة السابعة على بُعد نصف طنين. يرجع هذا إلى اعتبارات تتعلق بعلم الإصغاء شرحناها بتفصيل في كتابنا الأول باللغة الفرنسية [4] ، وتنصحنا إنهاءَ الجملة بطنين هبوطا أو نصف طنين صعودا. ولهذا نرفع السابعة ( الصغيرة 5 طنين ) في المقام الصغير بعلامة الرفع dièse لكي تقترب من الجواب وهذا القرب يجعلها تنجذب ( attraction de la sensible ) إليه في ختام الجملة وفيه شيء من الإرتياح.
أما في الموسيقى الهارمونية ( المتعددة الأصوات ) فإننا نحتاج لهذه الظاهرة في الكادانس الكاملة parfaite التي تختتم الجملة ( أنظر أسفله فقرة الكادانس ) : إذا كان المقام "لا" مينور ، نرفع نوطة صول بعلامة دييز وهكذا نحصل على مركّب مي-صول#-سي-رَي 1-3-5-7 على درجة المسيطرة accord de 7ème de dominante V الذي يسبق المركّب الكامل 1-3-5 على درجة القرار I وهذه أحسن طريقة لختم الجملة الموسيقية ( صول# ← لا ، أنظر أسفله ).
هذان سببان ( من أصل واحد ) لرفع الدرجة السابعة في مقام المينور وهذا يعطينا المينور الهارموني harmonique ، مقارنة مع المينور العتيق antiqueالذي يطابق النهوند.
الكادانسا أو القفلة Cadence
القطعة الموسيقية تشبه الشعر أو الخطاب ، فيها لحظات قوية ومتوترة ، وأخرى هادئة ومريحة. وفيها كذلك وقفات : قصيرة أو طويلة ، مؤقتة أو نهائية لتقطيع الجملة على غرار النقطة والفاصلة والقاطعة في الخطاب الأدبي ، وهذا عنصر مهم يدخل في إطار الجمالية يقويها ويحميها من الرتابة.
توجد في الموسيقى الهارمونية الغربية عدة أنواع من الكادانسا (حوالي أربع أو خمس) أهمها الكادنسا الكاملة parfaite وهي التي " فرضت " مقام المينور الهارموني : مركّب 1-3-5 ( أو 1-3-5-7 ) على درجة المسيطرة يتبعه مركّب كامل 1-3-5 على درجة القرار ( الوضع الأول/الأساسي ).
أحيانا لإنهاء جزء من الجملة ( وقفة مؤقتة ) أو لأسباب أخرى يكتب الملحّن مركّب درجة القرار في وضع منقلب وفي هذه الحالة الوقفة لا توحي لنا بنهاية أو وقوف طويل لأن النوطة السفلى ليست القرارَ ولهذا تعتبر وتسمى هذه الكادانسا غير كاملة imparfaite.
شبه القفلة : وهي تتابع المركّبين من الدرجة الرابعة IV إلى القرار I في الوضع الأساسي ، وتسمى في الغرب پلاݣال plagale وتعني خاطئة أو غير صحيحة أو غير حقيقية. وهناك نوع آخر يُنعت بنصف القفلة demi-cadence وتنتهي على الدرجة الخامسة V في وضعها الأساسي.
نعود إلى الكادانسا/القفلة الكاملة وهي وحدها التي تحترم الوقوف النهائي من وجهة علم الإصغاء ( القفلات الأخرى تبقى قائمةً وهناك العادات والتقاليد والأعراف ). في المقام الكبير "دو" ، مركّب القرار I : دو-مي- صول ومركّب المسيطرة V :
"صول-سي -رَي" ( أو من الأفضل "صول- سي-رَي-فا" ). الحركة من V إلى I ينبغي أن تكون متلاصقة conjoint :
سي ← دو : نصف طنين صعودا ، ضرورية
رَي ← دو أو مي : طنين ، مريحة
صول ← دو : محبذة في السطر الأسفل.
في الجملة أعلاه ( جاك پوتي ) نلاحظ الحركة من Vا( 1-3-5-7 ) إلى Iا( 1-3-5 ). إضافة نوطة "فا" السابعة في مرّكب "صول" تعطي نكهة إضافية شريطة أن تتجه نحو "مي" نزولا بنصف طنين. ونلاحظ في هذا الشكل القفلة الكاملة : I - V - IV.
الموضيلاسيون Modulation
لنبدأ بمعاينة قطعة شائعة في الوسط المغربي : سماعي رست لسعيد الشرايبي ( "مي "' و"سي "' ). يقع في الخانة بعد التسليم تحوّلٌ إلى نهوند ( 3 بيمول : سي مي لا ) على نفس القرار "دو". قليلةٌ المعزوفات التي تخلو من مثل هذه التحولات ، لأن لزوميات الترنم والجمالية تدفعنا أحيانا لتبديل المقام أو القرار أو كليهما بواسطة تغيير ( رفع أو خفض ) نوطة ( أو نوطتين ) ويسمى هذا Modulation ، ويستعمل كثيرا في الغرب وله تقنيته وقواعده. عادة يحدث التحول إلى المقامات المجاورة tons voisinsوهي التي دليلها يقارب دليل المقام الأصلي ولا يختلف عنه إلّا بعلامة ( أو علامتين على الأكثر ). أولها المقام المرتبط ton relatif ( فصل 1 فقرة 4 ) وله نفس الدليل ( مثلا دو ماجور ولا مينور ) ، وهناك مقام الرابعة والخامسة : فا ماجور وصول ماجور.
1 - كما تلاحظون في الجدول ، إنها تساوي تقريبا ذبذبة صول2 ( تحت مدرج صول ).
2 - منذ حوالي قرنين ونصف ، انقرضت الكومة (فصل 4 و 6 ) وصارت جميع الأطنّة متساوية ( 100 سنت ).
3 - حدد قيمتها بالرقم 8192/6561 = 1,2486 فصل 5 فقرة 7.
4 - إذا كان طول 60 سم يرنّ بنغمة "دو" ، فسنحصل على "رَي" بنقر أو تحريك طول 60 × 8/9 = 53,33 سم والفرق : 60 ـ 53,33 = 6,67
5 - روسيا والشعوب الأرثدوكسية كان لهم مسار موسيقي مختلف ، فصل 3 و 6.
6 - point contre point أي نقطة مقابل نقطة.
7 - للباحث musicologue الكانادي :
« ? S. Caron : « Pourquoi faut-il obéir à des règles que plusieurs compositeurs outrepassent
8 - ومن هنا تأتي العبارة basse donnée أو chant donné. تُنور teneur سابقا سيتحول لفظها إلى طينور ténor .
9 - وهنا لا بد من التذكير بمعنى الثيم في الغرب : فكل معزوفة غربية ( كلاسيك ، جاز ، جينيرك فيلم ) تتألف من ثيم واحد يُكرَّر أحيانا ويكوّن بنية المعزوفة. فيلم Gone with the wind Autant en emporte le vent يدوم ثلاثة ساعات وله ثيم لا يتعدى سطرا ، بعكس ثيم كازابلانكا Casablanca الذي يتكون من جملتين كاملتين على شكل صونات ABA ( فصل 6 ) ولو أنهما قصيرتان ، كلا الثيمَين من إبداع نفس الملحن.
جدول ذبذبات الپيانو ( حسب السلّم المعاصر ) ، من كتاب Histoire de l'Acoustique Musicale [4] ، 2006 ، دار النشر فوزو Fuzeau
قسم المؤرخون الغربيون تاريخ أوروبا إلى أربع مراحل :
* العالم العتيقAntiquité ويشمل حضارة الإغريق ( ابتداء من القرن السادس ق م ) والروم اللاتين إلى سقوط روما في القرن الخامس.
كانت الإمبراطورية الرومانية تسيطر على مساحة كبيرة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبدأت تضعف في القرن الثالث ، وفي القرن الرابع أدت النزاعات إلى ظهور إمبراطوريتين : مقرهما في روما وفي بيزنطة Byzance التي سميت فيما بعد Constantinople. زحفت عدة شعوب من شمال وشرق أوروبا واحتلت روما سنة 476 ، وتحول بعد ذلك مركز الحضارة المسيحية إلى مدينة بيزنطة التي بقيت تسيطر على بلاد الأناضول وجنوب أوروبا ( بما فيها إيطاليا ) ومنطقة واسعة من الشرق الأوسط. لكن المنافسة بين هذين القطبين تحولت من السياسة إلى الدين ( وإلى الموسيقى فيما بعدُ ، قرن 9 ). وما يسمى الروم في التاريخ العربي هم دولة الروم المشارقة ولغتهم الإغريقية ولا علاقة لهم بمدينة روما. حاربهم المسلمون/العرب منذ معركة اليرموك سنة 636 م ٭1 حتى القرن العاشر وحاربهم الأتراك بعد ذلك إلى أن سقطت عاصمتهم سنة 1453.
* العصور أو القرون الوسطى Moyen-Age ، من سقوط روما إلى سقوط بيزنطة 1453 ٭2 ؛ وهي مرحلة انحطاط حضاري واجتماعي وعِلمي. أدّت المنافسة الطويلة بين الكاثوليك والأرثودوكس إلى الإنشقاق الكبير سنة 1054 م. يمكن تقسيم القرون الوسطى إلى جزأين : البعيد : من القرن 5 إلى 10 haut Moyen-Age ، ومن 11 إلى 15 : الرومان roman ثم الڭوتيك gothique.
* النهضة Renaissance : وهي فترة قصيرة (1450←1620) حوالي قرن ونصف، بدأت خلالها أوروبا تستيقظ من سباتها العميق وتحاول إحياء الأفكار والمعارف التي كانت متداولة في عهد الإغريق ، ظهرت بدايةً في شمال ايطاليا وامتدت إلى فرنسا وباقي مناطق أوروبا. وفي نفس الوقت أدّى الوعي إلى احتجاجات ضد ممارسات الڤاتيكان في عدد من المناطق إلى الانشقاق ثم الاصلاح Réforme/ Reformation سنة 1517 وتأسيس طائفة المحتجّين الپروتستان Protestants، نهجوا أسلوبا جديدا في الإنشاد سنجد آثاره في غناء الݣوسپيل Gospel لدى الجالية السوداء في أمريكا.
* العصور الحديثة Temps Modernes ( أو كلاسيك ، لمّا يتعلق الأمر بالآداب والفنون) : من أواخر القرن 17 إلى أوائل القرن 20 حين بدأت الولايات المتحدة تفرض وجودها ( وسيطرتها فيما بعد ) على أوروبا وبقية العالم. أما القرن 20 ، فله تصنيف وحده عند المهتمين بالموسيقي وينعتون أسلوبه ب " المعاصر " Contemporain.
سيلاحظ القارئ أن للكنيسة حضور قوي في دراستنا الموسيقية هذه ، لسبب بسيط هو أنها هيمنت على كل مظاهر الحياة في غرب ووسط أوروبا منذ قرون ومن تراتيلها الدينية انبثق أسلوب الپوليفوني الذي اندمج مع أغاني المنشدين menestrels /troubadours في القرنين 13 و 14 وتطوّر في عصرالنهضة وأعطى أسلوب الهارموني ( فصل 6 ).
الإغريق والفلسفة
كانت لدى الإغريق عقيدة تقسم المعارف إلى أربعة مكوّنات ، ويعبرون عن ذلك بِ " رُباعي المعارف " كوادريڤيوم Quadrivium : علم الأرقام arithmétique ، الهندسة géométrie ، الفلك ونظرية الموسيقى. فقد كان الفلاسفة الإغريق منبهرين بالأرقام ويحاولون توظيفها في نظرية الموسيقى. والجدير بالذكر أن ما يسمى معارف عند قدماء الإغريق كان يتلخص أساسا في الفلسفة ، وشيء من الفلك ونزر قليل من الهندسة géométrie.
أمّا عِلم الأرقام science des nombres الذي مارسه الإغريق فإنه بعيد كل البعد عن طبيعة ما يسمى حاليا أريتمتيك arithmétique. فهذه الأخيرة شعبة من علوم الرياضيات تعتمد على التفكير والمنطق وتراكيب ومعادلات ، أمّا عند الإغريق فعلوم الأرقام كانت لا تتعدى بعض النِسب ( الكسور ) مكتوبة بأرقام تشبه الرومانية ( حساب الجُمّل ) ولا تصلح للعمليات الحسابية كالقسمة والضرب ٭3 .
نسمع ( أو نقرأ ) في الغرب كثيرا من التهريج عن حضارة الإغريق وعلمائهم ، فلنتمعن قليلا في أسماء هؤلاء العلماء وأعمالهم ومؤلفاتهم ، فكل الأسماء المعروفة لدينا نحن العرب ( أريسطو ، سقراط ، افلاطون ، الخ ) كانوا فلاسفة ، وبعضهم أضاف قليلا من الطب أو الفلك أو الهندسة ، أما علوم الرياضيات mathématiques التي كتب عنها المؤرخون فهي شيء مبالَغ فيه. علوم الرياضيات تحتاج إلى نظام رقمي Système de numération متقدم لإنجاز عمليات حسابية معقدة تتطلب وجود رقم " الصفر " والأرقام العشرية chiffre décimal وهذه الشروط لم تكن تتوفر في النظام الإغريقي ولا في النظام اللاتيني الذي بقي حيز التطبيق حتى القرن 15 ٭4. زد على هذا الخلطَ الكبير المتفشي في الغرب حول المعنى الحقيقي لمصطلح ماثيماتيك mathématiques ، الذي يحتوي لفظ ماثيما والذي كان في القِدم يشمل جميع العلوم ، ومنه ينشق التعبير ( في اللغتين الفرنسية والإنجليزية ) ݒوليماث polymathe الذي يشير إلى شخص على دراية بشتى المعارف.
التيتراكورد
كانت الكنّارة ( زنڭ ) منتشرة في المجتمع اليوناني/الهيليني ونجدها في كثير من الرسوم على الأواني والجدران. وكانت آلة متواضعة و بدائية ، عبارة عن أوتار مربوطة بين ذراعي قوس أو ما شابه ذلك. كان عددها أربعة ولا شيء يوضح أو يقنن تسوية هذه الأوتار. وهكذا تكونت فكرة تيتراكورد Tétracorde التي سيطرت على نظرية الموسيقى في أوروبا إلى يومنا هذا.
تزايد عدد الأوتار مع مرور الزمن ، لكن المؤلفين بقوا متشبتين بالعدد أربعة ، وكانوا كلهم فلاسفة ، لم تلمس أصابعهم أي آلة ولم تكن لهم أدنى دراية بالعزف أو الممارسة. بطليموس Claudius Ptolémée عالم من الإسكندرية عاش في القرن الثاني للميلاد هو أول من ذكر كنّارة ذات ثمانية أوتار ، ولا ينبغي مقاربة هذه بالديوان octave لكن بثنائي تيتراكوردَين متتاليين.
( بخلاف الأعداد 7 و 12 ) كان للعدد 4 مكانة كبيرة عند قدماء الإغريق إلى حدّ التقديس ، وانتقلت هذه المكانة إلى المسيحيين وهذا ما جعل كهنتهم يحتفظون فقط بأربع روايات متميزة من مجموع روايات الحواريين ( ونصوص أخرى ) لتكوين الإنجيل وتخلّوا عن باقي الكتابات ( القسّ إيريني Irénée de Lyon الذي جمع نصوص الإنجيل كان إغريقيا ).
السلّم الذي ورثته العصور الوسطى كان يتكون فقط من أربع نوطات. فالنوطات الأخرى لم تكن موضع اهتمام لدى المؤلفين واكتفوا بعدد أربعة و لهذا لا يمكن أن نعتبره سلّما ( ولا مقاما ) . الاسم اللاتيني الصحيح هو genus وجمعُه genera ، مداه لا يتعدى رابعة تامّة juste quarte أي طنينين ونصف ، و نسبة مسافته 4/3 = 1,333 ( عوض 2 للأوكتاڤ ). وبداخل هذا المدى نوطتان موضوعتان بطريقة عفوية ( أو عشوائية ) و بدون قاعدة أو مسطرة ، أبعادها متنوعة : طنين ، 1/2 ، 3/4 ، 1/4 ( مفهوم طنين ton/tone لم يكن معروفا آنذاك في أوروبا ). لا أحد يعرف عدد الأجناس المتداولة آنذاك لكن المخطوطات نقلت لنا 3 أجناس ، يدوّنها المعاصرون بطريقة الصولفيج كما يلي ( لم يقع إجماع أو تنسيق حول الألفاظ العربية ) :
Diatonique : Do – Ré – Mi – Fa
Chromatique : Do – Réb – Ré – Fa
Enharmonique : Do – Réb – Ré – Fa
ربع الطنين انقرض عند الكاثوليك قبل عصر النهضة ( قرن 16 ) وانقرض معه 3/4 طنين ، لكنهما لا زالا حاضرين عند الأرثودوكس. وسوف تبقى فكرة النوع/الجنس genre/gender وهيكلة الرباعي tétracorde هي الأساس حتى تمّ تعويضها بهيكلة الخماسي في الإنشاد الديني ( فقرة 3 ) ثم السداسي hexacorde ( فقرة 5 ). وللتذكير فالموسيقيون القدامى كانوا يسوّون آلتهم ( الكنّارة ) المتكونة من أربعة أوتار أو أكثر غير مبالين بما كان يكتبه أو يُفتيه الفلاسفة. هؤلاء ( أي الفلاسفة ) تناقشوا و تجادلوا و تهافتوا عدة قرون ( من -5 إلى +1 ) في علوم الموسيقى ( أحد أركان رباعي العرفان ) مستغلّين ما كان يُعرف بعلم الأرقام. وهاجسهم الوحيد هو كيف يمكن تقسيم المدى الرباعي ( ذو الأربعة أو الذي بالأربعة حسب التعبير العربي القديم ) إلى ثلاثة أبعاد لكي يكون مجموعها 4/3 ( أي رابعة تامّة ). وتفرق الفلاسفة إلى مدرستين :
إحداهما تحت قيادة Aristoxène de Tarente الذي كان يفضل تسويةً تعتمد على الجمالية النغمية musicalité والأخرى ومؤسسها المزعوم فيثاغورس كانت متشبثة بالرجوع إلى النِسب والأرقام والحساب لتقنين الأبعاد الموسيقية. كتب الفلاسفة الإغريق في موضوع الموسيقى ونظريتها وعلاقتها بعلم الأرقام ، أولهم أرخيطاس Archytas لكن الاسم الذي أقرّه الغربيون هو فيثاغورس ، ونسبوا إليه فكرة بناء السلّم السباعي ( المتداول حاليا ) والذي يتكون من 5 طنين و 2 نصف طنين ، وهذا خطأ لأن صاحبَنا فيثاغورس لم يفعل ولم يكتب أيّ شيء ٭5 . فما هو سبب هذا الخطأ المتعَمّد؟ هذا الشخص لم يكن بعالم أو مفكر أو فيلسوف ، كان داعية يجمع حوله حلقة من الناس ويشرح لهم أفكاره ومبادئه التي يمكن تلخيصها في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ". لكنه كان يحظى بتقدير كبير من طرف القديس أوݣيستان St Augustin أكبر مرجع مسيحي في القرون القديمة أثّر كثيرا على الكنيسة والفكر الغربي ، كان مولعا بالإنشاد ودافع عن "أفكار" فيثاغورس ( لأنها كانت تقرّب الأرقام للآلهة !) ما جعل المعاصرين ينسبون إليه أشياء لم تعرفها أوروبا إلاّ في عصر النهضة. وفي الأخير نذكّر أن أحد ركائز علوم الرياضيات المعروفة بقاعدة Théorème المثلث ذي الزاوية القائمة ينسبها المؤلفون لفيثاغورس وهذا خطأ كذلك.
الإنشاد الديني يحظى باهتمام بالغ لدى المؤرخين لأنه منبع الثقافة الموسيقية في الغرب. قواعده الأولية وضعها راهب من دمشق يسميه الغرب يوحنا دمشقي ( حوالي 700 م ) Jean Damascène ، كان مستشارا لدى الخليفة الأموي واسمه عند العرب منصور بن سرجون التغلبي ؛ ألّف عدة أناشيد دينية لا زال بعضها معمولا به إلى يومنا هذا وهو مؤسس نظام " الأكتوئيكوس " Octoechos الذي يستعمل أربع مقامات ( كل واحد في صيغتين وهذا سيعطي العددَ ثمانية ) و الذي تبنّته كنيسة بيزنطة وبعدها كنيسة روما. تسمّيها الأدبيات العربية " الأسطوخوسية " ، منها : الأصفهاني في كتاب الأغاني ( جزء 3 ، ابن مسجع ) والكِندي في رسالة اللحون والنغم ( ص 26 ).
قد لا يفهم القارئ العربي أو المسلم ما دخلُ الدين في مجال الموسيقى ونظريتها. فليعلم أنه في أوروبا وحتى عصر النهضة قرن 16 ( وأحيانا حتى قرن الأنوار 18 ) كانت الكنيسة الكاثوليكية تسيّر جميع شؤون المجتمع : من علوم وفنون ، وحتى تتويج الملوك وزواجهم ٭6.
تطوّر الإنشاد الديني البيزنطي بحُكم ازدهار بيزنطة وقربها من مهد الديانة المسيحية والحضارة العربية ، وانتقل إلى روما وإيطاليا عموما. كان في الأصل ينشَد بلغة الإغريق. تبنّاه الڤاتيكان وترجمه إلى اللاتينية ابتداء من القرن 8. وفي القرن 9 لما وصلت المنافسة بين شرق وغرب الكنيسة حدّتَها أراد الفاتيكان ترسيخ سلطته على الأقطار التي تحت نفوذه ولمراقبتها عن طريق الديانة ٭7 وطقوسها قرّر تقنين الإنشاد واختار عددا من القطع لتكوّن ديوانا رسميا يُمنع تغييره أو الخروج عنه. أعطاه المؤرخون لقب ݣريݣوري نسبة إلى البابا ݣريݣوار الذي عاش في أواخر القرن 6 (-604م ) لكونه كان مهتما بالموسيقى وأسس مركزا لتكوين المنشدين Scola Cantorum لكن الإسم الحقيقي لهذا الأسلوب هو Plain-Chant ومعناه الغناء البسيط ، مقارنة مع الغناء المُركّب والمتعدد الأصوات Polyphonie الذي سيظهر في القرن 12.
تابعت الكنيسة الشرقية ممارسة الديانة والإنشاد بعد سقوط بيزنطة في يد الأتراك سنة 1453 ، بفضل تسامح المسلمين ، وليس من الغريب أن يكون مقر هذه الكنيسة الأرثوذوكسية ورئيسها الأعلى في إسطنبول المسلمة ( سيحدث انشقاق فيما بعد ويتأسس فرع في روسيا وشرق أوروبا ). هذا الأسلوب الذي ينعته الغرب بالبيزنطي لا زال شائعا حتى يومنا هذا في جميع الكنائس المسيحية في المشرق العربي ، ومن أبرز أعلامه اللبنانية ماري كَيروز Keyrouze التي سبق لها أن شاركت في مهرجان الموسيقى الروحية في فاس ، وله طابع قريب من الأسلوب العربي الشرقي ومن طرب الآلة ٭8 .
نظرية الأكتوئيكوس طبّقتها كنيسة بيزنطة في العصور الوسطى لكنها لم تعمّر طويلا وتحررت من قيودها وتبعت نظاما يخضع للإصغاء والجمالية ( عوض قواعد المنظّرين ) ولم تتدخل فيه أية تعليمات من لدُن أية جهة. هذا النظام ينهج سياسة مرنة في تحديد المقامات والمسافات. ݣيانيلوس في كتابه [26] " الموسيقى البيزنطية " يعرض شكل هذه المقامات ويعطي حسابا لتقسيم الأوكتاف إلى 36 درجة. المقام الرئيسي أو المرجعي پروتوس protus له شكل يطابق مقام الرست :
نظرية الأكتوئيكوس " الأسطوخوسية " طريقة معقدة ، ويكمُن التعقيد في أنّ فكرة مقام ( في تلك الحِقب ) لم تكن واضحة ، بل عبارة عن مجموعة نوطات عددها غير واضح ، ومفهوم " القرار " tonique كان منعدما. كل ما في الأمر أن هناك أناشيد hymnes أو تراتيل تستقي نصوصها من الإنجيل والصلوات مدوّنة في كتب خصصت لهذا الغرض تسمى antiphonaires ويحفظها المنشدون عن ظهر قلب ، تكونت بطريقة تلقائية وتوظّف بعض الأنغام البسيطة القديمة.
كلمة أكتوئيكوس تضم في طياتها معنى ثمانية octo لأن هذه النظرية تحتوي على ثمانية مقامات كما يزعم المؤرخون ، وهذا خطأ. الأناشيد الأولية عددها تسعة (odes 9)، تقلصت إلى ثمانية ، لكن في الحقيقة ليس هناك إلاّ أربعة مقامات أو أجناس تشبه الرباعي الذي كان متداولا في كتابات الإغريق كما رأينا في الفقرة 2 أضيفت له نوطة خامسة : المُسيطرة ، ثاني الدرجات الأكثر توافقا بعد الأوكتاڤ/الجواب. يمكن كتابة المقام ابتداء من الفينال Finale التي تنتهي بها القطعة ، أو من التُنور Teneur( النوطة الخامسة ) التي كان لها وزن أكبر من القرار في عقيدة أولائك المنشدين. وللتعبير عن هذه الهيكلة بطريقة منهجية ارتأى المؤلفون المعاصرون ( منذ القرن 17 أو 18 ) أن يُدخِلوا كتابة الصولفيج لتدوين هذه الأجناس. وصارت كتابتها كالتالي :
يمكن تمديد هذه الهيكلة الخماسية لكي تصل مباشرة إلى الأوكتاڤ ، الپروتوس مَثلا :
التمديد إلى أعلى يعطي : Ré Mi Fa Sol La Si Do Ré
وإلى أسفل يعطي : La Si Do Ré Mi Fa Sol La
يُنعت المقام الأول ( الأعلى ) ب أصيل/أصلي authentique أو Protus Authente والثاني ( الأسفل ) ب مزوّر/مغيّر أو محرّف Protus Plagal
ملحوظة : هذه الأجناس modes/genres تكتب في الغرب بطريقة دياتونية ( أبعادها من نوع طنين ونصف طنين ) لأن المدوّنين في أوروبا حذفوا ربع الطنين منذ ظهور نظرية الهيكزاكورد لصاحبها داريزو حوالي 1025، لكن ربع الطنين بقي حاضرا حتى بداية القرن 14 ، ولنا عودة للموضوع مع كل البراهين.
هناك مسألة لم ينتبه لها أي أحد في الغرب ( أو تجاهلوها عن قصد ) : هذه الهيكلة الخُماسية لا تختلف عن الهيكلة الرُباعية عند الإغريق إلا بإضافة طنين ولا تختلف عن نظرية داريزو D’Arezzo المشهورة في الغرب ( فقرة 5 ) إلا بحذف طنين. ومن هنا نرى أن بناء السلّم والمقام في الغرب أُنجِز بطريقة بدائية لا علاقة لها بمبادئ وعلوم الإصغاء : أربعة درجات ( الإغريق ) ، ثم خمسة ( التغلبي ) ، ثم ستة ( داريزو ).
هذه الأجناس/ المقامات لم تكن تُدرَس ( أو تطبَق ) بالطريقة أعلاه ، فهذه طريقة أبدعها المؤلفون المعاصرون ، لكن القدماء ( في العصور الوسطى ) كانوا يحفظون الأناشيد ويرتلونها في الكنائس ، وكان الهدف من هذا التدوين فقط مساعدة الذاكرة. الغناء البسيط ( الݣريݣوي ) هو أولا وقبل كل شيء ديوانrépertoire اختارته الكنيسة الكاثوليكية وابتدعت طريقة النومة les neumes لتدوينه ونشره وعدم تحريفه. وهذا جعل " الموسيقيين " ينحصرون في نغمات مسطّرة وإطار ضيق ، ما لبثوا أن تحدّوه بإضافة جمل قليلة نتج عنها أسلوب séquences الذي دام حتى أواخر القرن 10. ومع مرور الزمن كثرت الإضافات والتغييرات أدت إلى ابتعاد الأناشيد والألحان عن صيغتها الأولى وابتكار أسلوب tropes.
الحضور الإسلامي في الأندلس أثّر على الحياة الثقافية والفنية في قشتالة المسيحية حيث تكوّن قطبٌ جمع بين السياسة والدين والثقافة والفن : مدينة طليطلة Tolède التي لا تبعد كثيرا عن قرطبة عاصمة الأندلس ٭9 . ما أدّى إلى ازدهار أسلوب من الموسيقى والغناء مختلف تماما عن الأسلوب الرسمي للكنيسة الكاثوليكية ، يسمى الغناء الاسباني Chant Hispanique أو الغناء المستعرب Chant Mozarabe ، وهما عبارتان لهما تقريبا نفس المعنى. هذا الأسلوب كان مطَبّقا في الكنيسة وخارجها ( أي من النوعين الديني religieux والدنيوي profane ) ، ولدى العرب/ المسلمين واليهود في الأندلس.
بقيت هذه الأمور على حالها إلى أن بدأت قشتالة تتسع وتمتد نحو الجنوب وتحتل أراضي المسلمين ورغم كل هذا كان تأثير المسلمين وثقافتهم على الإسبان المسيحيين قويا إلى درجة أنهم كانوا يكتبون أحيانا لغتهم بالحروف العربية ٭10 .
دخل المسلمون إلى الأندلس تحت قيادة طارق بن زياد سنة 711 ليجدوا إسبانيا في سبات عميق ( كباقي البلدان الأوروبية ) يمارسون في الكنائس إنشادا عتيقا ، خليطا من تراتيل الشعوب التي تعاقبت على هذا المكان : رومان لاتينيون ، بيزنطين إغريقيون ( مكثوا في جنوب إسبانيا حتى القرن 8 ) وڤيزيݣوط منحدرون من وسط أوروبا. العرب أتوا بحضارتهم وفنهم وطربهم للأندلس التي لم تعطهم إلاّ طبيعتَها الخضراء.
منذ مجيء زرياب في 822 م إلى ظهور العلاّمة ابن باجّة ( -1138 م ) وقع اندماج بين الأسلوب الذي أتى به زرياب من الشرق وبين الأسلوب الذي كان منتشرا في إسبانيا ، ونتج عن هذا الاندماج أسلوب موحد في شبه الجزيرة الإيبيرية وشمال المغرب. مارسه العرب المسلمون واليهود والنصارى من جميع المناطق ( قشتالة ، كاتالونيا ، برتغال ) يسمى " الغناء المستعرب " لأن طابعه عربي ويستخدم مقامات عربية كالحجاز. بعض المقاطع كانت تُعزَف عند الإسبان المسيحيين وعند العرب المسلمين ، أحيانا بأداء مختلف قليلا. احتفظ به ( ولا نقول ورثه ) المغرب وطوّره ولا زال يطرب به الناس إلى يومنا هذا ( بعد 10 قرون ، فصل 7 ). قلنا " احتفظ به " المغرب لتسهيل التعبير ، لكنه في الحقيقة تمغرب مع مرور الزمن لكي يصبح ما هو عليه الآن والتعبير الصحيح هو " غناء النوبة " أو " طرب الآلة ".
ساهم العرب في تطوير فن الغناء الإسباني الذي كان متداولا في الكنيسة وعند الشعب على حد سواء ( بخلاف باقي مناطق أوروبا حيث النشيد الديني لا علاقة له بأغاني الشعب والفلكلور ) ورغم ذلك بعض المؤلفين في الغرب ينكرون تأثير العرب على الإسبان في ميدان الموسيقى ، ومن أشهر هؤلاء الإنݣليزي ݣوستاف ريز Reese. في كتابه " الموسيقى في العصور الوسطى " [27] ص 246 يطرح آراءه وحججه التي تنكر تأثير ومساهمة العرب ، وفي ص247 المقابلة لها يعطي مثلا مأخوذا من الديوان الشهير كانتيݣاس ( Cantigas de Santa Maria جُمع في القرن 13 ) لأغنية اسمها " روزا دي روزاس " ( وردة الورود Rosa des rosas ) ، فهذه القطعة شبيهة كل الشبه بقطعة مغربية تحمل اسم " أنظر إلى قده ". هذا الديوان يحتوي على 427 قطعة ، مزيج بين أسلوب المنشدين تروبادور الأوروبي القديم وأسلوب طرب الآلة المغربي المعاصر. أنصح القارئ أن ينصت في الإنترنيت للقطع رقم 10 ورقم 1 Des oge mais quer eu trobar. ولنا اليقين أنه توجد حالات أخرى ومع الأسف لا يمكننا البحث عنها ( مسألة وقت وتفرغ ). أمّا النشيد الوطني الإسباني Marcha Granada فهو يشبه نوبة الإستهلال.
بقيت الأحوال هكذا إلى القرن 15 حيث أتمّ الإسبان فتوحاتهم ضد العرب وسقطت غرناطة آخر " معقل " في 1492 ، حدث هذا في عهد إيزابيلا ملكة قشتالة الملقبة بإزابيلا الكاثوليكية لحماسها الديني الكبير ولاضطهادها لغير المسيحيين ، وحتى المسيحيين الذين كان يشكَّك في ولائهم ( وكانوا يُحرَقون وهم أحياء ) ، وهو ما يعرف في التاريخ ب " محاكم التفتيش " Inquisition.
ولكي ينفصل ويبتعد الغناء عن مكوناته الموروثة عن العرب ، كلفت الملكة إيزابيلا الكاردينال سيسنيروس Cisneros ، أسقف طليطلة ، بمهمة إصلاح الغناء الديني سنة 1495. اختار الكاردينال مجموعة من الأنغام ادّعى أن أصولها تعود إلى عهد الفيزيݣوط ( أي قبل وصول الإسلام ) وفرضها كديوان رسمي/موحد لجميع الكنائس التابعة لسلطة طليطلة ، يسمى هذا الديوان ميسيل إسپانو-موزاراب Missel hispano-mozarabe وسيجري العمل به حوالي خمسة قرون إلى أن حدث إصلاح جديد على يد أسقف آخر لطليطلة مارسيل ݣونزاليس مارتين Marcelo González Martín سنة 1992.
وأخيرا ، فالغناء الإسباني ، بجانبيه الديني والدنيوي ( بين القرنين 11 و 15 ) ، مكث مونوضيّا/أُحاديا ولم تشُبه تحريفات الپوليفوني إلّا بصفة ضئيلة ( ابتداء من القرن 16 ).
كان السلّم الموسيقي عند الإغريق لا يتعدّى المسافة الرابعة ، وبعد فترة انتقالية غامضة تولت الكنيسة زمام الأمور ( ابتداء من القرن 8 ) وتمّ تمديده إلى خمس نوطات كما شرحنا أعلاه. باستثناء إسبانيا التي كانت خاضعة للنفوذ الثقافي العربي ، لم تكن في أوروبا موسيقى ( ولا نظرية موسيقى ) ما عدا الإنشاد الديني ( بين القرنين 9 و11 ) ، ولا يُعرف أي نظام كان يتبعه هذا الإنشاد : خليط من الأجناس العتيقة الرباعية وامتدادها إلى مقامات الأوكتوئيكوس الخماسية. كل ما هو أكيد ومتفق عليه هو وجود أبعاد مختلفة بما فيها ربع الطنين ، بقيت حيّز التطبيق إلى بداية القرن 14 ولكن هذا شيء لا يتقبله المؤلفون المعاصرون في الغرب رغم الوثائق والمخطوطات التي تؤكد ذلك ( مخطوط مونپيليي H196 ، كتاب مارشيطو Lucidarium ). أما خارج جدران الكنائس ، فقد كان الغناء ( الدنيوي ) محظورا.
الديوان أو الأوكتاڤ مبدأ كوني universel استمد شرعيته من الطبيعة عبر معايير الإصغاء ، لم تعرفه أوروبا إلاّ في أوائل عصر النهضة لكنه كان حاضرا في الشرق الأوسط منذ القدم. وشاءت الأقدار أن يُدخله العلاّمة منصور بن سرجون التغلبي في الإنشاد الديني المسيحي ( بطريقة ملتوية ) ، لأنه كان على اطلاع بالثقافة العربية . لكن الغرب في تلك العصور لم يكن قادرا على استيعاب مفهوم الأوكتاڤ ، واستعمل 4 أجناس خماسية ، يمكن تمديدها إلى فوق/أعلى أو إلى تحت/أسفل ( فقرة 2 ) لكي تضم 8 نوطات.
في أوائل القرن 10 بدأ التفكير في تمديد هذا السلّم الخماسي ، والمبادرة جاءت من القسّ هوكبالد Hucbald de St Amand الذي عاش في شمال فرنسا. حاول القسّ هوكبالد تنويط الإنشاد البسيط معتمدا على كنّارة lyre ذات ستة أوتار معدّلة وفق الشكل المبيَّن أسفله لأنه شكل متوازن symétrique وهذه مواصفة لا فائدة لها في الموسيقى.
قسّ آخر، من قرية أريزو قرب مدينة فلورانس مهد النهضة الإيطالية ، إسمه ݣي أو ݣيدو داريزو ، أخذ هذه الفكرة وعمّقها وأعطى للنوطات أسماءها المتداولة حاليا :
حدث هذا في سنة 1000 ونيف أي بداية القرن 11 ، هذا الشكل مطابق للجنس الدياتوني الذي بدأ يفرض نفسه كمرجع في نظرية وممارسة الموسيقى ( سبق أن أشرنا إلى مجيئه من بلاد الرافدين عبر مملكة الحيثيين ). داريزو قسّ ينتمي إلى طائفة البنديكت bénédictins ، ألف عدة كتب ذات طابع بيداغوجي كان الهدف منها وضع قواعد لتقنين السلّم الموسيقي ، وتحديد طريقة لتدوين النوطة solfège تحلّ محلّ طريقة النومة القديمة. لقيت أعماله نجاحا كبيرا قيد حياته إلى حد جعل البابا يوحنا 19 يستقبله ٭11 ويعرض عليه الإقامة في روما لكنه فضّل لأسباب صحية الرجوع إلى مسقط رأسه. هذه الطريقة استوحاها من النشيد hymne الديني المُهدى إلى القديس يوحنا :
يتركب هذا النشيد في الأصل من ستة أبيات يبدأ الأول منها ب "أوت" Ut لكن نطق هذه الكلمة لم ينل استحسان المؤلفين وعُوّضت فيما بعد ب "دو". البيت السابع المبتدئ بِ "سي" أُضيف في القرن 16 ( لكي يندمج مع السلّم السباعي الذي أتى به راموس الأندلسي). المشكل هو أن مسافة سادسة hexacorde لم تكن تكفي لتدوين الغناء الديني ولهذا وضع داريزو ( أو أتباعه ) وسيلة لتمديدها وتغطية أنغام ذات مسافة تتعدى السادسة: وضع عدة هكزاكوردات متشابكة ( وليست متتابعة كما هو الشأن مع الأوكتاڤ منذ القرن 16 إلى يومنا هذا ) :
هذه الطريقة كانت مدونة في مخطوطات الكنائس والأد۫يرة لكنها لم تكن مطبَّقة لأن المنشدين كانوا يحفظون الأناشيد ( نصوصا وأنغاما ) عن ظهر قلب.
العمود في أقصى اليسار يحتوي على النوطات بالكتابة المعاصرة والتي يمكن تدوينها في مدرّج مفتاح "صول" ( " لا3 " هي الدياپازون 440 هيرتز بين السطرين 3 و4 ). وفي الأعمدة الأخرى تتشابك هكزاكوردات انطلاقا من نوطة "دو" أو "فا" أو "صول" وهكذا مع مرور الزمن صارت هذه النوطات الثلاثة أسماءَ المدرّجات السبع : 1 مفتاح صول ، 2 مفتاح فا ، 4 مفتاح أوت/دو. ولمواكبة هذا التشابك كان لا بد من إضافة نوطة إلى السلّم ( وإضافة بيت إلى نشيد القديس يوحنا ، في القرن 16 ). هذه النوطة السادسة كانت متحركة وتُكتب في صيغتين : إمّا عادية/قوية بيكار "سي" أو ضعيفة بيمول "سيb" حسب القطعة ، ولكن لا شيء في المدرج ( المكتوب بالنوطة المربعة القديمة بدون علامة تحويل ) يعطي توضيحا في هذا السياق.
لا بد من التذكير أنّه وإلى القرن 11 لم يكن في أوروبا ( باستثناء إسبانيا ) غناء دنيوي مدني profane. الغناء كان محظورا خارج الكنائس والإنشاد الديني الذي يؤدى داخل الكنائس كان في شكل تراتيل خالية من الترنّم ومن الميزان.
بين القرنين 9 و 11 ، نشأ وترقّى في الأندلس ( وفي إسبانيا المسيحية ) أسلوب غنائي نتج عن تلاحم شتى الأنواع المتواجدة : الإنشاد الديني عند الڤيزيݣوط الكاثوليك ، الغناء البيزنطي في الأندلس ما قبل الإسلام ٭12 ، الغناء العربي الذي تطوّر بين العدوتين منذ الفتح الإسلامي ، وأخيرا مساهمة الموسيقيين المشارقة الوافدين على الأندلس وأشهرهم زرياب. النتيجة فنّ ( غناء وعزف ولحن ) مدني/دنيوي يؤديه أشخاص من الشعب موجّه إلى الشعب وكذلك إلى الأمراء والنبلاء ، إنهم المنشدون ( تروبادور ).
عبَر فن المنشدين جبال البرانس في القرن 11 لكن لم يبق أثر للمنشدين الأوائل وربما اندمجت أعمالهم في الفلكلور أو صارت بدون ٭13 . وأول منشد ترك أعمالا تحمل إسمه هو ݣيوم السابع أمير مقاطعة ڭاسكون في جنوب-غرب فرنسا ، شارك في الحروب (الصليبية ) ضد المسلمين في المشرق وفي إسبانيا ( ما جعله يحتك بالمجتمع والفن العربي ويتأثر بتقاليده ويتذوق إنشاده في وقت لم يكن في أوروبا إنشاد غير التراتيل الدينية ) ، ويُقال أنه أُسِر، وربما نُسبت له أعمال غيره.
مصطلح " مِنيستريل " يشمل جميع أنواع المنشدين في جميع الأقطار وجميع الحقب ، لكنهم ظهروا في جنوب-غرب فرنسا ( بالإضافة إلى كاتالونيا وقشتالة ) حيث كانوا يُسمّون ب " تروبادور" troubadour ، ولا أحد في الغرب ينكر أصولهم الإيبيرية. سوف ينتشرون إلى شمال-شرق فرنسا ( بما فيها باريس ) وسيلقّبون ب " تروڤير" trouvère بعد تحريف للفظ تروبادور ( والخلط بين حرفي "ڤ" و "ب" ) وسيصل فنّهم كذلك إلى ( شمال ) إيطاليا حيث ينعتون ب trovatore. في القرن 13 لمع أشهرهم دولاهال De La Halle الذي سيُدخل بعض عناصر الپوليفوني على الفن الشعبي (Il Trovatore عنوان اوپيرا للايطالي ڨيردي Verdi).
أصل كلمة تروبادور ومشتقاتها كان موضع نقاش منذ عدة قرون ، ومعظم كتب تاريخ الموسيقى في أوروبا تؤكد بأن الأصل فِعل لاتيني يعني " وجَد " تروپار tropar أو ألّف/أبدع ، ويربطونها بإسم "ت۫روپ" أو "ط۫روپ" trope وهو نوع من الغناء أدخل تحسينات على الغناء البسيط ( في إيطاليا ووسط أوروبا بعيدا عن إسبانيا ) وهناك بعض المؤلفين الذين يدافعون عن هذه الأطروحة بكل طاقتهم. هذا شيء مستحيل لأنه مهما كانت التغييرات في شكل الكلمات ونطقها ولو دامت قرونا ، فحرف "پ" لم يتحوّل قطّ إلى "ب". لكن البعض الآخر يعترف بأن أصلها عربي من فعل "طرب" ، وربما "ضرب" على آلة عزف أو إيقاع ( فارمر ، ريبيرا [28] ، پيدال ، مِنوكال ، لومَي [29] ، مارو [30] وآخرون اعترفوا علانية بالأصل العربي ).
أغنية رَيس ݣلوريوس Reis Glorios ( مقام دوريان mode dorien )
المنشدون الأوائل كانوا في نفس الوقت شعراء وعازفين ومغنين. آلتهم الوحيدة هي العود ، جاءت من الأندلس عبر قشتالة/إسبانيا. هذه الآلة ستنجب آلات أخرى عديدة وأبرزها القيثارة والكمان كما شرحنا في مدخل هذا الكتاب ( في البداية سيتغير شكل العود وسيعطي vihuela التي لها شكل يقارب القيثارة والتي ستعطي بدورها الڤيول viole ). هؤلاء المنشدون ألّفوا الكثير من الألحان أهملها المؤرخون لأن هؤلاء كانوا دائما متشبثين بالغناء البسيط ، والپوليفوني من بعده. قام الباحث دولاكويستا De La Cuestaا [31] جمع هذه الأغاني ووصل إلى 2300 قطعة أو نغمة لا زال بعضها يغنّى في إطار الفلكلور إلى يومنا هذا. تعود أصول فن المنشدين إلى الزجل الأندلسي/المغربي حيث طبّقه الإسبان بلغة مزيجة من العربية والإسبانية ، كان جميلا وراقيا وفيه ما يكفي من الترنّم. لم يكن يطبِّق نظام الأوكتوئيكوس ولكن استعمل مقامات يمكن تصنيفها في ما يُنعت ب " مقامات العصور الوسطى " وهي دياتونية طبيعية وعددها سبعة ( فصل 1 ) أكثرها تواجدا مقام "رَي" dorien ( الأغنية أعلاه ) ، ونجد أحيانا مقام "مي" phrygien ويسمّيه العرب "كورد" ( "صيكاه" في طرب الآلة ، وهو في الأصل سيكه لكنه مع مرور الزمن فقدَ رُبعَي الطنين و وصار دياتونيا ونجده في قطعة " شمس العشي " ).
كانت الأناشيد الدينية داخل الكنائس والأديرة جدّ متخلفة وبدون ترنم ولا إيقاع ولا ترنّم ولا أي شيء ( ولا أفق لتطويرها ). فكّر أحد الرهبان في " دبلجتها " أي : انطلاقا من ميلوض۫ية ( صوت رئيسي principal ) أضاف سطرا موازيا (صوت أورݣاني organique ) على بُعد رابعة أو خامسة أعلى ، لأن هاتين الدرجتين تعتبَران الأقوى توافقا. وسوف تُسفر هذه الإضافة عن مقطوعة تُنعتُ ب " الأورݣانوم " organum (قرن 10). وما دامت السطور الموازية فيها كثير من الرتابة monotonie غُيّر شكل السطر المضاف ( الأعلى ) مع الإحتفاظ بالنوطة الأولى والأخيرة ، وخير مثال على هذا هو النشيد الشهير ريكس كوئيلي Rex Coeli ٭15 :
أُنجزت تحسينات أخرى ، وفي القرن 12 أضيف سطر ثالث تكون حركته معاكسة للسطر الثاني ( كونتر شانت contrechant ، أو ديشانت déchant ) ، والنتيجة هي التريپلوم triplum ، وبقي السطرُ الأسفل ( الرئيسي ) هو الركيزة تُنور teneur. نحن هنا دائما في إطار النشيد الديني ، لكن مع تنوع الأصوات طُرحت مسألة الوزن/الميزان لكي يكون تنسيق بين مختلف النوطات العمودية.
الغناء البسيط لم يكن يتوفر على ميزان أو إيقاع ، كان نوعا من التراتيل ، جُمَله الطويلة كانت عبارة عن نوطات متتابعة ليس فيها حقول ومن القواعد الأولى للطرب ينبغي على القطعة أن تكون مقسمة إلى حقول (على غرار الشعر ) يحتوي كل حقل منها على نقرات قوية وأخرى ضعيفة ( وأخرى فارغة ) ولهذا ظهر كتاب Ars cantus mensurabilis يتناول موضوع الإيقاع ، قرن 13.
في القرن 13 زاد پيروتين Pérotin في عدد الأصوات لتصبح أربعة ، ورغم كل ما أدخله من تحسينات سيسمّى هذا التيار ، فيما بعد ، بِ " آرس أنتيكا " ( أي الفن القديم ) مقارَنة مع ما سيلي في القرن 14. يعتبر پيروتين مبتكرَ الپوليفوني لأنه أخرجها من إطارها الضيّق المنحصر في نظام التراتيل ، مع اعتبار الثالوث/ الترياد ( على الدرجات 1 أو 5 أو 4 ) ، وسينتشر هذا الأسلوب في أوروبا ويسمونه الموتيه Motet.
في النصف الثاني من نفس القرن 13 حدث منعطف كبير في تاريخ الموسيقى الغربية ألا وهو انسجام وتلاحم فن المنشدين ( تروڤير باريس وشمال فرنسا ) المنحدر من تروبادور أوكسيتانيا ( جنوب غرب فرنسا ) مع الپوليفوني. طبّق بعض المنشدين التروڤير في أغانيهم قواعدَ وتقنية الغناء المتعدد الأصوات ( بطريقة الكونترپوينت ، فصل 2 ) ، والفرق الكبير هو أنهم احتفظوا بهويتهم وطبيعة فنّهم " الرهيف " ذي الجذور الأندلسية : والنتيجة أغنية جميلة مونوضيّة/أحادية في أعلى ، يصاحبها سطران في أسفل، وتراعي معايير الترنّم ( فقرة 6 ).
وفي هذه الفترة ظهرت الدراسات الأولى في نظرية الموسيقى ومنها كتاب لمؤلف مجهول " ديسكانتوس پوزيسيو ڤولݣاريس " Discantus positio vulgaris حاول وضع قواعد وقوانين وأهمها أنه أقرّ بتفوّق الخامسة ( المسيطرة ) والجواب ( الأوكتاف ) على باقي المسافات والهدف إزاحة الرابعة ( وتعويضها بالثالثة ).
الفكرة المؤسسة للهارموني هي الترياد/ الثالوث أي المركّب 1-3-5 وتفضيل الثالثة على الرابعة ( فصل 2 ). وهذا ما حدث فعلا بصفة قوية منذ نهاية القرن 13 إلى حدّ جعل البابا جان/ يوحنا 22 يتدخل لتنبيه المعارضين وأصدر فتواه الشهيرة " دوكتا سانكتوروم پاتروم " docta sanctorum patrum 1325 التي يدعو فيها خدّامه إلى الرجوع إلى الطريق " المستقيم " أي الإحتفاظ بالمسافة الرابعة ( عوض الثالثة ). لكن الموسيقيين تابعوا طريقهم ، طريق الترنم والجمالية ومقوّمات الإصغاء ، إنه تيار " آرس نوڤا " ( 1320-1380 ) ومن أعلامه دو ڤيتري( De Vitry ( 1361-1291 و ݣيوم دو ماشو ( 1300-1377 ) والإيطالي فرانسيسكو لانديني.
لوحة الحساب Le boulier
1 - وهنا لا بد من التذكير بأحد الفرسان الذي تألق نجمه في هذه الحروب وكان أميرا وشاعرا ( مات سنة 968 ) وترك ديوانا تحت عنوان " الروميات " لُحنت بعض قصائده : أبو فراس الحمداني التغلبي.
2 - ونعتبر هذا التاريخ هو نهاية العصور الوسطى ولو أن الغرب يحدده في اكتشاف القارة الأمريكية سنة 1492 ( وفي نفس السنة سقطت غرناطة و انتهى الحضور الإسلامي في الأندلس ).
3 - الشعوب التي لم تكن تتوفر على منظومة حساب متقدمة كالتي أخذها العرب عن الهند كانت تستعمل لوحة الحساب boulier ( أنظر الصورة ).
4 - درسه الراهب جيربير في الأندلس وأدخله لأوروبا سنة 1000 لكن الكنيسة رفضته لأنه يأتي من عند المسلمين.
5 - يقال أن أرخيتاس Archytas هو أول مفكر/فيلسوف ( 428-347 ق م ) عبّر على المسافات بواسطة أرقام استدلالية ( نِسب ) ، ولكن لا شيء يثبت أنه أمسك بآلة وترية لكي يقوم بتجربة أو تأكيد تخميناته. أما فيثاغورس ( 580-495 ق م ) فقد عاش قبله بحوالي قرن ونصف.
6 - رفضت الكنيسة زواج مولاي اسماعيل بابنة لويس14 لأنه ليس بمسيحي/كاثوليكي.
7 - كوميسكي Komiscki ينعت ابتكار الغناء البسيط ب : « Acte principalement politique à la base, renforçant le pouvoir de la papauté et l’unité de l’empire carolingien »
8 - https://www.youtube.com/watch?v=Ob_YOmaW8Z8 : Beatus Vir
9 حوالي 240 كلم ، أي المسافة بين مراكش والدار البيضاء.
10 - http://www.spanisharts.com/books/literature/imagenes/yusb2g.jpg
11 - يوجد رسم لمقابلة البابا مع داريزو في كتاب قديم باللغة الإنجليزية اطّلعنا عليه في BNF المكتبة الوطنية الفرنسية لكن لا نتذكر مراجعه ، ربما صدر في أواخر القرن 19.
12 - السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة الإيبيرية بقيت خاضعة لبيزنطة.
13 - anonyme آنونيم أي إسم الملحن مجهول أو غير معروف.
14 - في الجملة E per lui laisset lo trobar et le cantar من كتاب مارو [30] ص 16 تحتوي على عبارة " الطرب والغناء ".
15 - ولا نعرف النطق الصحيح للّفظ الأول لأن حرف "كس" أصله إغريقي ويُنطق "خ" ، ويمكن الرجوع الى الأسباب التي جعلت أوروبا تعوّض حرف "س" أو "ش" بحرف "x" في العلوم الرياضية.
أول شيء ينبغي معرفته في نظرية الموسيقى هو وجود سلسلة نوطات أو أصوات أساسية توظَّف للعزف والغناء. عددها سبعة ، تبدأ من نوطة القرار ( في أسفل ) وتصعد تدريجيا من غليظ إلى حادّ ، حتى النوطة السابعة. تُضاف إليها نوطة ثامنة هي الجواب تشبه القرار وترنّ مثله ٭1 لتشكيل ما يسمّى بالديوان أو الأوكتاڤ ، إنه السلّم الموسيقي. ويمكننا تمديد هذه السلسلة انطلاقا من الجواب نحو الأصوات العليا/الحادة ، وانطلاقا من القرار نحو الأصوات السفلى/الغليظة ( فصل 1).
درجات السلّم الموسيقي السبع ليست متساوية ، وتنقسم إلى نوعين : 5 طنين و2 نصف طنين. هذه القاعدة ، رغم بساطتها ، كلّفت الإنسانية آلاف السنين. موضوع هذا الفصل هو شرح الخطوات التي أنجزتها الإنسانية للحصول على هذا السلّم السُباعي ( وفق معايير السمعيات وعلوم الإصغاء ) ، وتكمِلته إلى 12 درجة في القرن التاسع وإلى 24 درجة في القرن العاشر في الشرق العربي.
بدأت هذه الخطوات في بلاد الرافدين في الألفية الثانية ق م ( فقرة 2 أسفله ) بصفة بطيئة. وفي الصين ثلاثة قرون ق م ( فصل 9 ) استُخدِمت أنابيب وأجراس لتقنين السلّم الخماسي الذي ما زال شائعا في الشرق الأقصى. وقامت محاولات في بلاد الهند والسند (فصل 8) لا نعرف تفاصيلها في فترة لا أحد يجرؤ على تحديد تاريخها ( بضع قرون قبل أو بعد الميلاد ) أدّت إلى تقسيم الديوان/ الأوكتاڤ إلى 22 درجة اختُزِلت فيما بعد إلى 7.
في القرون الوسطى في أوروبا لم تكن هناك حركة ثقافية أو فنية وبقيت الأفكار متشبثة بفتات حضارة الإغريق والرومان ، ومنها نظرية تتلخص في سلّم قصير يعادل مسافة الرابعة quarte مقسم إلى ثلاثة أبعاد ، قيمتها غير محددة ويمكن تغييرها. وفي القرن 11 ظهرت نظرية الهكزاكورد Hexacorde لصاحبها الراهب داريزو D'Arezzo. ترتكز على سلّم سُداسي أصغر من الديوان أُضيفت إليه ( في القرن 15 ) نوطة سابعة متحركة سُميّت "سي" ، لكن تشكيل السلّم الموسيقي السباعي لم يصل إلى أوروبا إلا في أواخر القرن 15 ( أي بداية عصر النهضة ) بفضل العلّامة ٭2 راموس الذي أتى به من الأندلس بعد دراسة للمؤلفات العربية.
نظرية النظام السباعي heptatonique التي سوف نشرحها مع كل التفاصيل نشأت فكرتها في بلاد الرافدين في الألفية الثانية ق م ، لكن لم تدوّن بطريقة عِلمية دقيقة إلاّ في القرن 9 إبان الحضارة العربية ، قبل أن تصل أوروبا عن طريق الأندلس. هذه النظرية تستند إلى طريقة " حلقة الأبعاد الخامسة " التي تنبثق من " مبدأ التوافق " ( فصل 2 ) ، وتخضع لشروط فرضتها الطبيعة بعيدا عن أي اعتبار يتعلق بالثقافة أو المجتمع أو التاريخ أو التقاليد. إنها نظرية كونية théorie universelle ، كجميع النظريات العلمية ، ستبقى صالحة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
لم يكن للإغريق آلة تشبه العود أو القيثارة ( أو الكمان ) ، وآلة من هذا النوع لم تكن حاضرة في أوروبا ( دون إسبانيا ) إلاّ منذ القرن 12 آتية من الأندلس. هذه الآلة كانت متداولة في بلاد الرافدين Mésopotamie منذ 3 آلاف سنة ق م ( 89096 BM في المتحف البريطاني British Museum ) اكتُشفت في مدينة أوروك ( مملكة سومر، بالقرب من مصب نهري دجلة والفرات ) حيث ظهرت بوادر أول حضارة على وجه الأرض ، إنها قيثارة/عود أوروك ٭3. هذه الآلة كانت مكونة من صندوق وزند/ذراع طويل ، وتحتوي على أربعة أوتار. لها شكل عود أو قيثارة ، إسمها پاندور ٭4 ، ورد ذكرها في بعض الكتابات النادرة في أوروبا القديمة ، لكن الإسم الذي نقله لنا الفرس هو بربوط (البربط أو البربد عند العرب)، أخذته أوروبا وكتبته بربيطون barbiton وبربيطوس barbitos.
" حلقة الأبعاد الخامسة " ( فقرة 4 ) اكتُشِفت في بلاد الرافدين حوالي 2000 ق م ، لكن الدراسات والحسابات الأولى أنجِزت في حوالي 1600 ق م ، مستعينة بتقنيات تدل على تقدم كبير في مجال الحساب والرياضيات ( أعمال إليانور روبسُن Eleanor Robson)، لمعالجة الأرقام والنسب والأبعاد. البربط ( مثل الكنّارة ) كان يحتوي على أربعة أوتار ، وبإمكان أي وتر إعطاء عدة نوطات ( تغيير طول الوتر بأصابع اليد اليسرى ) ، هذه الفكرة ( الحيلة ) لم تكن معروفة عند المجتمعات القديمة بما فيها مصر واليونان والهند والصين.
ظهرت أول كتابة حَرفية في بلاد الرافدين ، وكانت تدوّن في لوحات من مادة الطين وتسمى الكتابة المسمارية ( للتذكير قدماء المصريين لم تكن لديهم كتابة وإنما رسوم ، أطلقوا عليها خطأً إسم كتابة ونعتوها ب الهيروݣليفية ) ، تضم أخبارا ومعطيات عن تاريخ وحضارة هذه البلاد. وقد عثر باحثو الآثار عن لوحات من القرن 16 ق م تشرح السلّم الموسيقي وتشكيله بطريقة يمكن مقاربتها بِ " حلقة الأبعاد الخامسة " التي تُؤدّي إلى السلّم السباعي المعروف حاليا. أشهر هذه اللوحات هي القطعة الأثرية 1766 CBS التي لم نحصل على الموافقة لنشرها.
المشكل هو أن هذا السلّم ليس مستقيما ولا يمكننا التأكيد بأنه يحتوي على درجات من فئتي طنين ونصف طنين. وهذا يدل على أن علماء بابل لم يطبقوا فكرة " حلقة الأبعاد الخامسة " كما نعرفها الآن بطريقة دقيقة وصارمة ، لكنهم رغم ذلك حاولوا تثبيت السلّم بعمليات حسابية تُراعي توافق المسافة الخامسة ، وأنجزوا هذا في حقبة أوج حضارتهم ( عاش حمورابي في القرن 18 ق م ) لما بلغوا مستوى عاليا في علوم الحساب لم تصله أوروبا إلاّ في عصر النهضة قرن 16 م. نظام ترقيمهم لم يكن عشريا décimal بل ستينيا sexagésimal ٭5 ، وكانت لهم تقنيات لحساب النسب مكّنتهم من تقييم درجات السلّم الموسيقي التي تقارب ما هو عليه الآن حسب ما جاءت به اللوحة 1766 CBS.
أسلاف الفرس ( شعب عيلام ) ساهموا في مسلسل الحضارات في بلاد الرافدين ( ممالك سومر ، بابل ، آشور....) لكنهم استطاعوا في الأخير أن يضموا كل هذه المنطقة تحت سيادتهم ابتداء من القرن 6 ق م ( وهذا ما جعل ابن خلدون يعتبر نابوكودونوسور ملكا للفرس ). من المرجح أنّ تقسيم السلّم الموسيقي كما هو معروض في الجدول أعلاه بقي في طي النسيان ولم يكتشفه الفرس لكنهم ورثوا آلة البربوط التي كانت شائعة في تلك المنطقة. أخذه العرب عنهم في القرون الأولى للميلاد ، وهذا ما سنشاهد في بغداد في القرن 8 ( كتاب ابن المنجم ) قبل إصدار مبدأ "حلقة الأبعاد الخامسة" في القرن 9 من طرف العلاّمة الكِندي (أنظر أسفله).
إنها الفترة التي تمتد من سقوط روما 476 إلى سقوط بيزنطة 1453 ٭6 ، أي بين القرنين 5 و 15 ، يقسمها المؤرخون عادة إلى جزأين متساويين.
٭ النصف الأول ، ساد فيه ركود شامل في جميع الميادين الثقافية والفنية. والمناوشات بين الكاثوليك والأورثودوكس انتهت بالإنشقاق الكبير Grand Schisme سنة 1054 بين طرفي الديانة المسيحية. لم يُنجَز أي شيء إلاّ ما كتبه بوطِيوس Boèce/ Boethius ا(-524 م) فهو إذن محسوب على العصور العتيقة Antiquité ، وأعماله في هذا الميدان لم تأت بأي جديد.
٭ النصف الثاني ، عدة محاولات باءت بالفشل. تمديد الرباعي الموروث عن الإغريق إلى الخماسي ( وعلاقته بالأسطوخوسية ) ثم إلى سداسي داريزو الذي بقي حبرا على ورق ( رغم تأثيره السلبي على المنظّرين ، فصل 3).
الأوكتاڤ لم يكن معروفا ، لكنّ " شبحه " كان حاضرا ، والموسيقيون أحسّوا به وأدركوه ، لكن المنظّرين كانوا عاجزين عن صياغته. وُضعت مسافة رابعة أخرى فوق الأولى ، يفصل بينهما طنين على الشكل التالي ( الأصوات لم يكن لها نوطات كما هو الحال في العصور الحاضرة بل أسماء ) : ˃==
وهذا ما عبر عنه جاكوب دو لييج Jacob de Liège، منظّر عاش قبيل عصر النهضة، بما أسماه كوادريكورد quadricord : وهو سلسلة 4 أرقام 12:9:8:6، 8/6 = 4/3 رابعة، و 12/9 = 4/3 رابعة، يفصلهما طنين 9/8، ولا ذِكر للأوكتاف.
هذا الشكل ربما يوحي بوجود شيء يطابق الديوان/الأوكتاڤ ، نكرر مرة أخرى أن أوروبا ( ما عدا قشتالة ) حتى بداية عصر النهضة كانت تجهل تماما مفهوم الديوان. فكرة " الأجناس " ( فصل 3 ) لم يكن لها سند نظري أو منطقي ، الجنس الدياتوني ionien بفضل بساطته سيفرض نفسه تدريجيا في النصف الثاني من العصور الوسطى ( أي من 1000 إلى 1500 تقريبا ). فمهما اختلف الأرقام ، هناك ما يشابه السلسلة التالية : طنين ، طنين ، نصف طنين لكن يبقى المشكل مطروحا عن قيمة هذه الأطِنّة وهل هي متساوية.
مع نفوذ الديانة المسيحية نشأت فئة من الأشخاص أنيط لها بمهمة تدوين المعارف ، إنها طائفة من الرهبان تخصصت في القراءة والكتابة وهم الوحيدون في العصور الوسطى الذين كان لديهم شيء من التمدرس. كانوا يعيشون في الأد۫يرة ( جمع دَير monastère)، ولم تكن هناك مدارس لتعليم عامة الناس كما هو الحال في العالم الإسلامي. المشكل هو أن هؤلاء الرهبان كانوا تابعين للكنيسة ( الكاثوليكية ) ويعملون تحت سلطتها وكل أفكارهم مستوحاة من الإنجيل وتعاليم الفاتيكان ، وبقوا متشبثين ببعض الأفكار العتيقة ومنها إقحام الأرقام في كل المعارف. ونظرية الموسيقى تعجّ بالنِسب لقياس الأبعاد/المسافات ومنذ بطليموس ( القرن الثاني ) نشأت فكرة مفادها أن الأبعاد الأكثر توافقا هي التي نِسبها تُكتب بأرقام صغيرة ومن المحبذ أن تكون على الشكل :
س / (1+س) = 1 + س/1
إذا أعطينا حرفَ "س" القيَم التالية 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، الخ تصبح هذه النِسب : 2/1 ، 3/2 ، 4/3 ، 5/4 ، 6/5 ، 7/6 ، 8/7 ، 9/8 الخ (rapports superparticuliers )
2/1 أوكتاڤ ، 3/2 خامسة ، 4/3 رابعة ، 5/4 ( ثالثة صافية ، أصغر من الثالثة الكبيرة بقليل ) ، 6/5 ( تقارب ثالثة صغيرة ) ، 7/6 و 8/7 غيرمستعمَلين على الإطلاق، 9/8 (طنين عادي) ، 10/9 (طنين صغير) ، الخ. أول من أعطى هذه السلسلةَ اهتماما كبيرا هو بطليموس ( قرن 2 م ) وتبعه في هذه الطريقة بوطِيوس ( حوالي 500 م ) ، ولم يكن أي منهما على دراية بالعزف أو الممارسة. أمّا بوطِيوس فهو شخص مشهور نشط في عدة ميادين : فلسفة ، ثيؤولوجيا ، سياسة ، مارس الرهبنة وترجم عدة كتب من اليونانية إلى اللاتينية وألّف أخرى في الفلسفة والثيؤولوجيا. ألّف كذلك كتابا في نظرية الموسيقى اختصر فيه على تحليل الأفكار العتيقة تحت عنوان " المؤسسة/ المنظومة الموسيقية " Institutione musica ، كان أولَ كتاب طُبِع ( قرن 15 ) في هذا الموضوع وكان له صدى كبير طيلة القرون التالية. لهذه الأسباب عرفت هذه الأرقام تداولا ورواجا ونجاحا في أواخر القرون الوسطى ( زد على هذا أنه لم تكن في أوروبا أية نظرية لتقنين السلّم الموسيقي ) ولا زال بعض المتطفلين ينشرون مقالات في الإرتيرنيت تنوّه بهذه العقيدة ( ساعدهم في ذلك بساطة هذه الأرقام ، شكلها الجميل ، وعلاقتها المشبوهة بظاهرة التوافق).
أنصار هذه الأبعاد يدّعون أنها متوافقة حسب الترتيب أعلاه. ونتيجة لهذه الفكرة العقيمة نرى أن الرابعة أكثر توافقا من الثالثة الصافية juste ، عِلما بأن هذه الأخيرة تمثّل إحدى أوائل سلسلة الهارمونيات ( فصل 2 ) وتحظى بتقدير الملحنين والعازفين والمنشدين اللذين استعملوها بكثافة إلى درجة أنها أنجبت أول تركيبة للترياد triade ا: 1-3-5 . وما دام الباحثون والمؤلفون في نظرية الموسيقى وقواعدها كلهم رهبانا مسانَدين من طرف الكنيسة فقد أصدر البابا يوحنا/جان 22 ظهيره الشهير سنة 1325 يأمر فيه بتفضيل الأبعاد الثلاثة الأولى في السلسلة أعلاه (2/1 ، 3/2 ، 4/3 ) وبتعبير آخر إزالة الثالثة وتعويضها بالرابعة. وبالطبع لم يكن لهذا الظهير أي تأثيرعلى سير الأحداث. ونذكّر هنا أنه في عصر الأنوار Siècle des Lumières لمّا أصلِحت أخطاء العصور الوسطى دخل على الخط علماء بمعنى الكلمة ( وليسوا رهبانا أو قساوسة ) وكان رائدهم ديكارت ( سبق عصر الأنوار بقليل ) وأقر بتميّز الثالثة 5/4 على الرابعة 4/3 ( أنظر جدول النّسب في هذا الفصل).
السلّم السباعي الذي تعرفونه جميعا معمول به لدى كل الشعوب وله شكل تابث/ محدد ( ط = طنين ) : ط ط ½ ط ط ط ½
هذا الشكل ليس وليد الصدفة أو جادت به قريحة عبقري بل فرضته عوامل ومقوّمات تدخل في إطار ( عِلم ) الإصغاء Acoustique. ترتبط إذن باعتبارات طبيعية وفيزيائية ، تستند إلى مبدأ التوافق ( المسافة الخامسة 3/2 ، علاوة على الأوكتاڤ 2/1 ). وقعت محاولات لإدخال المسافة الثالثة الهارمونية 5/4 في أوروبا خلال عصر النهضة لكن نتائجها لم تغيّر هذه الهيكلة.
حلقة الأبعاد الخامسة ٭7
لكي نبتكر سلّما موسيقيا لا بد من اختيار عدد محدّد من الأصوات sons/ sounds الكثيرة التي توفرها الطبيعة ، وأحسن طريقة هي الأخذ بعين الإعتبار توافقَ الأصوات. هذه الطريقة طبّقها جميع شعوب العالم ( ولو بصفة بدائية ) ما عدا الإغريق وبعدهم الرومان ( وبعدهم أوروبا عن كاملها).
كما شرحنا في الفصلين 1 و 2 أقوى الدرجات المتوافقة هي الأوكتاڤ ، والديوان ( المدى بين القرار والجواب ) يكفي لاحتواء السلّم ، وما علينا إلّا ملؤه بأصوات/نوطات أخرى من المحبذ أن تكون متوافقة ( مع القرار).
الخامسة/المسيطرة dominante هي الثانية في سلسلة الهارمونيات ( فصل 2 فقرة 2 ) ، وجميع العلماء والمنظّرين يعترفون بأنها أقوى درجة في الديوان بعد القرار وجوابه . تكون دائما كاملة/تامة juste ا(3 طنين ونصف ) في جميع المقامات عند كل شعوب الدنيا ( في الهند مثلا ) بخلاف الرابعة والدرجات الأخرى التي يمكن رفعها أو خفضها بعلامة دييز أو بيمول ، وتوجد في جميع المركّبات. تكون دائما حاضرة وكاملة سواء في السلّم السباعي أو الخماسي ( في الصين مثلا).
كل هذه الإعتبارات مهما كانت خباياها تشير إلى شيء واحد : ضرورة حضور هذه النوطة في السلم الموسيقي. بتعبير آخر ، إذا شئتَ تشكيل سلّم موسيقي فعليك تصميمه داخل ديوان ( بين القرار والجواب ) ووضع نوطة ثالثة على مسافة 3/2 من القرار. والبقية ستفرض نفسها ، حسب " مبدأ التوافق " و "حلقة الأبعاد الخامسة ".
إذا أراد أحدهم أداء نغمة ملحنة في الأصل على قرار "دو" لكن صوته حادّ ( كصوت طفل أو إمرأة ) وبدأ نغمته من نوطة "صول" ، فالضرورة تدعونا إذن إلى فرض نوطة تكون بمثابة الدرجة الخامسة لمقام يبدأ من "صول" ويكون على مسافة 3/2 من هذه الأخيرة. إنها "رَي" الدرجة التاسعة ، لكنها تتعدى الأوكتاڤ وتخرج عن الديوان ووجب إنزالها كما في الرسم :
كل مرة نعيد العملية ونصعد بخامسة ( وإذا اقتضى الحال نرجع داخل الديوان ) إلى أن نصل "سي". أمّا "فا" فمن المستحسن وصولها مباشرة من "دو" نزولا بخامسة.
نِسب الأصوات الرئيسية هي 1 للقرار ، 2 أو 2/1 للجواب ، و 3/2 = 1,5 للخامسة "صول". نصعد من "صول" إلى خامستها " رَي" ونسبة هذه الأخيرة إذن هي : 3/2 × 3/2 = 9/4 ( المسافة التاسعة ). دليلها 9/4 = 2,25 أكبر من 2 وتتجاوز الأوكتاف، ويجب قسمتها على 2 لإنزالها داخل الديوان والنتيجة هي 9/4 ÷ 2 = 9/8 = 1,125. نصعد بخامسة ونحصل على نوطة "لا" وبُعدها 3/2 × 9/8 = 27/16 = 1,6875. نصعد بخامسة أخرى 3/2 × 27/16 = 81/32 = 2,5312 ، ونقسمها على 2 والنتيجة هي "مي" : 81/32 ÷ 2 = 81/64 = 1,2656. نلاحظ ، من جهة أخرى ، أن هذه الثالثة تساوي تماما 81/64 = 9/8 × 9/8 وهي إذن تعادل 2 طنين وتسمى في الغرب ثالثة فيثاغورس (408 سنت ، أعلى بقليل من ثالثة الكيبورد المعاصر 400 سنت، وأعلى من الثالثة الصافية / الهارمونية 386 سنت ). نوطة "فا" نحصل عليها من "دو" نزولا بمسافة خامسة : 1 ÷ 3/2 = 2/3 . هذا الرقم أصغر من العدد 1 والنوطة المناسبة تقع تحت القرار ، يجب إذن الصعود بثامنة/أوكتاڤ وضربُ الرقم 2/3 بِ 2 والنتيجة : 2 × 2/3 = 4/3 = 1,3333 .
نختصر هذه المعطيات في الجدولين التاليين ، في السطر الأول الأبعاد ، في السطر الثاني النِسب وفي السطر الثالث الأرقام بالسنت. الجدول الأول ( فوق ) يُبيّن النوطات السبعة وبُعد كل واحدة منها على القرار ، والجدول الثاني ( تحت ) يُبيّن الدرجات ( الفرق بين نوطتين متتابعتين ) وعلوّ كل واحدة منها. ونلاحظ أن هذه الدرجات السبع تنقسم إلى نمطين : خمسة منها بقياس 9/8 = 1,125 أو 203,9 ≈ 204 سنت ( طنين ) ، وإثنان بقياس 256/243 = 1,0535 أو 90,2 سنت ( لِمّة limma ) وتعادل تقريبا نصف طنين (أقل بقليل). الطنين هنا لا يساوي 2 لِمّة : لِمّة + لِمّة ≠ طنين ، والفرق بينهما : طنين - 2 لِمّة = 23,5 سنت ويسمى كومة ( ديتونيّة ) coma ditonique.
هذا هو السلّم الموسيقي وكيفية تشكيله بناءً على " حلقة الأبعاد الخامسة ". تُنسَب هذه الطريقة وحصيلتها في أوروبا إلى فيثاغورس رغم أنه لم يترك أي شيء مكتوب ( ولم يقل أو يكتب أحد بصراحة ووضوح أنه تلقى منه هذه التعاليم ). ويرجع الفضل في الحقيقة إلى الكِندي الذي ترك عدة مصنفات [7].
السلّم المستقيم المعاصر يتكون من 7 درجات : 5 طنين ( 200 سنت ) و 2 نصف طنين ( 100 سنت ) بعد إزالة كل أثر لمفهوم الكومة التي كانت حاضرة في أوروبا حتى أوائل القرن 19 . الشكل هو كالتالي ( ط = طنين معدّل/ معتدل ) : ˃==
لتكملة السلّم إلى العدد 12 ، الغرب لم يُعط أسماء للنوطات الجديدة بل ابتدع فكرة " علامات التحويل " : النوطة وسط x "دو" و y "رَي" يعبّر عنها بصيغتين (x)دو♯ أو (y)رَيb. إذن by = ♯x. هذا صحيح في الكيبورد والقيثارة وآلات النفخ أمّا في الآلات الوترية بدون دساتين ثابتة كالكمان والعود : x♯ أعلى بقليل ( كومة ) من
by.
لنرجع إلى مسلسل الأبعاد الخامسة حيث توقفنا ( نهاية فقرة 4 ). وصلنا إلى نوطة سي ودليلها 243/128 = 1,8984. خامستها 3/2 × 243/128 = 2,8476، تتعدى الأوكتاڤ ، وينبغي قسمتها على 2 : 2,8476 ÷ 2 = 1,4238.
هذه النوطة تقع تقريبا وسط "صول" 3/2 و "فا" 4/3 ، سنكتبها فا♯ ، ستكون نقطة انطلاق حلقة أخرى من الأبعاد الخامسة نطبّق لها نفس التقنية السابقة ( نهاية فقرة 4 ) وستعطينا في آخر المطاف سبع نوطات جديدة ( من فا♯ إلى سي♯ في السطر الأول من الجدول التالي ) حادّة بحوالي نصف طنين فوق المجموعة الأولى ( السطر الثاني).
المسافة بين فا و فا♯ هي 1,4238 ÷ 4/3 = 1,06787 وقيمتها 113,7 سنت وتُسمى في الغرب "أپوطوم " apotome.
في الختام نلاحظ أن 113,7 + 90,2 = 203,9 سنت ، إذن : " طنين " 203,9 سنت ، مثل فا ˗ صول ، يتكون من "لِمّة" فا - فا♯ ( أو نصف طنين كروماتي chromatique ا) 113,7 سنت و"أپوطوم" فا♯ - صول ( أو نصف طنين دياتوني diatoniqueا ) 90,2 سنت. الفرق بينهما : 113,7 ‒ 90,2 = 23,5 سنت ، كومة ديتونيّة ، وهو نفس الفرق بين سي♯ و دو وبين مي♯ و فا. وإذا قارننا أجزاء اللّمة والأپُوطوم مع مجموع الطنين فهي بالتتابع : 4/9 و 5/9 ، والفرق بينهما يساوي 1/9 أي كومة. وكل هذه المفاهيم لم يبق لها أي وجود في أوروبا إلّا في مصنفات المنظّرين.
أما فيما يخص السطر الثالث في الجدول وعلامة البيمول ، فسنكرر نفس العملية نزولا انطلاقا من نوطة فا. النزول كل مرة ببُعد خامسة سيعطينا سيb ، وبعدها ميb الخ ، وسنحصل في الأخير على مجموعة ثالثة ( من سيb إلى فاb ) أغلظ بحوالي نصف طنين من المجموعة الأولى ( السطر الأوسط).
العلّامة الكِندي في القرن 9 هو من أسّس هذه النظرية وقام بإنجاز جميع الحسابات المعروضة هنا ( وأخرى ستأتي فيما بعد ). أوروبا اطلعت على نظرية " حلقة الأبعاد الخامسة " لمّا أتى بها راموس الذي ازداد وعاش في الأندلس حيث درس المؤلفات العربية وهاجر بعد ذلك إلى روما [17]. هذه الطريقة تحتاج إلى حسابات لم تكن أوروبا مؤهلَة لإنجازها والسبب بسيط : ميادين العرفان كانت تحت هيمنة الكنيسة التي كانت تتشبث بالنظام الروماني للأرقام ( chiffres romains ) الذي كان معقّدا ولا يليق للعمليات الحسابية.
حلقة غير مغلقة
نعبّر عن هذه الطريقة ب " حلقة الأبعاد الخامسة " cycle of fifths/ cycle des quintes لإنها تحمل في طياتها فكرة السلسلة المغلقة ، أي تنتهي بنقطة الإنطلاق. حاوِلوا ابتداء من نوطة "دو" في أقصى يسار الكيبرود وانتقلوا مسيرة 12 خامسة وستجدون أنفسكم قد عبرتم 7 ثامنة/أوكتاڤ. هذا صحيح في السلم الغربي المعاصر المستقيم الذي يفرض ( لأسباب تقنية وبراغماتية ) المساواة بين اللّمة والأپوطوم ، أي بين نصفي الطنين الدياتوني والكروماتي. لكن إذا أعطينا لكل ذي حق حقه سنجد :
طول 12 خامسة = 3/2 ٭ 3/2 ٭ 3/2 .... ٭ 3/2 ، 12 مرة = 531441/4096
وطول 7 أوكتاف = 2 ٭ 2 ٭ 2 .......... ٭ 2 ، 7 مرات = 128
والفرق بينهما 531441/4096 ÷ 128 = 1,01364 ، أو 23,5 سنت ، أي كومة.
يمكن استعراض هذه النتائج بأحد الرسوم التالية. الأول أفقي ، يبّين الفرق بين الحالتين ، ولا يفيدنا بشيء كثير. لكن الثاني الأكثر تداولا مستديرُ الشكل ويوضّح لنا أنه إذا شِئنا أن نُنزل سي# لكي تساوي دو فعلينا أن ننقص كومة من مجموع الإثني عشر "خامسة" ، وهذا ما يشير إليه العدد 1- ، والعدد 0 يعني أن المسافة الخامسة صافية أو هارمونية لا تنقص ولا تزيد عن 3/2 = 1,5 .
أمّا دائرة المسافات الخامسة cercle des quintes التي تجدونها في دروس الصولفيج أو نظرية الموسيقى (وجدّ منتشرة عبر شبكة إنتيرنيت )
فهي عموما لا تتطرق إلى الكومة والغرض منها فقط استعراض علامات التحويل b و # ( فصل 1).
تطبيق " حلقة الأبعاد الخامسة " أدّى إلى ظهور هذا الكيان الجديد ( الكومة ) الذي يساوي 1/9 طنين والذي سيلعب دورا كبيرا في نظرية الموسيقى. قد نتخيل أن مجيء هذا الكيان سيخلق لنا متاعب لكن يمكن تجاهله ، لأنه في عصر النهضة ازدهر الغناء والطرب في قصور شمال إيطاليا وكان العود الموروث من الأندلس جد منتشر وذراعه كان ( ولا زال ) يحمل دساتين متساوية ثابتة frettes ، مثل القيثارة. هذا يعني أن السلّم مستقيمٌ واللمّة تساوي الأپوطوم ولا وجود للكومة ، كما هو الشأن في الكيبورد المعاصر. وبناء عليه فالمسافة الثالثة تساوي 400 سنت ( فصل 1 ) عوض 408 سنت في الجدول أعلاه ، وفي كلا الحالتين فهي تبقى أعلى من الثالثة الصافية الهارمونية 5/4 أو 386 سنت ( فصل 2 ).
هذه الأخيرة جدّ متوافقة مع القرار وتعطي مركّبا جدّ متوافق ، ولهذا ارتأى بعض المنظّرين إقحامها في السلّم ، أشهرهم في الغرب هو زارلينو Zarlin/Zarlino الذي قرّر هيكلا يضمّ في نفس الوقت الثالثة 5/4 والخامسة 3/2 ، عن طريق المركّب الكامل :
انطلاقا من النوطتين "دو" و "صول" نضع "رَي" و "فا" ، ليصبح عندنا 3 مسافات خامسة قيمتها 3/2. وبعدها نضع "مي" و "لا" و "سي" لكي نحصل على 3 مسافات ثالثة قيمتها 5/4. وهذا له تأثير على المسافة رَي- مي التي ستصبح قيمتها 5/4 ÷ 9/8 = 10/9 وهي أصغر من قيمة الطنين ، وأطلقوا عليها لقب " طنين صغير " Ton mineur ، مقارنة مع الطنين الكبير 9/8 Ton majeur ، والفرق بينهما يساوي كومة 9/8 ÷ 10/9 = 81/80 = 21,5 سنت ، كومة سينتونيّة syntonique ( جد قريبة من الكومة الديتونيّة).
النتيجة هيكل يحتوي على درجات من 3 أنواع مختلفة : طنين كبير 9/8 ، طنين صغير 10/9 ، ونصف طنين 16/15 ، وعدد كبير من النوطات الكروماتيّة [Ac]، وهذا عائق لا يمكن تجاوزه. نظرية زارلينو ، رغم كل ما كُتب عنها ، فإنها لم تلق أي نجاح ولم تُعمّر طويلا ولم يُبال بها إلّا المتضاربون spéculateurs ( أنظر المدخل ). زارلينو هو أشهر منظّري عصر النهضة ، أعطوه معاصروه ( ومن جاء بعدهم ) أهمية كبيرة لا يستحقها ، ونعتقد أن السبب هو توظيفه للمركّبات التي كانت " à la mode " في أواخر عصر النهضة.
وفي الأخير نختصر هيكل زارلينو في وجود 3 مركّبات كاملة accord parfait majeur :
دو-مي-صول ، فا-لا-دو ، صول-سي-رَي وهذا الهيكل يجمع بين السلّم والمقام ويخلط بينهما في كيان موحد ، وهذا يعني أنه لم يبق أي شيء غيره. وبتعبير آخر القسّ زارلينو شطبَ على المقامات السبع القديمة ( فصل 1 ) في نظريته ، ولم يترك إلّا الجنس الدياتوني : طنين - طنين - 1/2 - طنين.
الماجور والمينور
ولم يمض وقت طويل على إصدار هذه النظرية حتى تذكّر زارلينو أنّ بعض المنظّرين يعتبرون الثالثة الصغيرة ( وطولها طنين ونصف : دو - ميb ) متوافقة إلى حدّ ما. فقرّر إدخال هيكل آخر مستوحى من الطريقة أعلاه. والنتيجة :
دو - ميb - صول ، فا - لاb - دو ، صول - سيb - رَي
والمقام الجديد : دو - رَي - ميb - فا - صول - لاb - سيb - دو ، ويطابق الإيؤوليان éolien. وللتفريق بين الشكلين لقبوا هذا الأخير بالصغير بينما الأول أعلاه صار كبيرا ، ومن ثم :
دو - مي - صول : مركّب كامل كبير Accord Parfait majeur
دو - ميb - صول : مركّب كامل صغير Accord Parfait mineur
دخلت هذه التعاليم حيز التطبيق في بداية العصر الباروكي ( أواسط القرن 17 ) ، واختفت نهائيا المقامات السبع القديمة ما عدا اليونيان ( ماجور-عجم ) والإيؤوليان ( مينور آنتيك - نهوند ) ، وفي المشرق تُعدّ المقامات بالعشرات منذ القرن 13.
1 - " القرار والجواب يعتبران بمنزلة واحدة فالصوت الثامن هو من نفس طنين ورنين الصوت الأول ، لأنه صداه وغطاؤه الحاد " ، سليم الحلو في كتابه " الموسيقى النظرية ".
2 - درس الرياضيات وعلوم الموسيقى في المصنفات العربية. الأول في أوروبا الذي يمكن نعته ب "عالم" لأن كل الآخرين ( حتى عصر النهضة ) كانوا رهبانا أو قساوسة يكتبون ويفتون في شتى المواضيع ،علاوة على أنه كان موسيقيا وملحنا.
3 - " Uruk lute "
4 - Pandore أو pandoure/pantoure البندورة bandoura/ bandura آلة قديمة تشبه العود أو القيثارة لا زالت حاضرة في آسيا الوسطى.
5 - إنه النظام المعتمَد في تقسيم الوقت ( 60 دقيقة في الساعة ) والزوايا ( 360 درجة في الدائرة ).
6 - الغرب يعتبر سنة 1492 نهايةَ العصور الوسطى.
7 - يجب عدم الخلط بين دائرة المسافات الخامسة Cercle des Quintes ( فصل 1 ) التي تركّز على علامات التحويل ، وحلقة الأبعاد الخامسة Cycle des Quintes التي تبيّن الكومات.
جدول يعطي بعض النسب الأكثر تداولا عند المنظرين [4] ص 55 ، حتى الدرجة السابعة الصغيرة ، مع إضافة أرقام من الفصل 5.
X : كندي ( فيثاغورس عند الغرب ) F : فارابي Z : زارلينو H : هويڭنس (سلّم 31)
٭ الهارمونية الحادية عشر ، لا توجد في [4] ، تقع وسط فا و فا#.
علوم الموسيقى عرفت ازدهارا كبيرا خلال القرون من 9 إلى 13 ، وكثير من المؤلفين العرب تطرقوا إلى الموسيقى ونظريتها وعلومها ، وضع لهم المستشرق فارمر لائحة حسب ترتيب زمني ٭1 تضم 35 مؤلِف ، آخرهم عبد الرحمان الفاسي ( -1685 )، لكنه تجاهلَ البوعصامي ( قرن 18 ). أما الشعوب غير العربية التي دخلت الإسلام وتبنّت اللغة العربية فقد أنجز علماءها أعمالا قيّمة دوّنوها بالعربية حتى بداية القرن 15 حيث بدأت هذه الأخيرة تضمحل وتتراجع تحت ضغوط اللغات الأخرى كالفارسية والتركية مع الاحتفاظ بعناوين عربية. من هؤلاء المؤلفين : الكِندي ، الفارابي ، الأرموي ، ابن سينا ، اللاذقي ( -1494 ) ، الجرجاني ( -1413) ، وآخرون ٭2 .
تُرجمت المؤلفات العربية إلى اللاتينية ودرسها الأوروبيون منذ القرن 12 في إسبانيا/قشتالة (كتاب الشفاء لابن سينا يتضمن جزءا يحمل إسم "جوامع عِلم الموسيقى "). ومن مشاهير المنظّرين في أوروبا زارلينو الذي اعترف أنه اقتبس ( حسب فورستر [33] ) عن ابن سينا أفكاره في تقسيم مسافة الخامسة إلى نوعين ، هذا التقسيم الذي سوف ينتج عنه فيما بعد المركّب الكبير والصغير.
كانت القبائل العربية في شمال الجزيرة منقسمة إلى جهتين : المناذرة في الشرق ( عاصمتهم الحيرة في العراق ) تحت نفوذ الفرس ، والغساسنة في الغرب ( منطقة سوريا ولبنان وفلسطين ) تحت نفود الروم ومن بعدهم البيزنطين.
دامت هذه الوضعية في شمال الجزيرة عدة قرون أدّت إلى اندماج بين العرب والفرس في ميدان الموسيقى من جهة ، وبين العرب والروم من جهة أخرى. وإذا كانت بصمات الفرس حاضرة وأكيدة عند المناذرة فتأثير الروم البيزنطين على الغساسنة فيه نقاش. احتكاك العرب بالفرس ( وقبلهم بلاد الرافدين ) كان أعمق وأقوى ومن الأدلة على هذا وجود عدة كلمات متشابهة. كلمة "شعر" كانت موحدة النطق عند كل شعوب هذه المنطقة (عرب ، سريان ، أرم/أرميين ، كلدانيين ، فنيقيين ، عبريين ، إلخ ) ، وكذلك كِنّور kinnor ( كنّارة ) وقينة ( حسب فارمر ).
كان كثير من الشعراء العرب يغنّون قصائدهم ، مصاحَبين أحيانا بآلة المزهر/ البربط ( الاسم القديم للعود ) أو الزنك ( آلة تشبه الكنّارة/الليرة lyre الإغريقية ) أو الصُنج ( آلة بسيطة للإيقاع أو النقر ). وكان الأعشى يغني أشعاره مصاحَبا بالصُنج فلُقب بصنّاجة العرب. وإذا كان العود من أصل فارسي ، فالكنّارة كانت متداولة في مناطق جد متباينة من المعمور، وكل هذه الآلات كانت موجودة في الجزيرة العربية.
هذا الموجز التاريخي القصير سيساعدنا على طرح إحدى أهم التساؤلات التي تواجه موضوع تاريخ الموسيقى العربية ( أو نظريتها أو علومها ) عند الباحثين الغربيين ومن أكبرهم إيرلانجير ( أو ديرلانجير D’Erlanger) الفرنسي وفارمر Farmer الإنݣليزي. ومع أن انفتاح العرب وتحضرهم بدأ في دمشق الأموية في جهة الروم البيزنطين وتوبع في بغداد العباسية في جهة الفرس ، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو : هل الموسيقى العربية ( ونظريتها طبعا) من أصول فارسية أو إغريقية ؟ أو مدينة لهما بشيء ؟ أم هناك اختيار ثالث ؟ سؤال بسيط لكن الإجابة عنه جد معقدة وتتطلب دراسة عميقة للفصلين السابقين. وكان فارمر واعيا بهذا المشكل إذ طرحه في أول جملة ( من أول فصل ) في كتابه " تاريخ الموسيقى العربية " [10] ، دون الإجابة عنه. لكننا سنرى في هذا الفصل أن العلماء العرب هم من أسّسوا نظرية الموسيقى وفق اعتبارات عِلمية إصغائية يعتمد عليها المؤلفون والباحثون والملحنون في جميع أرجاء العالم (منذ عصر النهضة في أوروبا).
لا ينبغي أن نتصور أن الغناء الجاهلي يشبه الغناء المعاصر ، ضُعف الميزان وهزالة الترنم يجعلانه أقرب إلى الترتيل. للآلة المُصاحِبة دور أقلّ أهمّية من الغناء ، ولهذا كان اللحن أو الأغنية أو النغمة تُسمّى صوتا. كلمة " نغمة " التي تعني في يومنا هذا جملة موسيقية ( قصيرة ) كان لها معنى يشبه المقام ، واللُبس بين نغمة mélodie ومقام mode كان قائما في مجتمعات أخرى بينها أوروبا [24].
ويمكننا أن نستنتج من كل هذا أنه كانت هناك أنغام ، مبنية على مقامات ( لم تكن تسمى مقامات ، وإنما أصواتا ) ولو أن هذه الأخيرة بسيطة. جميع الأشعار تقريبا بقيت لكن الأنغام لم يُكتب لها الوصول إلينا ، فُقدت لأن هذا الفن تطور بسرعة مع ظهور الإسلام وتوسعه نحو الشمال ، وسيندمج مع التيارات الخارجية ( ليبتعد شيئا ما عن أصوله في الحقبة الجاهلية ). لا أحد يعرف شيئا عن النظام الموسيقي ومقاماته في عصر الجاهلية ، ولا أحد يجرأ على إعطاء أي تفاصيل ما عدا بعض الافتراضات. يقول المستشرق البريطاني فارمر أن المناذرة والغساسنة كان لديهم نفس النظام الموسيقي ٭3 ، وبما أن المزهر/العود كان متداولا عند العرب والفرس فمن المنطقي أن نفترض أن هذا النظام كان أقرب إلى الفرس.
هناك بعض المعطيات التاريخية التي لا يمكن الطعن فيها ، فالسلّم الموسيقي الدياتوني ( الطبيعي ) نشأ في جنوب بلاد الرافدين في الألفية الثانية قبل الميلاد بصيغة مخالفة قليلا لما هو عليه الآن. انتقل هذا السلّم إلى مملكة الحيثيين في وسط بلاد الأناضول وأخذه عنهم شعب اليونيي Ionie والإغريق من بعدهم حيث نعتوه بالجنس اليونيان mode ionien، وهذا ما يُؤكده پرودنت پروڤو Prudent Pruvot : " إن اليونانيين القدماء أخذوا السلّم الموسيقي الطبيعي الماجور عن موسيقى الشرق " ٭4 [34] وأصبح هذا أهم مقام/جنس في العصور الوسطى في أوروبا حيث تبناه داريزو. فمن الأكيد أن هذا السلّم كان يتكون من درجات معدّلة/مستقيمة ( أي تقسيم الديوان إلى أبعاد من نوعي طنين ونصف طنين ) كالتي هي شائعة اليوم في الغرب. فإذا صحّت هذه الفكرة ، فهذا يعني أن موسيقى العرب كانت تطابق وتطبّق النظام الفارسي المنحدر من نفس المنطقة (جنوب بلاد الرافدين ).
العود هو آلة الحكماء كما نعته الكِندي ، كانت له مكانة كبيرة وكان أساس العزف والتلحين ( والدراسة ) فكيف يُعقل أن نتكلم عن تأثير الإغريق على العرب في هذا الميدان وهم لم يعرفوا أبدا هذه الآلة. سيصل العود إلى أوروبا آتيا من الأندلس وسيلقى نجاحا باهرا في النصف الثاني ( رومان وڭوثيك ) من القرون الوسطى وعصر النهضة وستنبثق منه كل الآلات الوترية الأخرى الموجودة في العالم حاليا ( فقرة 5 من المدخل ). كان للعود فقط أربعة أوتار ، معدّلة حسب مسافات رابعة quarte صعودا. لم تكن للأوتار التسمية المعمول بها حاليا ( صعودا : مي، لا، رَي، صول، دو ) وإنّما كانت تسمّى ( من غليظ إلى حادّ ) : بمّ ، مَثنى ، مَثلث ، زير.
في المشرق أضيفَ وتر خامس لكن بقي العود ، حسب هذه التسوية ، بأربعة أوتار سائداً في المغرب والأندلس ، وهو عود رمَل التقليدي في المغرب قبل أن يطغى عليه العود الشرقي ذو خمسة ( أو ستة ) أوتار.
هذا الشكل المستقيم تطور وظهرت دساتين جديدة أهمها :
٭ "مُجنّب" ، قريبا من السبّابة ( من جهة المطلق ) ، يقسم المسافة مطلق-وسطى ( طنين ونصف ) إلى جزأين لكل منهما حوالي ثلاثة أرباع ( 3/4 ) طنين ،
٭ وسطى زلزل ، بين الوسطى والبنصر ، على بُعد ثالثة متوسطة tierce médiane/neutre من المطلق. وأول من عزف هذه النوطة في بلاط هارون الرشيد هو منصور بن جعفر الملقب ب "زلزل" المتوفى سنة 791 ، وكان عازفا ماهرا ينتمي إلى التيار المتجدد بزعامة الأمير إبراهيم بن المهدي .
والجدير بالذكر أنه في أواخر القرن 8 ( أيام هارون الرشيد ) ترقّى العزف إلى درجة تتطلب سلّما متكاملا يحتوي على أبعاد طنين ونصف طنين و 3/4 طنين ، كانت أوروبا ( دون إسبانيا ) آنذاك لا تعرف أي سلّم موسيقي ولا أي آلة ، وكل ما في الأمر إنشاد ديني بسيط ( ݣريݣوري ) أقرب إلى التراتيل. ولم يحدث في أوروبا أي شيء يُذكر حتى القرن 11 لمّا وضع داريزو سلّمه الذي يتركب من ستة نوطات ( هيكزاكورد ، فصل 3 ).
العصر الذهبي
استولى هارون الرشيد على الحكم لما مات أخوه الهادي سنة 786 ، وكانت بداية ازدهار الحضارة العربية التي ستبلغ أوجها وقوّتها ( في المشرق ) بين القرنين 9 و 11. ستضمحل بين القرنين 12 إلى 13 لكن النشاط العلمي والثقافي والفني سيتابع مساره حتى القرن 14. وكانت الدولة الإسلامية تضم شعوبا كثيرة من الشرق الأوسط ، آسيا الوسطى، شمال الهند ، غرب الصين ( وشمال إفريقيا وإسبانيا ). تلاحمت كل هذه الشعوب تحت راية الإسلام والعروبة ( ولو أن بعض الجاليات احتفظت بديانتها ) وساهمت بحضارتها وثقافتها. تُرجمت الكتب من لغات أجنبية ( إغريقية ، فارسية ، هندية ) ، وشيّد الخليفة المأمون " بيت الحكمة " ليعتني بتدريس ونشر العلوم ، وكان من بين أعضائه أسماء وازنة كالكِندي والفارابي. وجاء بعده الخليفة الواثق بالله ( 842 - 847 ) الذي كان ينظم في بلاطه سلسلة من الندوات في شتى ميادين العرفان. اعتنى أعضاء " بيت الحكمة " بترجمة العديد من الكتب ساعدت على حفظها من الضياع في الوقت الذي ضاع فيه المخطوط الأصلي. وخير مثال هو كتاب بطليموس ( القرن 2 ) الذي ضاعت كل نسخه الأصلية ، وترجمه الأوروبيون من النسخة العربية تحت عنوان المجيسطي Almageste.
وموازاة مع حركة الترجمة ، تأسّست في بغداد أول آلة لصنع الورق حسب المعلومات التي أعطاها الصّناع الصينيون بعد معركة طالاس 751 ، حيث ظهور الورق أدّى إلى إنتشار الثقافة والمعارف حول البحر المتوسط خلال القرون التالية ٭5. وبلغت الكتب المؤلفة آنذاك عددا كبيرا ما حدا بأحد أصحاب المكتبات إبن النديم إلى تسجيلها في كتاب الفهرست ، لكن كثيرا من هذه الكتب سوف يحرقه هولاݣو عند سقوط بغداد سنة 1258.
الموسيقى في بغداد
اعتنى الخلفاء العباسيون بأهل الأدب والفن واستضاف الخليفة المهدي (775-785 )، وابنه الهادي ( 785-786 ) وهارون الرشيد ( 786-809 ) عددا من أبرع الموسيقيين ومنهم إسحاق الموصلي وزرياب وزلزل. عاشت قصور بغداد حياة تشبه حكايات " ألف ليلة وليلة " وليس من الغريب أن تُضاف بعض الروايات إلى " ألف ليلة وليلة " التي يعود أصلها إلى قرون خلت ( الفرس أو الهند ).
كان إسحاق الموصلي (767-850 ) عميدَ الموسيقيين في بلاط الخليفة وكان عازفا ماهرا على آلة العود ويقال إنه ألّف عدة رسائل في نظرية الموسيقى ذكرها ابن النديم في الفهرست لكن مع الأسف لم يصلنا منها شيء ( أحرقها هولاݣو عن كاملها ). تلميذه ابن المنجم ترك " رسالة في الموسيقى " يعرض فيها طريقة العزف لدى اسحاق الموصلي تتخللها أفكار هذا الأخير ونظريته حيث كان يعتبر مرجعا لفن الغناء العربي الأصيل.
كتاب الأغاني ، مؤلفه هو أبو الفرَج الأصفهاني ( 897-967 م ) ، يتكون من حوالي 10000 صفحة مصنفة في 25 جزء ، دام تدوينه خمسين عاما. هذا الكتاب يستعرض جميع خبايا الحياة الثقافية والفنية عند العرب منذ الجاهلية إلى أوج الحضارة العباسية في قصور بغداد ٭6. اشترى الخليفة الأموي بالأندلس النسخة الأولى منه وهكذا يكون قد " وُزّع " في الأندلس قبل المشرق. يحتوي على كثير من الأغاني ، أي أشعار ملحّنة لكن للأسف لم تكن آنذاك طريقة لتدوين الألحان. الجزء الثالث [35] يذكُر نظرية Octoechos الأسطوخوسية التي وضع قواعدَها منصور بن جرمون التغلبي ( Jean Damascène ) والتي كانت أساسا للإنشاد الديني في كنيسة بيزنطة ومن ثمّ في كنيسة روما. رغم الحضور القوي لهذه النظرية في كُتب التاريخ والموسيقى في الغرب فالمراجع العربية التي تذكرها قليلة ( منها كتاب النغم واللحون للكندي ).
هناك كتاب آخر من نفس الطينة كُتب في نفس الحقبة ( أو قبلها بقليل ) لشهاب الدين أحمد المشهور بابن عبد ربّه ( 860-940 م ) ، هو كتاب " العقد الفريد ". يحتوي على 25 جزء كل واحد يتناول موضوعا من شتى ميادين التاريخ والآداب والفنون ، الجزء 20 في " علوم الألحان ".
رسالة يحيى ابن المنجّم
يحيى بن المنجِّم ( 855 – 912 م ) موسيقي وشاعر، ألّف عدة كتب لم يصلنا منها إلاّ رسالته في الموسيقى حقّقها يوسف شوقي 1976 في كتاب يفوق 1000 صفحة من الحجم الكبير ٭7. يشرح بن المنجِّم فيها طريقة العزف على العود لدى أستاذه إسحاق الموصلي: الأوتار ، الدساتين ، الأنغام أي النوطات وبالتالي السلّم والمقامات حيث نلاحظ تقسيم السلّم إلى درجات متساوية/ مستقيمة من نوع طنين ونصف طنين.
يركّز ابن المنجم على الدساتين والمجاري ( جمع مجرى ، مواقع الأصابع ) وكيفية عزف المقامات ( والألحان ) التي ينتقل قرارها بين الدساتين وهذا ما ينعته ابن المنجم بِ " طبقات " النغم وسيذكر كتاب الأغاني هذه الظاهرة ( يسميها الغرب Transposition ). برع فيها العرب لكي يتمكن المغني(ة) من الأداء حسب علوّ/حدّة صوته. حدث هذا في القرن 9 ، حيث لم تكن تعرف أوروبا ( دون إسبانيا ) إلاّ الغناء الديني البسيط وأنغامُه حينذاك لا يتعدى مداها مسافة خامسة أو سادسة.
من أكبر مزايا هذه الرسالة أن مؤلفها لم يكن أكادميا ولم يكن تحت تأثير المصنفات ولم يتوغّل في اعتبارات نظرية أو حسابية ، وكان همّه الأول هو العزف وتغيير الطبقات والمجاري ، وكذلك التوافق حيث يقول " فالنغمة الحادة والنغمة الغليظة إذا نُقرت معا واتحدت ، أي إذا امتزجت نغمتان منها في وقت واحد بحيث لا تتميز الواحدة منها عن الأخرى " ص 556.
علاوة على الرسالة ، يعطي يوسف شوقي تحاليل عن تاريخ الموسيقى العربية ومقالات المستشرقين وآرائهم في تقدم الموسيقى العربية وتأثيرها على الغربية.
أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي ، يلقب ب " فيلسوف العرب " ، ويسميه الغرب ألكيندوس Alkindus ، عاش من 800 إلى 872 م. قام بترجمة عدة كتب من الإغريقية وألّف في عدة ميادين من المعارف : الفلك ، الرياضيات ، البصريات ، وعلوم الموسيقى. له حوالي 300 رسالة وكتاب في شتى المواضيع ، ضاع الكثير منها والقليل لم يُكتب له البقاء إلاّ بفضل المترجمين اللاتينيين أمثال جيرار دي كريمون ( -1187 م ). لا يُعرف عدد مؤلفاته في علوم الموسيقى ، ذكر الفهرست سبعة عناوين ، وذكرت مصادر أخرى عناوين أخرى. ولحسن الحظ نجا بعضها وسيكون لها تأثير كبير على مسار الموسيقى في أوروبا في عصر النهضة ومنها [7] : " رسالة في خُبر صناعة التأليف " الذي سوف يترجم إلى عدة لغات منها الإنجليزية والألمانية ٭8 و " رسالة في النغم واللحون ".
ابتكر الكندي في أواسط القرن 9 أول طريقة لتدوين النوطة الموسيقية وتُعرف باسم طريقة " أبجد " لأنه أعطى للنوطات الإثني عشر الحروف الأبجدية التالية : أ ب ج د ه و ز ح ط ي ك ل ، لكن لم يكن هناك مدرج وربما هذا هو السبب الذي جعل هذه الطريقة تبقى طيّ النسيان ولم تكن معروفة لدى عموم الموسيقيين لكنها كانت مطبّقة في التدريس ومتداولة في الوسط العِلمي.
كان العود في القِدم وحتى القرن 9 يحتوي على أربعة أوتار ( في هذا الشكل أتى إلى المغرب والأندلس ) لكن الكِندي أضاف إليه وترا خامسا ( ثم سادسا ) ليبقى على هذه الحال إلى يومنا هذا ، مرسِّخا في نفس الوقت هيكلة العود التي تتكون من مسافات رابعة : مي، لا، رَي، صول، دو.
ويبقى العمل العظيم الذي أنجزه الكِندي ( والذي لم تطّلع عليه أوروبا إلّا في عصر النهضة ) هو تقييم أبعاد السلّم الموسيقي بطريقة عِلمية تدخل فيها الفيزياء والرياضيات ، ينسبها الأوروبيون كذبا وبهتانا إلى فيثاغورس. هذه الطريقة التي شرحناها في الفصل 4 تتمحور حول مبدأ " توافق الأصوات " consonance ، وتترتب عنها نِسب معقّدة ، أتى بها راموس من الأندلس إلى إيطاليا وكان قد تعلّمها من المؤلفات العربية.
الفضل يعود إلى منظومة الترقيم الهندية ، أتاحت الكثير من الحسابات التي احتاج لها العلماء العرب في مختلف المعارف والتقنيات ومنها علوم الموسيقى. فمسألة حساب أبعاد السلّم الموسيقي ( ذي السبع أو الإثني عشر درجة ) يستحيل تقييمها بالأرقام الأوروبية التي ظهرت في اليونان وأخذها الرومان ( حساب الجمّل ) وبقيت مستعملة حتى أواخر العصور الوسطى. الكِندي هو أول إنسان في العالم قام بتحديد أبعاد السلّم الموسيقي ومنها : الطنين 9/8 واللّمّة ( نصف طنين دياتوني ) 256/243 = 1,0535 والأپوطوم (نصف طنين كروماتي) 2187/2048 = 1,0679 ومسافات أخرى عديدة (فصل 4). وفي الصورة التالية تصميم السلّم الموسيقي كما وضعه الكِندي|.
هذه الأرقام المدققة هي حصيلة حسابات عِلمية مصدرها فكرة " حلقة الأبعاد الخامسة" ( فصل 4 ) ، لكن في أرض الواقع هناك شيء من " التعديل " يقارب اللمّة 256/243 والأپوطوم 2187/2048 لكي يصيران متساويين لنصف طنين " معدّل " كما هو الحال في آلة الكيبورد ( پيانو/أرغن ) أو القيثارة.
ورغم أن الكِندي قسّم الديوان إلى 12 درجة فإن الهاجس الموسيقي ( لا نعرف مدى براعته في العزف ) جعله يحتفظ فقط بسبعة منها في كل مقام. وهكذا لأول مرة يدخل مفهوم المقامات التاريخَ. فالأول منها ينطبق عليه الشكل الدياتوني ionien ، وابتكر الكِندي أشكالا أخرى وسمّاها لحونا عددها سبعة وهي ما يُعرف بالمقامات القديمة anciens modes ( جدول ، فصل 1).
أبو النصر محمد بن طرخان بن أوزلاغ الفارابي ( 872-950 م ) ، أعطته أوروبا الإسم اللاتيني ألفارابيوس Alpharabius. ازداد في فاراب الواقعة في خراسان والتي كانت خاضعة لنفوذ مملكة خ۫وارِزم ( فاراب أو ما تبقّى من أطلالها تقع الآن جنوب كازاخستان) ، ويقال إنه ينحدر من عِرقية تركية. الفارابي فيلسوف ، وفلكي ، وعالم في الرياضيات وشتى المعارف، وكذلك عازف ماهر على العود ، ما ساعده على أن يتألق في علوم الموسيقى. يسميه الغرب الأستاذ الثاني ( deuxième maitre ، بعدَ أرسطو ) ، هذا يُعتبر تقديرا للفارابي لكنه في الحقيقة عكس ذلك لأن أرسطو كمُعظم المفكرين الإغريق لم يكن إلاّ فيلسوفا في القرن 4 ق م والفارابي كان موسوعة علمية على دراية بكل معارف الدنيا في القرن 10 م. ألف الكثير من الكتب في كل المواضيع ، ومنها حوالي عشرة في علوم الموسيقى وأهمّها " كتاب الموسيقى الكبير" [14] الذي يعتبر تمديدا لنظرية الكِندي ويطرح فيه مسألة السلّم والمقامات والنِسب والتوافق وخصوصا ربع الطنين ( أو 3/4 طنين ) الذي يُميّز الموسيقى العربية الشرقية على نظيرتها الأوروبية.
هذه المسافة ( مُجنّب : رَي- مي ¾ طنين ) جدّ شائعة في علوم/نظرية الموسيقى وتطبيقها عند العرب والمسلمين منذ القرن 10 ، وحاضرة تقريبا في جميع المقامات ويستحيل الاستغناء عنها. وتتيح لنا مسافةً جديدةً : دو- مي طولها طنين و ¾ طنين ، تقع وسط الثالثة الصغيرة ( طنين ونصف ) والثالثة الكبيرة ( 2 طنين ) وتُنعت بالمتوسطة médiane/neutre. وإذا عمّمنا هذه الفكرة ، فسيصبح السلّم متكونا من 24 درجة ( ربع طنين ، 50 سنت ) ، إنه نظام الفارابي المعمول به حاليا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
قدّر الفارابي قيمة الثالثة المتوسطة ب 27/22 ( 1,227 ). هذه النسبة تساوي 355 سنت ، وهذا الرقم جدّ متداول عند الباحثين ، وهناك أرقام أخرى مذكورة تتغير من 355 إلى 360 سنت حسب البلدان ، وحسب العازفين ، حاول مؤتمر القاهرة سنة 1932 توحيدها والحسم فيها بدون جدوى.
كان للفارابي إلمام بصناعة هذه الآلة أدت به إلى ابتكار نوع رفيع سمّاه شاه عود ( بما تحمل هذه العبارة من معاني ) تحوّل مع مرور الزمن إلى شهرود sarod. ترقّى وتعقّد ، وبعد فترة من الإهمال ، عاد في القرن 19 في حلّة جميلة في الهندستان ( أشهر عازفيه علاء الدين خان ).
بغداد كانت قبلة العلماء والشعراء والعازفين من كل صوب وحدب حيث ظهرت دساتين لا توجد في السلّم المستقيم ذي 12 درجة منها 3/4 الذي قننه الفارابي ( -950 م ) في مصنفاته العديدة : وسطى زلزل ، وسطى الفرس ، مجنّب الوسطى ( لا داعي للتعمق فيها ).
في هذا الجو الساخن الطَموح جاء العلّامة ابن سينا ( 980-1037 م) وقرر تقييم هذه الدساتين بطريقة عِلمية. ابن سينا لم يكن طبيبا فقط بل كان أكبرَ عالم في عصره على دراية بِ : فلسفة ، طب ، صيدلة ، كيمياء ، فيزياء ، فلك ، وخصوصا رياضيات وهندسة، لم يفلت أي موضوع لم يُتقنه. ابن سينا ألّف مئات الكتب والرسائل أشهرها عند العرب " كتاب الشفاء " ( وأشهرها في أوروبا " القانون في الطب " ) ، والشفاء هنا لا يعني التعافي من مرض جسمي بل يعني عموما شفاءَ الروح وخلاصَها وهذا يمكن تحقيقه بالعلم والمعرفة. هذا الكتاب الضخم يتكون من 10 أجزاء ، منها جزء يتناول علوم الموسيقى.
دراسات ابن سينا الموسيقية شملت جميع المحاور : الأبعاد ، التوافق والتنافر ، مبدأ التوافق ، المركّبات والهارموني ، تقييم الدساتين ( وكذلك الإيقاعات ) وأثّرت على منظّري النهضة في أوروبا ولاسيما أشهرهم زارلينو ( موقع فورستر ٭9 ).
٭ الأبعاد ، رتّبها حسب مبدأ التوافق وأبدع عدّة أجناس وحدّد درجاتها : " جوامع عِلم الموسيقى " ، في كتاب الشفاء ( ترجمه إيرلانجير إلى الفرنسية في الجزء الثاني من كتاب La musique arabeا [2] ). ونعطي هنا نمودجا:
هذه الأرقام تدلّ على طول الوتر ( وليس الذبذبة كما هو متعامل به في أيامنا هذه ) ، إذن فأكبر رقم 64 يعني طول الوتر الكامل ( مطلق ) وهو الذي يعطي القرار. نِسب طول الأوتار هي ، انطلاقا من القرار : 64/64=1 ، 56/64 ، 49/64 ، 48/64 . لكن نِسب الذبذبات هي : 64/64=1 ، 64/56 = 8/7 ، 56/49 = 8/7 و 49/48 . والنسبة الإجمالية 64/48 = 4/3 وهي مسافة الدرجة الرابعة ، وهذا منطق " الأجناس " الذي كان سائدا عند فلاسفة الإغريق بحيث ينحصر منظورهم في وضع درجات ( مختلفة ) يكون مجموعها يساوي 4/3.
٭ القطب الثاني ( وله علاقة بمبدأ التوافق ) وهو المركّبات : يعبّر عنها بالتركيب ( لمّا يتعلق الأمر بالنوطات داخل الديوان ) و بالتضعيف dédoublement لمّا يتعلق الأمر بإضافة الجواب ( الأوكتاڤ ). يقول الشيخ الرئيس : " التركيب هو أن يحدث بنقرة واحدة تستمر على وترين النغمة المطلوبة والتي معها على نِسب الذي بالأربعة quarte أو الذي بالخمسة quinte وغير ذلك وكأنهما يقعان في زمان واحد ، والتضعيفات وهي من جملة التركيبات إلّا أنها في الذي بالكل ( أي الأوكتاڤ ) ". إنها النواة الأولى للهارموني.
٭ وأخيرا حدّد نِسب الدساتين السائدة في القرن 11 وانتهى به المطاف إلى وضع سلّم ذي 17 درجة. محمود أحمد الحفني الذي أشرف على مؤتمر القاهرة 1932 أنجز أطروحة دكتوراه في ألمانيا سنة 1931 وموضوعها أعمال ابن سينا في علوم الموسيقى Ibn Sinas Musiklehre. نجد هذا السلّم ذا 17 درجة في مقدمة الحفني لكتاب " جوامع عِلم الموسيقى " في الجزء الثالث من كتاب الشفاء [11] ونجده كذلك في شبكة الإنترنيت ٭10 ونعطي هنا الأبعاد الأولى :
في القرن 19 ( كما سنرى فقرة 8 ) اكتشف علماء الموسيقى من أوروبا أن الموسيقى عند العرب لا تنطبق مع السلّم ذي 12 درجة ( ولا مع السلّم ذي 24 درجة ) ، وتحتاج إلى أبعاد من قياس ثلث الطنين تفرض تقسيم الأوكتاڤ إلى 17 درجة. أول من اكتشف هذه الظاهرة هو ڤيلوطّو Villoteau ( سنة 1800 ) ، موسيقي ماهر لكن لا عِلم له بكتابات العرب ، سنعود لهذه المسألة مع كل التفاصيل فيما بعد. هذا السلّم ذو 17 درجة وضع لبناته الأولى ابن سينا ( فقرة 6 ) في القرن 11 معتمدا على الدساتين المنتشرة آنذاك لكن قننه بطريقة تستجيب لمقومات العزف والترنم أحدُ أكابر علماء الموسيقى في العالم.
إنه صفيّ الدين الأُرموي البغدادي ، ازداد وعاش في بغداد ( -1294 م ) لكن عائلته تنحدر من مدينة أُرمية التي تقع قرب بحيرة أُرمية جنوب غرب بحر قزوين. ليست بعيدة عن مدينتي تبريز ومِراغة لكنها قريبة من الحدود التركية ، في منطقة تابعة لإقليم أذربيدجان الإيراني لغتها ذات أصول تركية ٭11. إذن فإلى أي جالية ينتمي صفيّ الدين؟ هل هو عربي أم فارسي أم تركي أذري ( من أذربيدجان ) ؟ هو عربي بمولده وثقافته وكتاباته ، لكن إذا تمعننا في خريطة تبيّن أصول عائلته فسنلاحظ أنها تقع في منطقة تسكنها الآن الجالية الكردية لا زالت تستعمل سلّما موسيقيا مشابها للذي وضعه صفيّ الدين والذي سيحظى برضا وعناية كل المنظّرين بعده ( عرب ، فرس ، أتراك ) وسيبقى إلى القرن 19 في الشرق العربي حين اكتشفه مستشرقون من أوروبا ( ڤيلوطو ، پاري Hubert Parry ، كولانجيت ، رونزڤال ، پاريزو ) وأُعجِبوا به. ألّف " كتاب الأدوار " و " الرسالة الشرفية في النسب الموسيقية " Carra de Vaux ا [3].
الهاجس الكبير كان دائما تزويد السلّم بأصوات متوافقة مع القرار لأن تشكيل السلّم الموسيقي يستند أصلا إلى " مبدأ التوافق " ( فصل 2 ) وسيبقى هذا الهاجس هو محور كل المحاولات والتجارب لإيجاد سلّم ذي أحسن المواصفات ، في أوروبا في عصر النهضة وما بعدها ( پييترو آرون Pietro Aaron فصل 6 ). السلّم الموسيقي يحتوي على الثالثة الكبيرة ( 81/64 =1,2656 أو 408 سنت ) حادّة أكثر مما يُطاق وغير متوافقة ، لكن مقام الرست يتطلب نوطة تساوي حوالي 355 ( أو 360 ) سنت في حين أنّ الثالثة الصافية 5/4 تساوي 386 سنت. طريقة " حلقة الأبعاد الخامسة " ( فصل 4 ) التي هي المرجع الأول في تحديد المسافات تعطينا الجدول التالي ˃== : ل = لِمّة ، ك = كومة
وبِغضّ النظر عن الأرقام والنِسب والحسابات التي لا داعي لتفصيلها هنا ( أنظر الرسالة الشرفية للأرموي ) ، فهذا الشكل يتكون من مسافات صغيرة ( ل ل ك ) سوف تقسَّم إلى 3 درجات ومسافات كبيرة ( ل ل ك ل ) سوف تقسَّم إلى 4 درجات ، ومجموع الدرجات يساوي 17. ارتأى الأرموي إلّا أن يأخذ بعين الاعتبار المسافة ل ل ك + ل ل ، أي بُعد ثانية زائد ل ل أو بُعد رابعة ناقص ل ك ، وقيمتها 384,4 سنت جدّ قريبة من الثالثة الصافية 5/4 ( أنظر الجدول المثلث لصفيّ الدين الأرموي ).
هذه اعتبارات نظرية. والأرموي كان عازفا ماهرا إلى درجة أن هولاﯖو لمّا احتل بغداد احتفظ به لكي يُنادمه ويُطربه. كان للأرموي تأثير كبير على كل المنظّرين من بعده، وتبعه العازفون دون المبالاة بالنِسب ولم يحتفظوا إلاّ بهذا التقسيم ذي 17 درجة الذي يتيح أنغاما في قمة العذوبة وسيقول عنه البريطاني شارل هوبرت پاري إنه أروع تقسيم. ومن الأسباب التي ساعدت على نجاح هذا الشكل هي أنه يعطي مقام الرست ( في صيغته القديمة ) مطابقا للتقسيم ذي 24 درجة ، كما يبيّنه الرسم التالي : ˃==
شيرين مألوف ألّفت كتابا ( أطروحة ) في تاريخ نظرية الموسيقى عند العرب ، وضمّت إلى هذا الكتاب أسطوانة CD تحتوي على تسجيل لبعض النغمات والمقامات حسب النظامين : الفارابي والأرموي. والمنظّرون كذلك ( من عبد القادر مِراغي 1400 إلى رؤوف يكتا 1900 عبورا بكانتمير Cantemir ا1700 ، باستثناء ميخائيل مِشاقة ) نهجوا نهج الأرموي ، ومؤلفاتهم لم تكن سوى دراسة طريقته وشرحها.
السلّم الموسيقي العربي يتكون حاليا من 24 درجة تساوي كل منها ربع طنين ، والمقام يتكون من 7 نوطات من هذه الأربع وعشرين نوطة ، لكن في المشرق العربي كان السلّم الموسيقي يتكون من 17 درجة حتى القرن 19. ففي سنة 1800 لما غزا ناپوليون مصر أتى بمجموعة من العلماء والباحثين والمستشرقين لكي يدرسوا الشرق العربي/ الإسلامي وحضارته وثقافته. ومن جملة من صاحبَه مجموعة من الموسيقيين أُنيطت بها مهمّة دراسة الموسيقى العربية ، وعلى رأسها ڤيلوطو الذي قام ببحث ميداني ، وكان يلتقي العازفين وينصت إليهم ويحاول تدوين أنغامهم لكنه تفاجأ لمّا لاحظ أنه لا يمكن تدوين هذه الأنغام حسب السلّم ذي 12 درجة ( أو امتداده إلى 24 ). رغم كل هذه التعقيدات ، دوّن ڤيلوطو عددا من الأنغام التي سمعها ، بالنوطة الغربية مع الإشارة إلى عدم التطابق. ولمّا عاد إلى فرنسا ألّف كتابا من 500 صفحة [9] ٭12 يحكي ما عايشه في مصر. نُشر هذا الكتاب في سنة 1820 ولقي نجاحا كبيرا لأن هذه الحقبة ( النصف الأول من القرن 19 ) كانت انطلاقة حركة المستشرقين في أوروبا. بعدئذ مكث في طي النسيان إلى أن اكتشفه مؤلف هذا الكتاب في المكتبة الوطنية الفرنسية BNF في السنوات 2000 ، سيُدوّن في الإينترنيت فيما بعد وهو الآن موجود في موقع ڭاليكا التابع لِ BNF.
باختصار ، طريقة صفيّ الدين تعتمد على أسانيد ترتبط بعِلم الإصغاء Acoustique تقسِّم الطنين إلى 3 ( مع الاحتفاظ باللمّة مي-فا و سي-دو ) ، والحصيلة 17 درجة أي حوالي ثلث طنين لكل درجة ( 6/17 تساوي حوالي 1/3 ) والهدف كان إدخالَ مسافة/ درجة بقيمة 5/4 ٭13 ( ثالثة صافية ). سنرى في الفصل 6 أن الأوروبيين لمّا درسوا المؤلفات العربية واكتشفوا إنجازاتهم في علوم الموسيقى ابتكروا في عصر النهضة السلّم الميزوطوني ( پييترو آرون Pietro Aaron ) انطلاقا من ضرورة تزويد السلّم بالثالثة الصافية 5/4 وانتهى بتقسيم الأوكتاڤ إلى 19 درجة ولقيت نجاحا كبيرا في القرن 17 لكن ستضمحلّ لعدة أسباب سنشرحها في فصل 6.
بدأت الدولة العباسية الشاسعة تضمحل وتفقد عدة مناطق وفي القرن 11 لم يبق لديها إلاّ العراق والشام وجاء الأتراك السلاجقة من آسيا وقسّموا أطلالها إلى دويلات/إمارات تتحارب بينها وفي نفس الوقت تحاول التوغل في بلاد الأناضول والزحف نحو إسطنبول التي كانت تحت سلطة الروم المشارقة ( أي البيزنطين ). ولم ينتهِ هذا القرن حتى أتت أول موجة من الجيوش المسيحية من كل أنحاء أوروبا لتحتل فلسطين والشام ، وستليها موجات أخرى حتى بداية القرن 13 ، إنّها الحروب الصليبية التي دامت 150 سنة.
طيلة هذه الفترة وإلى دخول هولاغو بغداد ( 1258 م ) كانت الخلافة العباسية تتوارث أبا عن جدّ بدون سلطة دنيوية ، وكانت فقط رمزا ومرجعا يحتاج له بعض الملوك السنيين لتزكية ولائهم. هذا الانحطاط السياسي لم يؤثر على الحركة الثقافية والعلمية والفنية ، فإلى القرن 15 ألّف علماء ( اللاذقي ، الصفدي ، الجرجاني ) في موضوع علوم الموسيقى ونظريتها العديدَ من الكتب. لكن فيما بعد أهمل المؤلفون اللغة العربية ليكتبوا بلغتهم الأصلية ( فارسية أو تركية ): " جامع الالحان" و "مقاصد الألحان" لعبد القادر مراغي ، "كتاب عِلم الوسيقى" لكانتمير ، "النغم الصافي" لمحمد رضا ، رغم العناوين العربية.
احتلت الدولة العثمانية مناطق شاسعة من أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا ( ما عدا المغرب ) ، وكان هذا بمثابة الضربة القاضية للحضارة العربية ( بعد تأسيس الدولة السامانية ) وبداية حقبة ركود طويلة يسميها المؤرخون العرب عصر الانحطاط ( الإنحطاط بين القرنين 14 و19 لا يهمّ المغرب لأنه كان قويا في تلك الحقبة وتوسع في إفريقيا ونشر فيها الإسلام ، أنظر المدخل ، " شيء من التاريخ " ).
بقي مركز العالم الإسلامي ( مصر، العراق والشام ) متشبثا بتقاليد موسيقية موروثة عن المدرسة البغدادية ، التي أسّسها الكِندي ( قرن 9 ) طوّرها الفارابي (قرن 10 ) وحسم فيها الأرموي ( قرن 13 ) ، ولا نعرف بالضبط أيّا من النظامين ( الفارابي أو الأرموي ) كان أكثر نفوذا بسبب انعدام النوطة وربما طبّق العازفون حلّا وسطا بينهما إلى أن جاء القرن 19 وأتى ببعض المستشرقين الفرنسيين إلى مصر والشام الذين أقرّوا بوجود سلّم ذي 17 درجة. لم يستطع على مقاومة التقسيم ذي 12 درجة ( مزوّدة بربع الطنين ) الوارد من أوروبا والذي " فرضته " الثقافة الغربية ، ليس لأسباب جمالية/نغمية وإنما عسكرية واقتصادية.
وفي غرب العالم الإسلامي ، وبعد احتلال الأتراك لشمال افريقيا ، بقي المغرب الأقصى دولة قوية وعاصمتها فاس ، احتضن المسلمين ( واليهود ) المطرودين من الأندلس والذين امتزجوا مع السكان المحليين وكانوا يمارسون نفس الموسيقى التي تابعت مسارها في مدن المغرب الشمالية ( طنجة ، تطوان ، فاس ، وجدة ) وكذلك تلمسان ووهران تحت السلطة العثمانية. هذا الأسلوب تطوّر في الأندلس والمغرب خلال القرون من 11 إلى 13 ، وسنشرح مواصفاته في الفصل 7.
من القرن 16 إلى 19 ( أي من 1500 إلى 1900 ) كان العالم العربي ( باستثناء المغرب الأقصى ) تحت وطأة الأتراك، وساد الركود المجتمعَ العربي وثقافته وبعد ذلك انطلقت حركة ثقافية وفنية في مصر والشام ينعتها المؤرخون العرب بِ " النهضة " ، وكانت حلب الشهباء رائدة في ميدان الموسيقى.
ازدهر الغناء : القدود الحلبية والموشحات ( الموروثة عن المغرب الإسلامي عبر قونيا في تركيا ) سينقلها عدد من الموسيقيين إلى القاهرة في النصف الثاني من القرن 19. وفي هذه الفترة ( بين 1400 و 1900 ) ازدهر طرب الآلة في المغرب : علال البطلة ، التادلي ( كتاب السقا.... ) ، أبو زيد الفاسي ( -1685 م ، من مؤلفاته : المجموع في علم الموسيقى والطبوع ، نشر فارمر أجزاءً منها ) ، البوعصامي ، الحايك.
في القرن 19 كانت أوروبا المسيحية تسيطر على جميع أرجاء المعمور عسكريا وصناعيا واقتصاديا ، مهّدت الطريق لسيطرة ثقافية وفنية في ميدان الموسيقى ، وبعد قرون ساد فيها نظام الأرموي اكتشف العرب المشارقة السلّمَ ( الأوروبي ) وتقسيمَه ل 12 درجة. ووقع جدال بين المدرستين ، لكن موقف المنظّرين حسم لصالح 12 درجة : شهاب الدين المصري ( محمد بن إسماعيل بن عمر شهاب الدين ) في كتابه " سفينة الملك ونفيسة الفلك " سنة 1843 و " الرسالة الشهابية في الصناعة الموسيقية " لميخائيل مشاقة ( نفس الفترة تقريبا ) ٭14.
1 - لائحة حسب ترتيب زمني نقلها محقق " رسالة في الموسيقى " لابن المنجم [22].
2 - عمر الخيام ترك مخطوطا شرحه ونشره الايطالي Tito M. Tonietti في كتابه "And yet it is heard…" ص 335-337 a2014 Springer
https://www.cambridge.org/core/journals/arabic-sciences-and-philosophy/article/umar-alkhayyams-contribution-to-the-arabic-mathematical-theory-of-music/7470C793E8D3EEA54F3B46A5A0005547
3 - ا ”Farmer, A history of arabian music : “ It is highly probable that the arabs of Al-Hira and Ghassan [10] possessed the same pythagorian scale
4 - La Musique rénovée selon la synthèse acoustique ، الشعشوع [34] ص 22 .
5 - قبل هذا كانت الكتابة على البارشمان المصنوع من جلد البهائم.
6 - استوحى منه المستشرق الفرنسي جاك بيرك كتابا بعنوان :
" Musiques sur le fleuve. Les plus belles pages du Kitab al-Aghani "
7 - هناك كذلك " كتاب النغم في الموسيقى " غطاس خشبة 2008 ، 94 ص ، لم نطلع عليه.
8 - لا ندري لماذا لم يُترجم المستشرق إيرلانجير أيا من أعمال الكِندي.
9 - http://www.chrysalis-foundation.org/Ibn-Sina_Stifel_and_Zarlino.htm
10 - https://archive.org/stream/jawamea_ilm_al-mosiqa#page/n29/mode/2up
11 - مِراغة ستُنجب فيما بعد عبد القادر مراغي وهو موسيقي ومنظّر شهير محسوب على تركيا
12 - [9] ص 14 : " La division la plus généralement reçue étant celle des tiers de ton "
13 - حدّد قيمتها بالرقم 8192/6561 = 1,2486 ≈ 5/4 أنظر الجدول المثلث.
14 - صدر مؤخرا كتاب مشاقة ، تحقيق ايزيس فتح الله جيراوي : " مشاقة غير موافق على هذا التقسيم (24) ، ولكنه أسهب في شرحه وفقاً لما هو معمول به في زمانه " ، حسب مجلة الموسيقى العربية.
علوم الموسيقى هي مجموع القواعد العِلمية ذات الأصول الفيزيائية التي بُنيت عليها نظرية الموسيقى ، وبالتالي الموسيقى نفسها شكلا ومضمونا . الفيزياء ( كانت تسمى علوم الطبيعة في قديم الزمان ) تهدف إلى تفحص ودراسة كل الظواهر فوق الأرض وفي الكون عموما ، والذي يهمّنا هنا هو ما يرتبط بالإصغاء أو عِلم السمعيات Acoustique ٭1.
رأينا في الفصل 4 عملية تحديد درجات السلّم الموسيقي انطلاقا من أفكار تستند إلى مبدأ التوافق consonance بين الأصوات ( الأوكتاف أولا ثم الخامسة ، فصل 2 ) . ينتج عن هذا سبع درجات ( 5 من قياس طنين و 2 من قياس نصف طنين)، لكنّ منظّري العصور الوسطى استخدموا سلّما ذا خمس درجات مددوه إلى ستة (فصل 3). ابتكر الأندلسي راموس Ramos في القرن 15 نشيدا يستعرض فيه الدرجات السبع (السابعة لها وضعان : سي أو سيb)، لكن هذا النشيد لم يح۫ظ بعناية المنظّرين ( فصل 5) .
عدة ميادين من العلوم ( فيزياء ، كيمياء ، بيولوجيا ...الخ ) عرفت انحرافات وأخطاء طيلة قرون قبل العصور الحديثة ، لكنها أُزيلت وعادت المياه إلى مجاريها . أما الإنحرافات والإختلالات ٭2 défaillances التي ارتكبها علماء ( منظّرو ) الموسيقى المزعومون في عصر النهضة وقبلها فقد أثرت سلبيا على مسار الموسيقى وفرضت عليها قيودا قلصت من انفتاحها وإبداعها : اختفاء الأبعاد أقل من نصف الطنين ، اختزال المقامات إلى إثنين ( ماجور/عجم ومينور/نهوند ) ، الخ .
المركّبات تلعب دورا كبيرا في الموسيقى الغربية ذات الطبيعة الهارمونية . بدأت المركّبات تحت إسم ترياد/ ثالوث في القرن 14 وكانت دائما مبنية على مبدأ التوافق بين كافة النوطات مع الأساس . المشكل هو أنه في تلك الحقبة ، وتحت ضغوط الكنيسة ( فصل 3 ) ، الدرجات المتوافقة المزعومة كانت هي الأوكتاڤ والخامسة/ الدومينانت والرابعة/ السودومينانت . وهذا خطأ كبير لا زال البعض يروّجه ونحن في الألفية الثالثة . وفي الأخير ( قرن 14 و 15 ) سينجح الملحنون في فرض الشكل 1ـ3ـ5 .
يبدأ هذا الفصل بعصر النهضة الذي انطلق من شمال إيطاليا وامتد طيلة القرن 16 والنصف الثاني من القرن 15 ، وأحيانا تضاف إليه بداية القرن 17 ، أي تقريبا من 1450 إلى 1620 لكن هذه الحقبة تختلف حسب الفنون وحسب البلدان . الموسيقى حالة خاصة ، وكما يؤكد ڤندريكس ٭3 ينبغي أن نعتبر أن بداية النهضة في ميدان الموسيقى يمكن رصدها في سنة 1420 مع انطلاق الحركة الفرانكو-فلامانية francoflamande في شمال فرنسا ، وسنوضح فيما يلي أن البوادر الأولى ترجع إلى قبل سنة 1400 .
وقبل أن ندخل صميم موضوع هذا الفصل 6 لا بد أن نذكّر ونؤكد ما شرحناه في الفصل 3 الذي يتناول أوروبا القديمة : ربع الطنين كان حاضرا في أوروبا منذ قدماء الإغريق ( بضع قرون ق م) وعايش الروم والبيزنطين ، بقي في الأناشيد الدينية إلى أن حذفه داريزو في كتاباته ( قرن 11 ) لكنه لم ينقرض وبقي حيّز التطبيق ونجد آثاره في عدة مراجع حتى بداية القرن 14 : مخطوط مونپولييه H196 وهو عبارة عن أناشيد جُمعت حوالي 1300 م ، وفي كتاب مارشيطو الشهير لوسيداريوم Lucidarium المؤلَّف سنة 1317 م . وفي القرن 16 سيصنع نيكولا ڤيسَنتينو Vicentino آلة كيبورد فيها عدد من الدرجات الصغيرة ومنها ربع الطنين ، وكذلك الشهير زارلينو٭4 ، لكن تعقّد الغناءِ المتعدد الأصوات في عصر النهضة لم يساعد على بقاء ربع الطنين.
ترجع أصول الپوليفوني إلى تقنية الأورݣانوم organum حيث كان الملحنون يضعون فوق الغناء البسيط plain-chant صوتا ثانيا مشتقا من الصوت الرئيسي . ثم أضيف صوت آخر في أواخر القرن 12 ليصبح عدد الأصوات إجمالا ثلاثة triplum ، ليتحول في القرن 13 إلى ديشانت/ديسكانتوس Déchant/ Discantus ( مع التُنور في الأسفل فصل 3). إنها بداية فن ( أو تقنية ) الپوليفوني التي ستكتمل بإضافة صوت رابع (ثم خامس).
في القرن 12 دخل غناء المنشدين ( التروبادور/ المنيستريل ) إلى جنوب غرب فرنسا قادما من اسبانيا وبدأ ينتشر نحو إيطاليا trovatore وشمالشرق فرنسا trouvère ويفرض نفسه كأسلوب مدني/ دنيوي profane (عكس ديني ) عندما صارت مدينة باريس مركز الثقافة والفنون في أوروبا ( القرن 13 ) . ظهرت فئة من التروڤير ( دولاهال ) طبقوا بعض قواعد الكونترپوينت البدائية في إنشادهم Ars antica ستساهم في تطوير الپوليفوني بإبداع أنغام جميلة لا تتقيد بالنصوص الدينية ، وسيتبعهم في القرن 14 جيل من الملحنين Ars nova يصعب تصنيفهم مع التروڤير ( ماشو ولانديني ).
ستزدهر الپوليفوني في أوروبا خلال القرنين 15 و 16 : عدة أصوات متراكمة ( بدون آلة ) مستقلة (لا علاقة بينها) ، مبنية على إحدى المقامات القديمة ( بخلاف الألحان الكلاسيكية التي تتكون من ثيم thème ومصاحَبة accompagnement) . وموازاة مع الپوليفوني، تابع الغناء الدنيوي مساره وترك لنا قطعا جميلة لا زال بعضها يتردد حتى أيامنا هذه ( À la claire fontaine قرن 16 ) وطبّق شكلَ الروندو rondeau الذي يتركب من رباعيات couplets تتخللها لازمة refrain ٭5 . وفي كلا الحالتين لم يكن يعطى اهتمام كبير للمقام ، بحيث كان السلّم الدياتوني ينطلق من أيّ قرار، وسينتج عن هذا ما يُعرف بالمقامات القديمة anciens modes ( فصل 1).
الأهم من كل هذا أن تراكم عدة أصوات يفرض شيئا من التنسيق بين هذه الأصوات حتى لا يحدث تنافر ( كما تقول العبارة الدارجة " شي يشرّق وشي يغرّب " ) بينما المطلوب هو النغم (والطرب) . ولهذا ظهر مفهوم التوافق على أساس الدرجات الثلاثة : 1 و 5 و 4 ٭6 ، التي برزت في القرن 11 كدرجات مهمة (داريزو ) لأسباب غير منطقية والتي ستعطي فيما بعد المفاتيح الثلاثة "صول" "فا" و "دو/أوت" . ستتطور الأمور وسيتبنّى المنظرون شكل الترياد 1-3-5 إبان عصر النهضة . ستتغير الأوضاع بعد ذلك لتصبح المركّبات وتناوب التوافق والتنافر من أولويات التلحين على أساس الشكل 1-3-5 وانقلاباته وامتداده إلى 1-3-5-7 (فصل 2 ).
من المواصفات الأساسية للموسيقى الغربية هي أنها هارمونية ( بخلاف الموسيقى الشرقية الأحادية /المونوضيّة ) ، فهي تعتمد كثيرا على المصاحَبة التي تتكون من مركّبات في مفتاح "فا" ( وتبقى الميلوضي في مفتاح "صول" ).
تعريف المركّب : مجموعة نوطات تُعزَف متزامنة أو جدّ متقاربة ( أرپيج arpège ) ، وتُدوّن على المدرّج متراكمةً أي موضوعةً عموديا ، تفرقها أبعاد غالبا ما تكون ثالثة ( كبيرة أو صغيرة ) ، يُفترض ويُحبّذ أن تكون متوافقة ( مع الأساس ) . لكن الموسيقى في غرب أوروبا وظّفت نوعا من المركّبات ليس فيها توافق ولا يجوز وضعُها من دون " حلّها " résolution بمركّب آخر ذي توافق ( فصل 2 ) ، أما العرب ولطبيعة موسيقاهم المونوضيّة الأحادية فلم يعيروها أيّ اهتمام.
كان المنظّرون في العصور الوسطى ( فصل 3 ) يعتبرون المسافة الرابعة وبُعدُها 4/3 متوافقة ويصنفونها قبل الثالثة الصافية ( الكبيرة ) 5/4 وهذه عقيدة ورثوها من العصور العتيقة Antiquité . لكن الملحنين في أواخر القرن 13 وأوائل القرن 14 قرّروا بصفة قطعية امتياز الثالثة على الرابعة وطبّقوا ذلك في ألحانهم ( ولو أن المنظّرين بقوا متشبثين بموقفهم المعاكس ) . وهذا ما جعل البابا يوحنا 22 يصدر فتواه الشهيرة التي تحثّ الموسيقيين للرجوع إلى الأعراف القديمة ( تفضيل المسافة الرابعة ).
لم يكن للترنم حضور قوي في ألحان القرنين 14 و 15 ، كان ضئيلا ( ما عدا في غناء المنيستريل ) ، لكننا نلاحظ ( ابتداء من حوالي سنة 1400 ) أن خاتمة الجملة تحتوي على الأساس والجواب والخامسة ( ونادرا الثالثة الكبيرة في موضع المسافة العاشرة كما هو الحال في يومنا هذا ) . وإذا لاحظنا الترياد ما قبل الأخير فسنرى فيه نوطات تنتمي إلى مركّب الدرجة الخامسة ( accord de dominante ) ، وهذا ما يُعبّر عنه في اللغة (والثقافة ) المعاصرة ب " القفلة الكاملة " ( cadence parfaite ).
النهضة هي الحقبة التي بدأت فيها أوروبا تستفيق من سباتها العميق الذي دام ألفية كاملة ( بين القرنين 5 و 15) ، وأخذت تتذكر ماضيها البعيد التي اكتشفت أنه كان عريقا ( حسب رأيها ) . ازدهرت الفنون وعمّ النشاط سائرَ جوانب الأفكار والكتابة والإبداع تحت رعاية الكنيسة الكاثوليكية ويكفي أن نلاحظ أن جميع الإبداعات (رسوم ، نحوث ، آداب) لها مواضيع تتعلق بالشأن الديني . أما العلوم فلم تحظ بنفس الرعاية لأن بعض الاكتشافات لم تكن مطابقة لآراء الكنيسة ، ونذكر أشهر مثل وهو ݣاليلي الذي اكتشف أن الأرض تدور حول الشمس وبالتالي فالأرض ليست مركز الكون ٭7 . وحركة النهضة لا تهمّ أوروبا الشرقية ولا الكنيسة الأرثودوكسية ، فبلاد البلقان كانت تحت السيطرة العثمانية ومتأثرة بالفنون والأساليب الشرقية ، أمّا روسيا فقد كانت بعيدة ولم تساير هذا " التجديد " وبقيت متأثرة بالإنشاد البيزنطي ( فصل 3 ) ولم تطأ أرضَها الپوليفوني ولم تندمج مع غرب ( ووسط ) أوروبا إلّا في العصر الباروكي.
انطلقت هذه الحركة من شمال ايطاليا التي صارت منذ القرن 15 أكبر مركز ثقافي وفني في أوروبا بعدما كانت باريس ( وجامعتها الصُربون Sorbonne وكاتدرائيتها نوترضام Notre-Dame ) تحتل هذه المرتبة في القرنين 13 و 14 ( آرس أنتيكا Ars Antica ثم آرس نوڤا Ars Nova).
المدرسة الفرنكو-فلامانية حركة موسيقية ازدهرت في منطقة تضم شمال وشرق فرنسا وبلجيكا بجانبيها الناطقين بالفرنسية والفلامانية ؛ وظهر ملحنون تابعوا الإصلاح الذي انطلق من باريس مركّزين على الترنم وتفضيل الثالوث 1-3-5 وكل هذا في إطار تقنية الكونترپوينت ( فصل 2 ) . هاجر عدد من أعضاء هذا التيار إلى شمال ايطاليا في القرن 15 منجدبين بالنشاط الكثيف الذي عرفته الپوليفوني في الكنائس ، وكوّن هؤلاء المهاجرون النواة الأولى للنهضة الموسيقية . أشهرهم پاليسترينا Palestrina الذي طوّر تقنيات التأليف التي ستصير فيما بعد مرجعا وسيُعتمد عليها في أول كتاب في مادة الهارموني 1724 Gradus ad Parnassum . الپوليفوني أصلا غناء شفوي، لا يضم أيّة آلة، والأناشيد تعتمد على كلمات مستوحاة من نصوص دينية. وكانت موجهة للأداء في الكنائس ، أمام جمهور قليل جاء للإنصات إلى الصلوات والدعوات ، ولهذا انتشارها كان ضعيفا والإهتمام التي حظيت به في كتب التاريخ لا تستحقه . أما الحركة الموسيقية المحضة فقد كانت رائجة في قصور الأمراء والنبلاء، وكلها كانت مونوضيّة مصاحَبة بآلة كالعود أو الكمان القديم ڤيول viole (أو الكلاڤسين Clavecin فيما بعد ) . كانت تستلهم أنغامها من الفلكلور وأنواع الرقص وكانت تحظى بقسط وافر من الجمالية musicalité ، مؤداة على المقامات السبع القديمة التي سوف تُحذف تحت تأثير وضغوط أشخاص تابعين للكنيسة لم يبدعوا إلا في كتابة المخطوطات داخل مؤسسات دينية بعيدا عن متناول الشعب.
الإصلاحات Réforme/Reformation
كان للكنيسة الكاثوليكية في ( أواخر ) العصور الوسطى قوة كبيرة تخضع لها منطقة شاسعة في إيطاليا (علاوة على نفوذها في غرب ووسط أوروبا ) ، واستطاعت مع مرور الزمن استحواذ أملاك وأموال طائلة ، وتساند النبلاء الإقطاعيين الموالين لها وتتمتع بالخيرات وتحيي الحفلات الباذخة . هذة الأشياء لم يتقبلها عدد من رجال الكنيسة نفسها وكونوا حركة احتجاج protestation سلمية يقودها لوثر Luther في ألمانيا وكالڤين Calvin في فرنسا تبعهم أعداد كبيرة من الناس والنتيجة بزوغ ( بين 1500 و 1550 ) طوائف دينية لا تعترف بسلطة الڤاتيكان.
حركة الإصلاح هذه تصدّت لكل مظاهر وأنشطة الڤاتيكان ولم تستثنِ منها الإنشاد . فالپوليفوني كانت تحت سيطرته ينظّمها ويرعاها ويصدر الفتاوي لتقنينها . حركة الإصلاح رفضتها لأنها كانت معقدة وتخضع لقواعد الكونترپوينت العتيقة والمصطنعة ، ومارست موسيقى تعتمد على التعبير والجمالية ، الغاية منها إشراك الجمهور وليست حصرا على فِرق الكورال . والنتيجة حتما هي الرجوع إلى الصوت الأحادي المونوضي ، وكان هذا التحول هو الشرارة التي انبثق منها التجديد الموسيقي خلال عصر النهضة وانتهى باضمحلال الپوليفوني تدريجيا.
يسمى " كورال " هذا النوع الجديد من الإنشاد في معابد الپروتستان ٭8 يؤديه الحاضرون بصوت واحد مصاحَبًا بالأرغن . وضع قواعده لوثر نفسه الذي لحّن فيه عدة مقطوعات أشهرها Aus tiefer not schrei ich zu dir ، ويؤدى في صيغة مونوضيّة/أحادية باللغة المحلية vulgaire/ vulgate عوض اللاتينية.
لم يتقبل الڤاتيكان إصلاحَ الموسيقى الدينية وكلَّ ما يأتي من حركة الإصلاح ، وكان رد فعله قويا . عقد مؤتمره الطويل Concile de Trenteا1545-1563 وكلف الإيطالي پاليسترينا Palestrina بإصلاح داخلي للموسيقى الكاثوليكية والهدف هو تبسيط الپوليفوني وتقريبها من الشعب . كان لپاليسترينا تأثير كبير على جميع من جاء بعده في القرن 17 حيث بدأوا يبتعدون عن تقنيات الكونترپوينت المعقدة ويركّزون على المونوضي.
أنواع الغناء في عصر النهضة
عموما كانت الموسيقي الكلاسيكية ( العليمة ) تدخل كلها في إطار الپوليفوني ولم تتحول بعدُ إلى الهارموني، وإلى جانب هذا كان المنشدون المنستريل منذ القرن 12 ينتجون قطعا جميلة أُحادية أهملها المؤرخون ولم يُعيروها أيّ اهتمام ( جمعها ودوّنها دولاكويسطا De La Cuestaا[31]). وكانت آلة العود الموروثة عن الأندلس هي العامل المشترك لكل أنواع الموسيقى ، أما الأرغن فقد ظهر ( قرن 15 ) ومكث داخل الكنائس الكاثوليكية ، وهناك كذلك أسلاف الكمان الشائعة في الفلكلور في عدة مناطق في أوروبا ( الڤيول/ الڤيولا المنحدرة من الڤيويلا الإسبانية vihuela ) ، أخذت في القرن 16 شكلها الذي نعرفه الآن.
ظهرت أنواع من الأغاني مستوحاة من الفلكلور أهمها الكانسون بشكليها الفرنسي "لا شانسون" la chanson أو الإيطالي " لا كانزونِه " la canzone . ولو أنها تُعتبر متعددَة الأصوات فهناك دائما أغنية أُحادية تشكل المحور الأساسي ، وتبقى السطور/الأصوات الأخرى ثانوية ، أحيانا آلية ( عود أو كلاڤسين ) على شكل مركّبات للمصاحَبة على طريقة الباص كونتينو Basse Continue ( فقرة 7 ).
في إيطاليا سوف تحظى الكانزونِه بعناية كبيرة من طرف المحترفين إلى أن جعلوا منها فنا راقيا يرتكز على الصوت ( بمعنى الحنجرة ) يسمى المادريݣال madrigal سيكون له تاثير على الغناء lyrisme ( والأوپيرا ) في إيطاليا فيما بعد ( ݣيسوالدو Gesualdo ) . في فرنسا وقع نفس الشيء مع لاشانسون ( كتاب صاكا [32] )، ساهم فيها ملحنون كبار مثل كلود لوجونClaude le Jeune وجانكان Jeannequin ، وعمّرت طويلا حتى أواخر القرن 19 . وسينتج عنها في القرن 17 نوع غنائي احتفظ بطابعه الكلاسيكي : الكانطات cantate ، ستنتشر في كل أنحاء أوروبا ( وسيتفرع منها الليد الألماني lied ) . من أشهر الكانطات المعاصرة ( هيرمان 1956 ) تلك التي يؤديها كورال كبير في آخر اللحظات من فيلم هيتشكوك L'homme qui en savait trop ٭9
The man who knew too much.
يمكننا أن نسميه المنعطف الكبير ( قرن 16 ) لأنه رسّخ القطيعة بين الشرق والغرب . ففي الوقت التي كانت المقامات تتنوع وتتعدد عند الشعوب الأخرى ( المشرق العربي والإسلامي ، المغرب ، الهند ) قرّر المنظّرون (وكلهم من خدام الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسهم زارلينو) إلغاء جميع المقامات السبع القديمة (phrygien, ionien, dorien, éolien إلخ) والإحتفاظ فقط بالماجور ، واضطروا فيما بعد إضافة المينور . وبطريقة (غير) مباشرة رسّخوا السلّم المستقيم ( المتكون من 12 نصف طنين بقيمة 100 سنت ) وألغوا نهائيا وإلى الأبد الأبعاد الأصغر من نصف الطنين ( كالرُبع مثلا ).
كل كتابات القرن 16 ترتبط بدرجة أو بأخرى ب " مبدأ التوافق " . وفي نفس الحقبة وقعت محاولات عديدة لتقنين السلّم الموسيقي وإدخال أكبر عدد ممكن من الدرجات المتوافقة وخصوصا الثالثة والخامسة لأنهما يكوّنان ( مع القرار ) الترياد 1ـ3ـ5 .
المقام الدياتوني القديم والذي يطابق الماجور كان الأكثر انتشارا . لاحظ زارلينو أنه بكافة نوطاته يتركب من 3 تريادات ( accord parfait majeur ) 1ـ3ـ5 : ˃== Do-Mi-Sol Fa-La-Do Sol-Si-Ré وتنطلق من الدرجات التي كانت تُعتبر أساسية 1 و 5 و 4 والتي سينجم عنها المفاتيح الثلاثة ( والتي سوف تسمى فيما بعد " نوط طونال " notes tonales ) . ركّز في كتاباته على هذا المقام الدياتوني الغني بالترياد ولكي يعطي العبرة لحّن أنغاما ( جدّ ) قليلة دخلت طيّ النسيان.
من الصعب أن نتصور أن جميع الأنغام في أوروبا سوف تُلحّن في مقام واحد (ماجور) . وبما أن الثالثة الصغيرة صارت تحظى هي كذلك باهتمام وعناية المنظّرين فاعتبروها متوافقة وأدخلوها في الترياد . أما من جهة الملحّنين فمنذ أواخر القرن 15 دخلت في الأعراف فكرة ترياد آخر لا ترفض أن تكون فيه الثالثة صغيرة : السبب هو أنّ الثالثة الكبيرة ( 400 سنت ) في كيبورد الأرغن أو زند/ذراع العود ذي المحاط الثابتة تَوافقُها ضئيل مقارنةً مع الثالثة الصافية / الهارمونية ( 386 سنت ).
وتخيل زارلينو مقاما جديدا انطلاقا من اليونيان/ الماجور مع فرض المركّبات الثلاثة ذات ثالثة صغيرة من نوع Do-Mib وتساوي طنينا ونصف طنين ، والنتيجة : ˃== Do-Mib-Sol Fa-Lab-Do Sol-Sib-Ré
وهكذا صنع زارلينو المقامَ المينور ، لكن شاءت الأقدار ( أو الصدفة ) أنّ من بين المقامات السبع القديمة يوجد ما يطابق المينور ، إنه إيؤوليان éolien أو مقام "لا" mode de La ( جدول ، فصل 1 )
La-Do-Mi Mi-Sol-Si Ré-Fa-La له مقابله العربي : مقام نهوند . يُنعت هذا المقام حاليا ب مينور أنتيك antique أو طبيعي natural لأن تغييرا طفيفا شابَه على إثر رفع الدرجة السابعة ( فصل 2 فقرة 7 ).
واتخدت الموسيقى في أوروبا اتجاها واضحا تسيطرعليه ازدواجية dualité / dichotomie المقامين الماجور والمينور وتوظيف المركّبات على أساس هذين المقامين فقط . لكن بعد اندلاع حركة الإصلاح la Réforme ضعف نفوذ المنظّرين اللاتين في المناطق الجرمانية ولم تنقطع المقامات القديمة وبقي منها الفريجيان/ الكورد mode de Mi عند بعض الملحنين الپروتيستان (مثل ج. س. باخ ) وكذلك الروس الأورثودوكس . أما إسبانيا فقد احتفظت بمقام الحجاز إلى يومنا هذا.
في أواخر عصر النهضة ( بعد سنة 1600 ) ضعف الأسلوب القديم المعروف بالݒوليفوني ، لتحل محله أصناف جديدة بقيت متداولة حتى نهاية القرن 19 ( أو بداية القرن 20 ) تعتمد على الميلوضية الأحادية مع إدخال الهارموني وتسمى الميلوضية المصاحَبة mélodie accompagnée . الݒوليفوني بمعناها الدقيق هي تركيب عدة ميلوضيات الواحدة فوق الأخرى ، والأناشيد الدينية وحدَها ( تقريبا ) تخضع لهذا التعريف . الألحان الأخرى من إنجاز ماشو ولانديني ( قرن 14 ) وجلّ تآليف المدرسة الفرانكو-فلامانية ( قرن 15 ) وڭيسوالدو Gesualdo يصنّفها المحللون في إطار الپوليفوني ولو أنها في الحقيقة مونوضية / ميلوضيّة ، فهي عبارة عن ميلوضي واحدة ، يصاحبها سطران ( أو 3 ، ونادرا أكثر، أنظر فصل2 فقرة6 ) ؛ يقول دومينيك دوڤيي في كتابه [36] إن الپوليفونيا عقيدة سماعية/إصغائية Théologie sonore.
تدريجيا رّكز الملحنون على الميلوضي ، احتفظوا بها وعوّضوا السطور السفلى بسطر واحد يتركب من نوطات منفردة : باص كونتينو Basse Continue . وهناك طريقتان لأداء السطر الأسفل : إما تُعزف النوطات على انفراد ، وإما كل نوطة تُستخدم كقاعدة لمركّب/ ترياد من ثلاث نوطات 1ـ3ـ5 . تزامنت هذه الظاهرة مع هيمنة العود وظهور الكلاڤسين ، وهما آلتان ( بخلاف الكمان ) متعددة الأصوات ، لأن طريقة العزف على العود في أوروبا كانت ولا زالت تشبه القيثارة ( النقر بأصابع اليد اليمنى عِوض الريشة ) وكان الموسيقيون لا يتقنون التلحين الهارموني بالمركّبات كما هو الحال الآن وبدل كتابة مجموع المركّب ارتأى بعضهم كتابة نوطة الباص وحدها مع الإشارة إلى " وضع " المركّب تاركين للعازف ( أو رئيس الجوق ) حرية الأداء.
" وضعُ " المركّب يعني أحدَ أشكاله الثلاثة ( أو الأربعة في حالة 7-5-3-1 ) ، وهذا ما يُعرف ب " الإنقلاب " . الهدف منه هو تسهيل عزف المصاحَبة على آلتي العود والكلاڤسين ، ولا علاقة له بمعايير أو مزايا تتعلق بالإصغاء أو الجمالية أو الترنّم ( يعطي مركبات متنافرة تُستخدم للتناوب alternance ويلزم حلّها/ تسويتها résolution فورا ، كما شرحنا في الفصل 2 ) . لكن الذوق والأذن والإحساس ووو ...... تعوّدوا على هذه الظاهرة وتأقلموا معها في الغرب ، والموسيقى ليست فقط مجموعةَ قواعد تخضع لقوانين الإصغاء بل هناك عوامل إنسانية واجتماعية وحضارية وتاريخية تركت بصماتها . والمزيّة الكبرى لانقلاب المركّبات في العصر الكلاسيكي ( منذ 1700 ) هي أنه يتيح الاختيار بين 3 أو 4 نوطات المركّب وهذا يسهّل التلحين في الأسلوب الهارموني.
انطلقت الباص كونتينو من إيطاليا في حوالي 1600 ، لكنها ازدهرت وتقوت في فرنسا على يد هنري دومون Dumont (1684 - 1614) وهو ملحن وعازف على الأرغن. وابتداء من 1700 دخل على الخط المنظِّرون والمفكرون.
اندلعت المنافسة بين الأسلوبين المونوضي والهارموني بحدّة عند الملحنين والمفكرين في فرنسا في عصر الأنوار ( سنوات 1700 إلى حدوث الثورة الفرنسية ) ، وتكوّن فريقان متنافسان : أحدهم يدافع عن الهارموني وتطبيق المركّبات يتزعمه الملحن رامو Rameau ( له عدة كتب في الهارموني ) ، والآخر يركّز على الميلوضي كأساس للموسيقى ويعتبرها تنبع من العواطف والروح ( والهارموني عبارة عن قواعد تقنية ) ويقود هذا الفريق المفكر روسّو Rousseau.
ج-ف رامو ألّف عدة كتب في الهارموني ويُعتبر بدون منازع مؤسس هذه المادة ( ابن سينا وضع نواتها في القرن 11 ) ، وحاول تبرير انقلاب المركّبات مستندا إلى براهين واهية ( غير منطقية وطعنّا فيها [4] ، وهي من الإختلالات التي ذكرنا في بداية هذا الفصل ) . عارضه ج-ج روسّو وانتقد الإكثار من قواعد الهارموني التي بدأت تطغى على الميلوضي ، وألّف دالامبير D'Alembert كتابا عنوانه " مبادئ الموسيقى لدى السيد رامو" انتقد فيه الإتجاه الجديد الذي يرزخ تحت وطأة النِسب والحساب ويبتعد عن ثوابت فن الموسيقى . وما هذا إلّا مظهر لمشكل عميق لا زالت أوروبا ( والغرب عموما بقيادة أمريكا ) تعاني منه ، ألا وهو الصراع بين الموسيقى التقليدية المونوضيّة ( الأحادية ، التي توجد مثيلاتها عند كافة شعوب العالم ) والموسيقى الهارمونية (الكلاسيكية/ العليمة musique savante ) ، أي بين الجانب الإنساني والجانب التقني.
معظم أنواع الموسيقى الكلاسيكية تعتمد على هيكل موحّد يسمى " فورم صونات " Forme Sonate أي "شكل الصونات " تطوّر تدريجيا من بداية القرن 18 إلى بداية القرن 20 ( أنظر أسفله ) ، يخضع له نوع الصونات ، والكونسيرتو ، والسنفونية الخ مهما كان حجم الفرقة ( صولو ، ثنائي ، موسيقى الصالون Musique de Chambre أو فرقة سنفونية كبيرة تضم المئات من العازفين ).
السويت
خلال عصر النهضة ( 1620-1450 ) ظهرت في شتّى أنحاء أوروبا أنواع من الرقص بإيقاعات مختلفة احتاجت إلى آلات تصاحبها . والآلات الحاضرة آنذاك هي العود أولا ، الكمان ( أو أسلافه ) ، والكلاڤسين ، وما لبثت أنواع الرقص أن فرضت وجودها في الميدان الموسيقي . فقد أدخل الملحنون أنغاما مقتَبسة من هذه الرقصات ، ولحّنوا قطعا تتكون من سلسلة من هذه الرقصات بالتناوب بطيئة وسريعة ، يسمونها " لا سويت " أو المتتابعة ، وهذا يذكّرنا بأسلوب النوبة ( طرب الآلة ) . أنواع الرقص مصدرها من عدة مناطق من فرنسا (٭10 ݣايارد ، برانل ، كورانت ، ݣاڤوط ، شاكون ، بورّيه .... ) ومن بلدان مختلفة ( ٭10 پاڤان من إيطاليا ، ألماند من ألمانيا ، صارابند من إسبانيا ، جيݣ من إنݣلترا ... ).
ازدهار الموسيقى الآلية يرجع سببه الأول إلى ازدهار الآلات نفسها . وكان العود منذ القرن 12 عند المنشدين يرتقي درجات السلّم الإجتماعي إلى أن أصبح " يحتل " المكانة العليا في الصالونات والقصور وظهر كذلك الكلاڤسين ( ينحدر من الكنّارة lyre) ولقي قبولا كبيرا وأصبح الإثنان رمز الموسيقى الآلية في القرن 16. ودخل الكمان في شكله الجديد ليكوّن مع الآلات الأخرى فِرقا صغيرة لأداء موسيقى الصالونات لأنه لم تكن وقتها قاعات عمومية لإستيعاب الجمهور. وكل هذه المعزوفات بدون غناء كانت تُنعت بِ "صونات" sonate للتفريق بينها وبين الأغاني الصوتية الشفوية التي تُنعت بِ "كانطات" cantate ( المغنّاة ).
الصونات و " لا فورم صونات " La forme sonate
في نهاية القرن 17 ، ازدهرت الحياة في الصالونات والقصور في فرنسا ، وصارت الأمسيات والسهرات (لويس 14 وقصر ڤيرساي ) مليئة بأنواع الترفيه والرقص والعزف. ازداد عدد الآلات وتقوت وطغت على الرقص وملّ الملحنون من هذا الإطار الضيق المتقيّد بأنواع الرقصات وأسمائها، والنتيجة مقطوعة من عدة أجزاء أو "حركات" mouvement ، بدون غناء ، فهي إذن تدخل في إطار الصونات بمعناها العام.
الصونات وريثة السويت ، أخذت تبتعد عن الرقص وتشكل كيانا لوحدها مع التركيز على الآلات والعزف (قرن 18 ) . احتفظت بهيكل السويت ( تتابع أجزاء/ حركات سريعة وبطيئة بالتناوب ) لكنها عوّضت أسماء الرقصات بأسماء الحركات ( أداجيو adagio ... ) وصفاتها ( كانتابيل cantabile ... ).
المعزوفة تتكوّن من أربعة حركات ( أو أجزاء ) ، في مقام محدّد ، مع إمكانية الموضيلاسيون ( التحويل الطبقي ) . الجزء الأول هو الذي يعرض صورة أو فكرة الصونات ويتألف من موضوعين 2 thèmes "أ" و "ب" والشكل هو : أ ب أ Forme ABA . الموضوع ملحن في المقام الرئيسي ويبدأ بالقرار والموضوع الثاني أو الثانوي يكون في مقام مجاور ( ton voisin ، فصل 2 ) ويبدأ بالدرجة الخامسة ، وبعده عودة إلى الموضوع الأول والمقام الرئيسي.
الكونسيرتو والسنفونية
ظهور الكمان وآلات أخرى ( أوتار ، نفخ ) ساهم في تمديد الجوق أو الأوكستر ، ما جعل الملحنين يعزلون قسما من الآلات وكلفوه بدور التحاور (de concert) مع باقي الأوركستر وسمّي هذا النوع بِ " الكونسيرتو " . نعتوه المؤرخون فيما بعد بِ "الكونسيرتو ݣروسّو " concerto grosso أي الكونسيرتو الكبير إشارةً إلى كثرة الآلات المتحاورة .
في أواسط القرن 18 ( حوالي 1750 ) انقسم " الكونسيرتو ݣروسّو" إلى نوعين : في الأول تقلص عدد الآلات المتحاورة إلى واحدة ليُصبح ما هو معروف بلفظ " كونسيرتو " بدون تحديد ، وفي الثاني اندمج مجموع العازفين في كثلة واحدة وصارت سنفونية . وتابعت الصونات مسارها لا فرق بينها والسنفونية إلّا حجم الأوركستر وعدد أفراده ، وكل هذه الأنواع الآلية تطبّق هيكل " فورم صونات " ، تبنّته الموسيقى الكلاسيكية منذ بداية القرن 18 ودام إلى مطلع القرن العشرين .
" لا فورم صونات " كانت في البداية شكلا بسيطا لكنه تطوّر وتعقّد مع مرور الزمن ، وطغت عليه اعتبارات تقنية تتعلق بالهارموني والمركّبات وانقلاباتها وابتعدت الموسيقى عن دورها الفني/النغمي الذي لم يبق هو الهاجس الرئيسي ( ولم يخطر ببال الملحنين فكرة تقريب المويسقى لأكبر عدد من المستمعين لأن هذا أمر لا يدخل في ثقافة الموسيقى العليمة ) وابتعدوا عن جمالية الأسلوب الأصيل الذي نشأ بعد النهضة وكان يستمد أنغامه من رقصات الفلكلور وأغانيه ( كما يقول دوبوا ٭11 ).
وفي أواسط القرن 19 بدأ الملل ينتاب الدوائر الموسيقية تجاه الشكل المعقّد لِ " لا فورم صونات " الذي يقلّص من حرية الإبداع ويجبر الملحن على اتّباع قواعد وتعليمات تعود إلى العصر الباروكي . فظهر القصيد السنفوني poème symphonique بمبادرة من بيرليوز Berlioz وهو عبارة عن معزوفة ( بدون غناء ) لا تخضع لأيّ قيد ولا شرط . يتركب من عدة أجزاء مواضيعها تتعلق بالعواطف أو بالطبيعة أو بأحاسيس وطنية/قومية (لأن هذه الأخيرة أخذت أبعادا قوية وطغت على المشاعر الدينية ) . أمثلة : شهرزاد ، في سهوب الصحراء (Dans les steppes de l’Asie Centrale) ، أرانخويس ، مولداو ، ليلة في حدائق غرناطة.
وأخيرا ستأخد الموسيقى المعاصرة ( قرن 20 ) اتجاها تحرريا لا يخضع لأي تعاليم ولا لأي هيكلة ، وستطوي صفحة الماضي لكنها ستبقى هارمونيّة حتى النخاع .
شرحنا في الفصل السابق ( فقرة 7 ) ما أنجزه صفي الدين الأرموي في القرن 13 حيث ابتكر سلّما ذا 17 درجة استعمله المشارقة حتى بداية القرن 19 . وسيسير في خطاه راهب إيطالي وضع قواعد السلّم الميزوطوني mésotonique/ meantone . الهدف في كلا الحالتين هو إدخال المسافة الثالثة الصافية وإعطاءها المكانة التي تستحقها.
السلّم الموسيقي السباعي المعمول به عالميا فرضته الطبيعة ، حدّد درجاته ومسافاته ودقّقها الكِندي في القرن 9 ، ومدّده إلى 12 درجة ، كل هذا بطريقة عِلمية أساسُها مبدأ التوافق ( حلقة الأبعاد الخامسة ، فصل 4 ) والإعتماد على الأوكتاڤ . أوروبا كانت تجهل كلّ هذه الأشياء ، وكانت تستعمل سلّما سداسيا Hexacorde ، أُضيفت له نوطة سابعة متحركة سُمّيّت فيما بعد "سي" وأحدثت ارتباكا في الأوساط الموسيقية والسبب أنه كان لها وضعان ( سي♮ أو سيb حسب التعبير المعاصر لأن علامات التحويل لم تكن معروفة آنذاك ) . وبقيت الأحوال في ارتباك إلى أن أتى راموس الأندلسي ( أنظر نشيد راموس فصل 5 ) إلى إيطاليا في القرن 15 ، حاملا معه قواعد علوم الموسيقى وسُلّمها السباعي ( وامتداده إلى 12 درجة ) . وشاءت الأقدار أن تكون هذه الظروف جدّ ملائمة لاستيعاب هذا المولود الجديد . فقد درس منظّرو عصر النهضة المؤلفات العربية ومنهم زارلينو الذي تأثر بأفكار ابن سينا في توافق المسافات ( فصل 5 فقرة 6 ) وابتكر سلّما يحتوي على 3 أنواع من الأبعاد ( فصل 4 ) لم يُكتب له النجاح . فكرة أخرى ظهرت في نفس الحقبة تنهج نفس الطريقة التي طبقها الكندي لكن تحتفظ قبل كل شيء على الثالثة الصافية 5/4 ، كما يلي:
نبدأ حلقة الأبعاد الخامسة من "دو" : للوصول إلى "مي" عبرنا 4 خامسات : دو-صول-رَي-لا-مي ، قيمتها 3/2 × 3/2 × 3/2 × 3/2 = 81/16 ( فوق الأوكتاڤ، قسمناها على 4 لكي تصير 81/64 = 1,2656 ) لكن "مي" ينبغي أن تكون 5/4 = 1,25 ( مضروبة على 4 ستساوي 5 وتعطي الدرجة الهارمونية رقم 5 ، فصل 2 ) ، والفرق بين 1,2656 و 1,25 يساوي 1,0125 ( وبالسنت 21,5 ) ، إنها كومة سنتونيّة comma syntonique ( تُسع طنين ) . وبناء عليه ، بُعد هذه الخامسات وسنسمّيه "س" ينبغي أن يخضع للمعادلة س × س × س × س = 5 : س 4 ( سين أسّ 4 ) = 5 . الرقم "س" الذي يخضع لهذه المعادلة هو س = 1,49535 . بتعبير آخر ، أو من منظور مخالف ، إذا قسمنا الكومة ( الزائدة ) إلى 4 ووزعناها على 4 خامسات ستنقص كل خامسة ب 1/4 رُبع كومة لتصبح قيمتها 1,49535 عوض 3/2 = 1,5 ، والفرق بين الرقمين ( يساوي 5/1000 ) هزيل جدا ولا يؤثر على توافق المسافة الخامسة ، مع الإحتفاظ بمسافة ثالثة صافية 5/4 . مبتكر هذه الفكرة ( وتسمى Tempérament mésotonique ا1/4 ) هو الراهب پييترو آرون Pietro Aaron ، والنتيجة هي ( السطر الأوسط يبيّن النِسب ، والأخير المسافات بالسنت ):
هنا نصادف مشكلا آخر لأن الديوان/ الأوكتاف يساوي 3 مسافات ثالثة 400 سنت ، لكن في نظام پييترو آرون : 3 مسافات ثالثة 5/4 بقيمة 386 سنت تعطي 1,9531 فقط عوض 2 والفارق بينهما يساوي 41 سنت ، لكن الأوكتاڤ شيء لا يقبل المقايضات .
سلّم پييترو آرون يحتوي على ثالثة صافية 5/4 = 1,25 وخامسة 1,495 ≈ 3/2 يمكن اعتبارها صافية ، ولتكميله وامتداده إلى 12 درجة سوف نعيد الطريقة نفسها (فصل 4 فقرة 5 ) ونتابع سلسلة الأبعاد الخامسة إلى أعلى للحصول على علامات الدييز وكذلك إلى أسفل للحصول على علامات البيمول ، لكن بِ 1,49535 عِوض 1,500.
وبعكس الفصل 4 حيث كان الفرق بين رَيb ودو# جد ضئيل ويمكن تجاهله ، هنا نلاحظ أن دو# أسفل من رَيb بفارق لا يمكننا تجاهله ( الجدول أسفله ) . وينتج عن هذا سلّم كروماتي يتكوّن من 19 درجة ( وحتى زارلينو صاحب النظرية الأخرى اقتنع بفكرة پييترو آرون وابتكر كيبوردا ب 19 زرّ ٭4 ).
رغم كل المزايا التي يتّسم بها هذا السلّم ، فهو يخلق مشكلتين عويصتين : تعداد النوطات وأوكتاڤ ناقصة (41 سنت ) . سيحاول الموسيقيون والمنظّرون والفيزيائيون وصانعو الآلات ترميمهما طيلة العهد الباروكي (1620-1750) . اختار سيلبرمان Silbermann خُمس الكومة لتقريب مجموع 3 ثالثات صافية من الأوكتاڤ (لكن ارتفعت قيمة الثالثة قليلا وصارت أكبر من 5/4 ) ، حدث شيء من التحسين لكن لم يكن في المستوى المطلوب . وجاء آخرون من بعده ونقصوا سُدس أو سُبع الكومة وحسّنوا الوضع شيئا ما واقتربوا من الأوكتاڤ لكن ابتعدت الثالثة عن الرقم 5/4 ، وكلمّا تحسن الوضع من جهة تدهورَ من الجهة الأخرى . ساهم عدد من المنظّرين في ترميم هذا المشكل ولم يتوصلوا إلى أيّ حلّ وهنا نطرح السؤال : متى ينبغي أن نتوقف، والجواب هو : نتوقف متى نشاء . فالمسألة لم تعُد عِلمية أو موسيقية أو إصغائية أو تقنية بل صارت واقعية/ پراݣماتية.
المشكل الحاسم أتى من جهة صانعي الآلات ( كلاڤسين ، أرغن ) ، ابتكروا في القرن 17 عدة أنواع من الكيبوردات بِ 19 زرّ في الديوان لمواكبة نظرية پييترو آرون لكنها لم تكن سهلة العزف . تقسيم الكومة الزائدة إلى 4 ثم 5 ثم 6 الخ اتجه تدريجيا نحو السلّم المستقيم ذي 12 درجة تساوي كل منها 100 سنت كما في الكيبورد والقيثارة ، بمسافة ثالثة 400 سنت غير مُرضية .
وسيبقى المشكل قائما إلى يومنا هذا حيث يحاول بعض المجددين ابتكار وصنع آلات كيبورد تطابق السلّم الميزوطوني ( أنظر نهاية فقرة 8 ) ويكتفي آخرون بإعادة صنع آلات قديمة ومنها المثال أسفله :
الموسيقى التي تكونت في غرب أوروبا تعتمد على سلّم مقسم إلى إثني عشر درجة تساوي كل منها نصف طنين (100 سنت) ويكفي أن نلاحظ الكيبورد (پيانو أو أرغن)، لنرصد أن مدى الديوان ( بين نوطة وجوابها ) يحتوي على 12 زرّ.
فمنذ قرون ظهرت في الغرب وفي الشرق عدة تيارات/مدارس تقسّم الديوان إلى 17 - 19 - 22 - 24 - 31 - الخ وكل هذه الأعداد لها مبرراتها ، وتقسيم الديوان إلى 12 درجة لا يستجيب إلى جميع متطلبات "التوافق" ولكن تبنّته أوروبا في أواخر عصر النهضة ( بداية قرن 17 ) لبساطته بعد أن فشلت كل المحاولات لفرض كيبورد ذي 19 زرّ.
في القرن 10 ابتكر ابن سينا أول سلّم ذي 17 درجة وسيضع نظريته صفي الدين الأرموي في القرن 13 وسيطبقه الشرق الأوسط ( عرب وأتراك ) حتى القرن 19 . هناك السلّم العربي ذو 24 درجة للأخذ بعين الإعتبار ربعَ الطنين ، وهناك كذلك التقسيم القديم في الهند ذو 22 درجة .
بدأت قصة الميكروطون رسميا في أوروبا في عصر النهضة لمّا صنع ڤيسنتينو Vicentino ا(1575-1511) كيبوردا يتركّب من طبقتين ويشتمل على 31 درجة في الأوكتاڤ . ڤيسنتينو كان ملحنا أكثر منه منظرا، وكان فقط يحاول إحياء بعض الأبعاد/الميكروطونات المذكورة في مصنفات قدماء الإغريق ومنها رُبع الطنين diesis . لكن الكيبورد المعقّد الذي صنعه لم يكن يستند إلى أيّ نظرية ، وجاء پييترو آرون ليبتكر نظرية قريبة من التي وضعها صفي الدين الأرموي ألا وهي فرض الثالثة الصافية 5/4 ( فصل 2 ) أدّت إلى سلّم ذي 19 درجة ( فصل 6 ) . آلة پييترو آرون ، رغم متانة نظريته ، لم تلق نجاحا كبيرا واضمحلت في أواخر القرن 17.
وضع الدكتور أحمد ربّاع تصميما لكيبورد من 3 طبقات/ صفوف يحتوي على 17 زرّ في الديوان يمكن تمديدها الى 19. هذا الكيبورد UKB يستجيب لمواصفات پييترو آرون ويمكنه أداء الموسيقى العربية/ الشرقية (حسب الدوزنة/ التسوية) لأن هذه الأخيرة لا تستعمل إلا 19 نوطة (من 24) . مسجل ومحفظ في مكتب الاختراعات بباريس تحت رقم 0705852 ( المزيد من الشروحات في كتابنا الثاني [8] ص226-228).
1 - وأينما كانت الفيزياء physique إلّا ومعها الرياضيات mathématiques ، والدكتور ربّاع له تكوين في كليهما . أمّا علوم الموسيقى عند القدماء فكانت تنحصر في الأرقام والنسب ( وعموما علم الحساب arithmétique ).
2 - défaillances خِلال ، جمع خَلل ، وهو المصطلح الذي تبنّيناه في كتابنا الثاني [8] باللغة الفرنسية لكننا اضطررنا لمراجعته وتعويضه بمصطلح أقل قوة وأقل وقعا وهو اختلال إينكوئيرانس incohérence لأن القارئ الفرنسي ( أو الأوروبي ) جد غيورعلى ثقافته ولا يتقبل الطعن فيها وهذا هو سبب الإسم المستعار Donval.
3 - Vendrix Ph. : « Vocabulaire de la musique de la Renaissance », Minerve, 1994
4 - http://www.denzilwraight.com/24note.htm
5 - الروندو له عدة جوانب : رقص شعر غناء ، متعدد الأجزاء على شكل ABACAD ينحدر من الموشح/الزجل.
6 - الدرجات التي تمثل قرار/أساس المركبات تكتب عادة بالأرقام الرومانية ( فصل 4 ) .
7 - ڭاليلي : E pur si muove ا( Et pourtant elle tourne )
8 - يستعملون مصطلح "معبد" أكثر من "كنيسة" .
9 - التقطت أول مشاهده في مدينة مراكش .
10 - gaillarde, branle, courante, gavotte, chacogne, bourrée, pavane, allemande, sarabande, gigue
11 - [25] Dubois :
« Souvent les thèmes étaient des chants populaires; ils retenaient et attiraient ainsi l’attention des auditeurs »
من قصيدة البحيرة ، شعر الفرنسي لامارتين وتلحين المؤلف :
هذا العنوان يشير إلى التراث الموسيقى الأصيل المتداول في ( شمال غرب ) المغرب العربي ، له تاريخ عريق ، وله عدّة أسماء حسب المناطق ولو أن نعته بالغناء أو الطرب الأندلسي تعبير غير صحيح . يطلقون عليه إسم "موسيقى الآلة" في مدن شمال المغرب : طنجة ، تطوان ، فاس ، أو "الطرب الغرناطي" في وجدة ، تلمسان ، وهران ، أو "المألوف " في تونس ( وليبيا ) لكن هذا الأخير يطغى عليه الطابع الشرقي ومن الصعب تصنيفه في هذه الفئة . والأسلوب المغربي هو الأقرب من الذي كان متداولا في الأندلس وفي قشتالة ، ويكفي مقارنته بالتراث المدوّن في كتاب الكانتيڭاس Cantigas ( أنظر أسفله ).
منذ سقوط قرطبة 1236 واشبيلية 1248 ٭1 بدأت الحضارة الإسلامية تنحطّ في الأندلس ( غرناطة كانت خاضعة للدولة المسيحية حتى سنة 1492 ) وبهذا ضعفت أو انقرضت مساهمة الأندلس في الأنشطة الثقافية والفنية ، وبقيت مدينة فاس المساهمَ الأكبر في إنعاش وإغناء هذا التراث منذ القرن 13 ، وبالضبط منذ دخل المرينيون مدينة فاس سنة 1248 (وسنعطي جميع الدلائل) . ولهذا ينبغي إزالة الصفة " الأندلسية " وتعويضها بعبارة " فن/ غناء النَوبة " (المصطلح الموثق في كتب التاريخ) أو " طرب الآلة " كما يطالب بذلك عدد من المفكرين المغاربة . وسنرى أن كثيرا من أسماء النوبات والمقامات/ الطبوع (فقرة 6 و 7 ) لها أسماء شرقية (وبعضها من أصول فارسية).
هذا الأسلوب نتج عن التحام عدة مكونات من أصول مختلفة . نشأته بدأت مع زرياب ( قرن 9 ) الذي أتى بأنغام كثيرة من الشرق (1000 حسب بعض المصادر) ورتّب إيقاعات النَوبة حسب المقري في "نفح الطيب".
وجاء دور ابن باجة ( 1085-1138 م ) وهو أحد أعلام هذا الأسلوب ، بعد إقامته عند أمير سرقسطة المرابطي أبي بكر إبراهيم بن تافلويت انتقل إلى المغرب وعاش فيه فترة طويلة ( 20 سنة ) إلى آخر حياته. سيتطور هذا الفن لمّا كانت العدوتان موحّدَتين تحت سلطة مراكش ( أي حوالي قرنين ونصف ) ، ومع الدولة المرينية ( 1270ـ1465 م ) التي جعلت من فاس عاصمة لها سيعرف انطلاقة جديدة ٭2 ، تبعتها إنجازات في عهد السعديين على يد الوزير والملحن علال البطلة الذي ابتكر طبع/مقام الإستهلال ٭3 ، وفي عهد العلويين على يد محمد البوعصامي ( قرن 18 ) الذي رتّب طبوع/ مقامات النَوبة . باختصار ، بعد نشأته على يد زرياب ورصيده من الشرق ، " طرب الآلة " ترعرع ونضج طيلة ألف سنة تقريبا في مدن شمال المغرب حيث ألّف المغاربة عددا كبيرا من الأعمال دوّنها الحائك في كنّاشه سنة 1800 وتممها الوزير الجامعي في مختصره سنة 1890.
منذ عهد المرينيين ، تأسست في المغرب أجواق تابعة للبلاط أو الجيش أو البحرية تؤدي معزوفات في المناسبات الرسمية . هذه المعزوفات تنتمي لأسلوب "النوبة"، وهو ما يُعرَف حاليا بفرقة "الخمسة والخمسين" ، ولا شيء يشير أو يدل على أندلسيتها . فلا وجود في كُتب التاريخ ما ينعت هذا الأسلوب ب "الأندلسي" ، كُتب التاريخِ ( سواء كانت عربية أو أوروبية ) لا تذكر إلاّ الزجل أو النوبة ، وكلاهما يشير إلى الأسلوب الذي كان منتشرا في العدوتين ( المغرب والأندلس وقشتالة ) منذ اندماج ملوك الطوائف في المملكة المغربية ( أي قبل مجيء ابن باجة ) . والدليل أن كثيرا من أغاني الكانتيڭاس ( Cantigas de Santa María ) لها مثيلتها في الرپيرطوار المغربي ، مثل رقم 1 أو رقم 10 ( "روزا دا روزاس" Rosa das Rosas التي تطابق " أنظر إلى قدّه " ) . وهناك النشيد الوطني الإسباني Marcha Granadera ٭3 المقتبس من نوبة الإستهلال.
تلقيب فن/غناء النوبة ب "الأندلسي" حديث العهد ، قررّه حسب علمنا بعض الباحثين/ المؤرخين الإسبان (وفي مقدمتهم جوليان رِيبيرا Julian Ribera ) في بداية القرن العشرين لمّا اكتشفوا أن طرب الآلة في مدن شمال المغرب جدّ مطابق للموروث الإسباني الأصيل . وجاء دَور فرنسا ، واهتم بعض أعلامها ( وعلى رأسهم أليكسي شوطان Alexi Chotin ، عاش في المغرب ٭4 ) بدراسة غناء النوبة وساروا على نهج الإسبان وأطلقوا عليه صفة الأندلسي لتمييزه بين مختلف أنواع الغناء في المغرب ( وعموما في شمال إفريقيا ) ، وهم في نفس الوقت يزيلون عليه أصله وتاريخه المغربي وينسبونه إلى بلد أوروبي . وهكذا طغى هذا الإسم على الأسلوب المغربي الأصيل العريق ٭5 . درسه الباحث التونسي محمود القطّاط في كتاب قيّم سمّاه " الموسيقى الكلاسيكية في المغرب " [37] . وهنا لا بد من التذكير أن الفرنسي أليكس كريستيانوڤيتش Alex Christianowitsch الذي عاش في شمال إفريقيا ألّف كتابا [18] سنة 1863 عن الموسيقى العربية وتاريخها يتضمن عدة أمثلة مدوّنة بالنوطة لأغاني من هذا الأسلوب . قرأنا هذا الكتاب ولم نجد فيه لقب الأندلسي ، فهو يستعمل فقط مصطلح " النوبة ".
ليس من السهل تعريف نوع من الموسيقى أو الغناء عبر بضع سطور ولا يمكن للمعرّف أن يكون موضوعيا مهما كانت كفاءته وحسن نيته ، فكل الأنواع متقاربة إلى درجة ما وبعض الأنغام من " طرب الآلة " لا تختلف عن الأنغام الشرقية ٭6 ( وبعضها يشبه أنغام المنشدين Troubadour ) . ولهذا لا بد من إتمام التعريف الكتابي بالإصغاء إلى بعض النمادج.
الإسم أو اللقب التاريخي لهذا الأسلوب هو غناء النوبة ، كما تشرحه لنا كُتب التاريخ من أحمد التيفاشي (-1253 م ) [38] ٭7 قرن 13 إلى إبراهيم التادلي [16] قرن 19 . لكن منذ فترة في التاريخ لم نستطع تحديدها بدقة ظهرت عبارة " موسيقى الآلة " في المغرب ( الأقصى ) لأن طريقة أدائه تتطلب جوقا بعدّة آلات متنوعة ، بخلاف إنشاد السماع الذي لا يتطلب إلاّ أصواتا شفوية أو " المَلحون " الذي له سماته أو الغرناطي أو أنواع شعبية أخرى . تراث النوبة ديوان Répertoire أصيل تكوّن في عدة مراحل ، من مواصفاته :
* ينحدر من الغناء القديم الذي مارسته مختلف الجاليات في الأندلس ( عرب ، مستعربون ، مستعجمون ، مسلمون ، يهود ، نصارى ، مولدون أو مستولدون ) وفي المغرب ( إبان الدولتين المرابطية والموحّدية ) وفي اسبانيا/قشتالة المسيحية . دوّن الإسبان ما كان متداولا لديهم في القرن 13 في كتاب الكانتيݣاس ( أي الأغاني ).
* لا يطبّق " حرفيا " المقامات الشرقية كما هي مطبّقة في العالم العربي ، تقاربها في الشكل ولكنها مختلفة شيئا ما ، وتسمى طبوعا (جمع طبع ) وعددها 26 . بعضها له أسماء وأشكال تشبه المقامات الشرقية ، مع التركيز على نوطات معينة.
* لا يحتوي على ربع الطنين ( أو ثلث الطنين كما كان شائعا في المشرق حتى القرن 19 ، فصل 5 ) ويعتمد على سلّم سباعي دياتوني وعلامات رفع وخفض مختلفة القوة . لكن تحت التأثير الفرنسي ودخول الپيانو وآلات نفخ غربية ضعُف وزن هذه العلامات لتصبح الطبوع لا تشمل إلاّ أبعاد الطنين ونصف الطنين ٭8 .
* بخلاف الأسلوب الشرقي أو الأوروبي أسلوبُ النوبة غني بإيقاعاته ، فالقطعة أو النوبة تتكون من عدة أجزاء وكل جزء له إيقاعه وسرعته ( " شمس العشي " موجودة في الإنتيرنيت ) . هذا التنوع في الإيقاع نجده في الموشحات السورية ( كتاب سليم الحلو ) التي تنحدر من غناء النوبة ( أنظر أسفله ).
* الديوان الذي جمعه الحايك في سنة 1800 هو ديوان شبهُ رسمي لكن هناك مقاطع أخرى لم يضمها الحائك في كنّاشه . يتكوّن هذا الديوان من 11 " نوبة " في كل واحدة منها أجزاء ملحنة في أحد الطبوع وأجزاء أخرى في طبوع مجاورة ( أو متقاربة ) ، وفي داخل كلّ نوبة قصائد وموازين مختلفة.
معزوفات النوبة جُمِعت وسُجِلت مؤخرا في أسطوانات/ أقراص ( أشرفت عليها وزارة الثقافة المغربية ) ، هذه المقاطع لُحّنت خلال القرون السالفة ، وبعضها لُحّن منذ 7 أو 8 قرون وهذا يدلّنا على المستوى المتقدم التي وصلت إليه موسيقى الآلة في وقت لم يكن في أوروبا ( دون إسبانيا ) إلّا الغناء البسيط ( فصل 3 ) داخل الكنائس ( تراتيل cantillation تنعدم فيها أدنى عناصر الترنم والجمالية ) . والمزية الكبرى هي أن موسيقى الآلة هذه وصلتنا تقريبا كاملة بينما لم يصلنا أي شيء من الموسيقى الشرقية المتداولة إبان أوج الحضارة العربية بين القرنين 9 و 13.
كان إسحاق الموصلي عميدَ الموسيقيين في بلاط هارون الرشيد وكان زرياب أمهرَ تلاميذِه في الغناء والعزف على العود . ومرّة قدِم زرياب عند هارون الرشيد وأمره هذا الأخير بإمتاع الحضور فطلب زرياب إحضار عوده : " إن كان مولاي يرغب في غناء أستاذي غنّيته بعوده ، وإن كان يرغب في غنائي فلا بد لي من عودي " . لا نتذكر مصدر هذه المقولة المشهورة ومن المرجّح أن يكون " كتاب الأغاني " . كان إسحاق على عِلم بمهارة زرياب في العزف على العود وكان يتحفظ منه خوفا من أن يأخذ مكانته في بلاط هارون الرشيد فهدده وأجبره على مغادرة بغداد.
وصل زرياب إلى قرطبة سنة 822 ٭9 ونال تقدير الخليفة الأموي عبد الرحمان لأنه أدّى له أنغاما شرقية جميلة جعلته يحنّ إلى أرض أجداده ، ووفّر له جميع الظروف الملائمة لممارسة فنّه . أشرف على تأسيس مدرسة " دار المدنيات " لتعليم الغناء والموسيقى سنة 825 كانت الأولى في العالم في وقت لم يكن هناك وجود لهذا الفن في أوروبا . كان يلقن تلاميذه ويطلب منهم أداء الأصوات ابتداء من الجواب وهبوطا إلى القرار وهذا هو ما نسميه " صولفيج " في أيامنا هذه ، معتمدا على الأوكتاڤ والسلّم السباعي.
يقول بعض الباحثين ٭10 إن زرياب هو مخترع نظام النوبة التي هي أساس الطرب الأندلسي المغاربي ، ويؤكد المقري أن زرياب هو الذي رتّب إيقاعات النوبة . ونجد مصطلح " نوبة " مذكورا في بعض الكتابات القديمة لكنه لا يدلّ إلاّ على معناه البدائي أي تتابع عدة أغاني تؤدّى في حضرة أحد الملوك أو الأمراء.
ومن أهم منجزات زرياب التي لم يُعرها الباحثون أدنى اهتمام لأنها تبدو لهم في العصور الحالية شيئا طبيعيا وبديهيا وهي ما يسمّى بالغناء المضبوط ، أي الموزون . كما شرحنا في الفصلين 3 و 5 ، كان الغناء في العصور القديمة ( سواء عند العرب إلى حوالي 800 أو في أوروبا حتى القرن 12 ) عبارة عن تراتيل ، وجُمل أو أشعار تُغنّى بقليل من الترنّم ، تعتمد على النص شعرا كان أم نثرا أم نشيدا دينيا . التراتيل ليس فيها ميزان ، ونعني بالميزان أنّ الجملة مقسّمة إلى حقول mesure/bar وداخل كلّ من هذه الحقول 3 أو 4 أو 6 ضربات/ نقرات فيها الغليظ القوي "دم" والضعيف الحادّ "دق" ( وأحيانا نقرات فارغة ) . وفي بداية القرن 9 إبّان خلافة هارون الرشيد أدّى تقدّم الفنون إلى تمازج الغناء والإيقاع فيما يسمّى بالغناء المضبوط ، طبّقه زرياب بكثافة وكان له وق۫ع قويّ على تقاليد الأندلس والمغرب الأقصى لِما كان لهما من ارتباط واتصال ، ولهذا نجد في طرب الآلة عديدا من الموازين المتنوعة ( وكذلك في الموشحات ).
كان زرياب حافظا لرصيد كبير من الأغاني أتى بها من المشرق ، ومن الأكيد أن هذا الرصيد التحم مع التقاليد المحلية (عربية/مسلمة ومسيحية ) ليعطي فنّا راقيا انتشر في كل أنحاء الجزيرة الإيبيرية ومنها إلى المغرب ( الأقصى ) وكوّن المرحلة الأولى لتشكيل أسلوب " النوبة " التي سوف تدوم حوالي قرنين ونصف (من زرياب إلى ابن باجة ).
هو أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ بن باجة التُجيبي (1138-1085 م) ، يلقبه الأوروبيون أڤيمپاس Avempace . أحد أعلام الفكر في المغرب الإسلامي ، ساهم في مختلف ميادين العلوم : فلك ، رياضيات ، طب، طبيعة/فيزياء ٭11 ، فلسفة ، الخ ، وكذلك علوم الموسيقى .
كان يشتغل عند أمير سرقسطة المرابطي أبي بكر إبراهيم بن تافلويت ( 1110-1113 م ) ثم انتقل إلى المغرب وقضى فيه ( بين فاس ومراكش ) أكثر من 20 سنة ومارس فيه الطب لدى الملوك المرابطين إلى آخر حياته ( هو إذن مرابطي مغربي أكثر منه أندلسي ) . كان ملحنا وعازفا على العود ، قام بعدّة إنجازات في نظرية الموسيقى لكن رسائله في هذا المجال مازالت في شكل مخطوطات متفرقة في المكتبات والمتاحف.
ألّف عشرات الكتب في جميع الميادين لم يبق منها إلاّ ما تُرجم إلى اللاتينية ( إبان حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية في مدينة طليطلة عاصمة قشتالة ) وبدون شك أُحرِقت من طرف الكاردينال خيمينيس Ximenez/ Jimenez الذي أحرق الملايين من الكتب ( حسب روبليس E. de Robles ) في محاولة لمحو آثار الثقافة العربية. من مؤلفاته شروح " السماع الطبيعي " Phusike akroasis لأرسطو ، وهي رسالة في موضوع الفيزياء ( ومقارنتها مع الفلسفة والميتافيزياء ) ، وكلمة " سماع " هنا في هذا العنوان لا علاقة لها بإنشاد السماع ( ولا بأسلوب السماعي الذي أتى من تركيا ) ولكن تعني أن هذه الرسالة تحتوي على محاضرات أو دروس شفوية في علم الطبيعة أو الفيزياء ٭11 كان يلقيها أرسطو على تلاميذه ٭12.
منذ قدوم زرياب من الشرق تطور فن الغناء في المغرب الإسلامي ( بشكل بطيء ) في أحضان الدولة الأموية ( وعاصمتها قرطبة ) التي انتهت في سنة 1031 وكان من أهم سماته أنه امتزج (أو على الأقل تأثر) بالغناء الإسباني. وخلال حوالي قرنين ونصف (منذ قدوم المرابطين وانتصارهم في معركة الزلاقة 1086 م حتى هزيمة الجيش المريني أمام التحالف المسيحي سنة 1340 م ) كانت العد۫وتان شمالَ وجنوبَ البوغاز تشكّلان دولة واحدة عاصمتها الإدارية مراكش ( وعاصمتها الثقافية فاس ) . ومعروف على ابن باجة أنه درس أغاني المسيحيين ومزجها بأغاني المسلمين وجاء إلى المغرب ليتمم انجازاته ويستقي من التقاليد المحلية حتى يصبح " صاحب التلاحين المعروفة " حسب التعبير الشائع والذي يُنسب إلى ابن خلدون . وفي هذه الفترة ترعرع فنّ مشترَك بين المسيحيين في قشتالة ( شمال إسبانيا ) وبين المسلمين في المغرب الأقصى ( والأندلس الخاضعة له ) نظّمه وأطّره ابن باجّة في مدينة فاس ، إنها المرحلة الثانية في مسار طرب الآلة.
السؤال المطروح للباحثين في الغناء المغاربي الأصيل هو لماذا المألوف في تونس لا يشبه الآلة في المغرب ( الأقصى ) ؟ فالمألوف يقترب شيئا ما من الأسلوب الشرقي بإيقاعاته ومقاماته ( وربع الطنين ) . الجواب أو التفسير لهذه الظاهرة يمكن افتراضه في أن تونس قريبة من الشرق/المشرق ( تقع وسط المسافة بين مدينتي فاس والقاهرة ) ولهذا، حسب بعض الباحثين ، موسيقاها تأثرت كثيرا بالأسلوب الشرقي . هذا الافتراض المبني على عامل القرب لا يمكن تقبله، فليبيا كانت بلادا تقريبا خالية وحركة المرور بها قليلة جدا ومرور الأشخاص عبرها ضئيل وكانت صحراءها حاجزا يفرق بين المشرق والمغرب ولا يعبُرها إلاّ قافلة الحجاج التي تذهب إلى مكة ولا يرجع منها إلا القليل . وبالعكس كانت تونس على اتصال مستمر مع المغرب الأقصى ، وخصوصا منذ صعود الدولة المرابطية ( ومن بعدها الدولة الموحدية ) وسيطرتها على شمال افريقيا ( دول المغرب العربي حاليا ) والأندلس، حيث كان ملك المغرب يعيّن شخصا يمثله حاكما على إفريقيا التي كانت تعني تونس.
إن التفسير الصحيح يرجع إلى من وضع اللبنات الأولى لفن المألوف ، إنه أمية بن عبد العزيز وكنيته أبو الصلت ( -1134 م ) ، كان فيلسوفا وله دراية بشتى ميادين العلوم ( طب ، هندسة ، فلك ) ، وكان كذلك موسيقيا بارعا وعازفا على آلة العود . ألّف العديد من الكتب لكن مع الأسف ضاع الكثير منها ، نجا بعضها بفضل الترجمة التي قام بها المسيحيون إلى اللاتينية . من هذه المؤلفات " رسالة في الموسيقى " مذكورة في عدة مراجع عربية لكن لم يطّلع عليها أحد . نسختها العربية الأصلية ضاعت بدون شكّ ، لكننا عثرنا من خلال أبحاثنا عن ذِكر لترجمة باللغة العبرية ٭13.
عاش أبو الصلت في اشبيلية إبان الحكم المرابطي وهاجر إلى تونس سنة 1096 م عند أميرها تميم بن المعز الصنهاجي ( المرابطي ) ومنها رحل إلى مصر وعاش فيها حوالي 20 سنة . لن ندخل في تفاصيل حياته في مصر فهي معروفة لدى المؤرخين ومدوّنة في عدّة مراجع ، لكن الشيء الذي تتجاهله هذه المراجع ( عربية كانت أم أجنبية ) هو أنّ أبا الصلت كان موسيقيا كبيرا وحفظ العديد من الأنغام إبّان إقامته في مصر وعاد إلى تونس عند حاكمها يحيى بن تميم الصنهاجي ليتفرغ لتلحين الأغاني " الإفريقية " ( أي التونسية) حسب ابن سعيد المغربي [39] ( 1214 - 1286 م ) في كتابه " المُغرب في حلى المغرب " هذه الأغاني "الإفريقية" مزيجٌ بين الأسلوبين المشرقي والمغربي أدّى إلى ما هو معروف يومنا هذا بإسم المألوف.
" والواقع أن النظر في مسألة علاقة الطبوع بالطبائع موغل في القدم ، وهو يعكس نظرية الإيطوس التي أسّس لها فلاسفة اليونان " ، بنعبد الجليل [16] . مصطلح "طبع" يحل محل "مقام" ويلعب دوره ، لكن له مفهوم ومعنى أقوى والطبع ليس فقط مجموعة من النوطات تبتدئ بالقرار وتنتهي بالجواب ولكنه مبني على بعض التراكيب التي تركّز على نوطات معينة داخل هذه المجموعة [40] [41] . هذا يعطي لكل "طبع" (والجمع طبوع ) في موسيقى الآلة ميزة أو طابعا (والجمع طِباع أو طبائع ) يتسم به ويختلف به عن الطبوع الأخرى . ومن المفترض أنه يعبر عن شعور أو إحساس أو حالة نفسية ٭14 ، وهذا ما يسمّونه في الغرب " إيطوس " Ethos ينسبونه إلى قدماء الإغريق لأن بعض فلاسفتهم ذكروا هذه الظاهرة أو أشاروا إليها.
الطبوع أصلها مقامات جاءت من المشرق ، مع زرياب ( ومع مهاجرين آخرين ) ولهذا فبعض أسماء الطبوع موجودة في المشرق وأصلها إمّا عربي أو فارسي ونذكر على سبيل المثال : رست ، سيكة أو صيكه ، حجاز ، إصبهان ، العشاق ، الحسين أو الحسيني، الحصّار ، العراق ، الماية . لكن الفرق الكبير هو أن الطبوع ( المعاصرة ) لا تحتوي على ربع الطنين ، وربما لهذا عدة أسباب :
* زرياب غادر بغداد سنة 819 م في وقت كان ربع الطنين حديث العهد ولم يكن له حضور قوي في المشرق ، علاوة على أن زرياب كان تلميذَ إسحاق الموصلي زعيم الأسلوب العربي الأصيل الذي فسّره وشرحه ابن المنجّم في [22] رسالته والذي يخلو من ربع الطنين .٭ ربع الطنين منعدم في الثقافة الإسبانية ، وهذا قد يكون له تأثير على غناء النوبة الذي سيتمركز في شمال المغرب بعيدا عن الشرق الأوسط . ٭ من الأكيد أن ربع الطنين لم ينقرض بسرعة ، وبقيت آثاره في شكل علامات تحويل ضعيفة القوة ( القطاط [37] ) بحيث أن المنشد يحفظ الأنغام غيرَ مبال بكتابتها المدققة ولا يتساءل هل أدّى نوطة طبيعية أم مغيّرة بقليل صعودا أو نزولا . ٭ وجاء الاستعمار الفرنسي وفرض آلاته وأسلوبه الدياتوني ودُوّنت النوبات الأولى على يد فرنسيين أمثال أليكسي شوطان Chotin معتمدين على الصولفيج الأوروبي المستقيم الذي لا يأخذ بعين الاعتبار ربعَ الطنين . وفي العقود الأخيرة تبعهم المؤلفون والباحثون المغاربة ( مثل يونس الشامي ) واجتهدوا في تدوين هذا التراث ونقدر عملهم كل تقدير ، ودوّنوا الطبوع في شكل مقامات غالبا ما يكون قرارها "دو" ، أو "رَي" أو "صول"، ما عدا الصيكا (وهذا تحريف للفظ سيكة العربي، الفارسي الأصل) فهو يبدأ بنوطة "مي" ويشابه مقام الكورد ( فريجيان phrygien أو mode de Mi ، في الثقافة الغربية ) ، وكل هذه المقامات خالية من ربع الطنين.
مصطلح " نوبة " قديم في اللغة العربية ، وتوجد حكايتان لعلاقة هذا اللفظ بالأسلوب الغنائي موضوع هذا الفصل . فيُحكى أن بلاط الأمراء كان يستقبل المغنّين والعازفين ، يمرّ هؤلاء ويؤدّون أعمالهم في حضرة الأمير الواحد تلو الآخر ٭15 . الحكاية الثانية تقول إن عدد النوبات 24 كل واحدة تناسب ساعة معينة من ساعات اليوم الأربع وعشرين ، هذا ما كان يتردد في الكتب القديمة ، وهو شيء مبالغ فيه . فالأمراء فعلا انشغلوا عن الدين والعبادة وتفرغوا للترفيه واللهو غير مبالين بالعدو المتربص ٭16 ولكنهم لم يكونوا متفرغين للإنصات في أي ساعة من الليل أو النهار.
العمل الكبير الذي قام به زرياب هو أنه أتى بأنغام شرقية مبنية على المقامات الشرقية وأدمجها مع التقاليد المحلية ( ولو أن آخرين ساهموا في هذا الإدماج ) . رسّخ زرياب الغناء " المضبوط " وقنّنه بفضل ما تعلمه وحفظه في المشرق . ونشأ بين العدوتين أسلوب مشترك حتى سقوط قرطبة واشبيلية في القرن 13 وهجرة الجالية المسلمة واليهودية من الأندلس إلى شمال المغرب . سيتابع طرب الآلة مساره منذ الدولة المرينية برعاية وإسهام مبدعين مغاربة ليتمغرب ويتسم بهوية مغربية رغم أن أصوله متشعبة بين الشرق والغرب ، وبين العرب/المسلمين والمسيح واليهود . إنها المرحلة الثالثة.
لم يهتم المؤلفون ( من التيفاشي إلى التادلي عبورا بالبوعصامي ) بأصول طرب الآلة وجذوره المتشعبة إلى أن جاء في بداية القرن العشرين أشخاص من إسبانيا وفرنسا ليخبروننا أن هذا الأسلوبَ أندلسي ( رغم وجود طبوع ذات أسماء من أصول فارسية ).
طرب الآلة ( المغربي ) دوّنه الحائك في 11 نوبة سنة 1800 ، نعرضها مع طبوعها :
* نوبة رمل الماية : رمل الماية - الحسين - انقلاب الرمل - حمدان
* نوبة الماية : الماية
* نوبة الرصد : الرصد - الحصار - الزيدان - المزموم
* نوبة رصد الديل : رصد الديل
* نوبة الحجاز الكبير : الحجاز الكبير - المشرقي الصغير - مجنب الديل
* نوبة الحجاز المشرقي : الحجاز المشرقي - المشرقي
* نوبة عراق العجم : عراق العجم
* نوبة الأصبهان : الإصبهان - الزور كند
* نوبة العشاق : العشاق - الديل - رمل الديل
* نوبة الإستهلال : الإستهلال - عراق العرب
* نوبة غريبة الحسين : غريبة الحسين - الغريبة المحررة - السيكاه
"موشَّح" كلمة أخذت معناها من فعل " وشّح " ، وله علاقة بلفظ وِشاح . السبب الأول لابتكار الموشّح في الأندلس هو تسهيل الغناء والتحرر من قيود الشعر التقليدي ( بعض الباحثين يرجحون أصوله إلى المشرق ويعطون أدلة واهية لا أساس لها من الصحة ، لن ندخل في هذه المتاهات كي لا نخرج عن صلب موضوع الكتاب ) . الموشح فن غنائي يعتمد على شِعر جميل وسهل التلحين والأداء ، ولا يستجيب حتما لشروط العَروض والأوزان ( البحور ) المعمول بها منذ القدم والتي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي . ليس هذا تعريفا دقيقا ويمكن تطبيقه على كثير من الأشعار . وبخلاف القصيدة التقليدية ، الموشّح لا ينصاع لإطار عمودي قارّ/ثابت ويفضل تعدّد القوافي والأوزان . وغالبا ما يتكون من رباعيات مستقيمة الوزن تسمّى أغصانا قد تختلف من حيث القافية ، تتخللها ( أحيانا ) أبيات أقل طولا متشابهة في الوزن وفي القافية وتسمّى أقفالا ( جمع قُفلة ) والقفلة الأخيرة تسمّى خرجة ( kharja في المراجع الغربية ).
الهيكل الشائع للموشح ( أداء القفلة refrain بعد كل رباعية couplet) تبناه المنشدون التروبادور ونقلوه معهم إلى فرنسا في القرن 12 ومن ثم إلى كلّ أوروبا المسيحية حيث أنجب أول التراكيب النغمية : الروندو rondeau الذي سوف يعمّر طويلا.
الموضوع يرتبط بالحب والغزل والخمر ، وحتى بعض الصوفيين من شعراء ومنشدين فضّلوا أسلوب الموشّحات على الشعر المستقيم.
ظهر الموشّح في الأندلس في القرن 10 إبّان ازدهار الخلافة الأموية في قرطبة ، والآراء متضاربة حول مبتكره وربما نشأ عبر عدة محاولات لرفع قيود الميزان والقافية.
بعد سقوط ممالك الطوائف في القرن 13 ، بدأت هجرة المسلمين واليهود إلى المغرب ( الأقصى ) وكذلك إلى المشرق . سينتقل الموشح إلى مصر وسيلقى نجاحا لدى الأوساط الحاكمة ( المماليك ) ولكنه سوف يُهمَل تدريجيا . وسينتقل كذلك إلى تركيا ويستقر في عاصمتها قونيا ( جنوب شرق تركيا ) ويقال إن الشاعر الصوفي محيي الدين ابن عربي ( -1240 م ) هو الذي أدخل الموشّح إلى مدينة قونيا وكان أستاذَ جلال الدين الرومي ( -1273 م ) مؤسس الطريقة الصوفية المولوية . وصل هذا الأسلوب الجديد من الغناء ( بلغته الفصحى وإيقاعاته المتعددة ) إلى سوريا وبالضبط مدينة حلب ( قريبة من الحدود التركية ) واحتفظ بإسم " موشّحات " (أي أشعار موشّحة ) لكن في المغرب ( الأقصى ) تطور في اتجاه آخر واختلط مع الزجل وتحوّل إلى ما هو معروف في يومنا هذا بِ "طرب الآلة ".
الزجل كلمة يعرفها المغاربة ولا وجود لها عند عرب المشرق ( إلّا في بعض كتب التاريخ ) . فن الزجل يدل على نوع من الشعر مؤلف لغرض الغناء : لا يحترم موازين الشعر القديمة فهو إذن يشبه الموشح في تراكيبه ، لكنه لا يتقيد بقواعد الإعراب . وهذا لا يعني أنه مكتوب بلغة دارجة أو عامية ، وإنما بلغة أقرب إلى الفصحى تُستخدم بكثافة في الأغاني المغربية ( المعاصرة ) . والمؤسف في هذا هو أننا لمّا نقرأ أو نبحث عن الزجل في الكتب أو في شبكة الإنترنيت نجد موضوع الزجل دائما مرتبطا بالأندلس والإسبان.
كلمة "زجل" واردة في اللغة العربية منذ القدم ، ولو أن معناها تغير قليلا حسب العصور فقد كانت دائما لها صلة ب : الطرب ، الغناء ، الإيقاع ( وربما الرقص ) . ظهر الزجل حوالي 1100 م ( أو بعدها بقليل ) ، وكانت هناك ظروف ساعدت على ذلك . ازدهر الغناء والموسيقى وضاقت قيود اللغة الفصحى وصلابتها بالمبدعين ، علاوة على أن امتزاج العرب والأمازيغ بالإسبان المستعربين والمستعجمين أدّى إلى خلق لهجة عربية تتكلمها جميع الجاليات ، نعتها ابن خلدون ب " الحضرية " ( وتحتوي أحيانا ألفاظا غير عربية ).
أشهرُ شعراء الزجل هو ابن قزمان (1078-1160 م) ولو أن عدة مصادر تؤكد أن شعراء قبله كتبوا الزجل. ابن قزمان أبدع بأسلوب جميل وجمع قصائده في ديوان هو الأول في الزجل وكان يتقن اللغة الرومانية ويقال إن أصله من إسبانيا المسيحية.
موازاة مع الزجل تكوّن في قشتالة أسلوب " شانت إيسبانيك " Chant Hispanique ( ويسمى كذلك الغناء المستعرب Chant Mozarabe فصل 3) : أصوله تعود إلى الإنشاد البيزنطي Chant Byzantin ولم يخضع لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية ، التحم مع الأسلوب المحلي لشعوب الݣوط ( الذين أتوا من أواسط أوروبا وسكنوا اسبانيا منذ عدة قرون ) ومع الحضارة الرومانية والبيزنطية التي مكثت في الأندلس حتى بداية القرن 8 ، ومع الفن الراقي الذي أتى به من المشرق المنشدون مثل زرياب ومن أتوا من بعده . وحصيلة هذا الإندماج أسلوبٌ لا يختلف عن الغناء العربي الأندلسي-المغربي (لتلك الحقبة) إلّا باللغة ، وكل جاليات المجتمع الإيبيري (أندلس+قشتالة+ برتغال+أراݣون+ناڤار) مهما كانت لغتها وديانتها كانت تمارس نفس الأسلوب الذي كان متداولا في شمال المغرب . وخير دليل على هذا هو مقارنة الديوان المغربي المعاصر مع الرپيرطوار الإسباني الذي ازدهر في قشتالة بين القرن 11 والقرن 13 والذي جُمع في كتاب " كانتيݣاس " المُهدى إلى سانتا ماريا والذي أشرف على تدوينه الملك ألفونس العاشر. يتكون هذا الديوان من 427 قطعة، فيها خليط من الفلكلور والأناشيد الدينية ولم يكن هناك فارق بين الأسلوبين الديني والدنيوي . في بعض الرسوم نرى عازفين يرتدون "الع۫صابة " المغربية التي يضعها المسلمون فوق رؤوسهم.
أناشيد الكانتيڭاس موجودة في الإنترنيت ، ونلاحظ أن كثيرا منها يمكن تصنيفه مع أغاني المنشدين troubadour أو مع طرب الآلة المغربي . فالقطعة الأولى أي رقم 1 ( من مجموع 427 ) Des oge mais quer eu trobar ٭17 مغربية محضة ( سمعتها مرارا منذ صغري في الإذاعات الوطنية ) ، أما القطعة رقم 10 فهي أشهر ما في الكانتيڭاس ويسميها الإسبان "روزا دا روزاس" أي " وردة الورود "Rosa das rosas ٭18 أخذت نغمتَها وسجّلتها بصوتها المغنية الفرنسية فرانسواز هاردي Hardy سنة 1965 تحت عنوان "مون آمي لا روز" Mon amie la rose وقلّدها آخرون في صيغات مختلفة ومنهم ناتاشا أطلس . وعلى كلّ حال ، رغم اختلاف الأداءات ، تبقى النغمة أي الكتابة partition/ score مطابقة للأغنية الأندلسية المغربية .
وهناك مثال آخر ، النشيد الوطني الإسباني "Marcha Granadera" ، تقول المصادر الإسبانية أن أصوله قديمة لكننا نلاحظ أن نغمته مستوحاة من نوبة الإستهلال ، وهذا لا يمكن إنكاره ( كلاهما متواجد في الإنتيرنيت ) . لكن المشكل هو أن هناك غموض حول من ابتكر نوبة الإستهلال.
1 - للتذكير : سقطت بغداد في 1258 م .
2 - من كتاب بنعبد الجليل [19] : " انتشار هذه الموسيقى في العهد المريني " ، " اكتملت النوبة على عهد السعديين"
3 - نوبة الإستهلال تُـنسب عادة إلى إبن باجة لكن بنعبد الجليل ينسبها إلى علال البطلة .
4 - Alexis Chottin ، شارك في مؤتمر القاهرة 1932 ونظم مؤتمر الموسيقى المغربية 1939 ، ألف « Corpus de musique marocaine »
5 - إلى درجة أن الجالية المغربية من ذوي الديانة اليهودية التي غادرت المغرب واستقرت بإسرائيل لا زالت تمارس هذا الفن وتلقب أجواقها ب " الأندلسي" . Orchestre Andalou d'Israël / Israeli Andalusian Orchestra بقيادة ابراهام امزلّڭ Avraham Eilam-Amzallag ، تغني معه أحيانا ريموند البيضاوية Raymonde Abecassis .
6 - " شمس العشي " يعرفها تقريبا كل المغاربة ، و" جادك الغيث أغنية شرقية " تغنيها فيروز ، ويمكن أداؤهما بنفس الطريقة .
7 - التيفاشي أحمد :" النوبة الكاملة للغناء بالمغرب تقوم على نشيد واستهلال ومجرى وموشح وزجل وجميعها يتصرف في كل بحر من بحور الأغاني العربية " .
8 - نفس الظاهرة وقعت في الهند تحت تأثير الإنجليز وفي أذربيدجان تحت تأثير الروس ونسميها Standardisation.
9 - وكما يردّد محمد المفضالي : " تبدأ الحكاية مع رحلة رجل اسمه زرياب " .
10 - من المعاصرين أنظر مثلا Ziryab-Jesus-Greus
11 - طبيعة/فيزياء : المصادر العربية القديمة كانت تجمع علوم الطبيعة والفيزياء في عبارة شاملة " علوم الطبيعة ".
12 - شروح السماع الطبيعي .
1978a, Shurûḥ’ ‛alà as-Samâ‛ aṭ-ṭabî‛î، ed. Ma‛an Ziyâdeh, Beirut: Dâr al-Kindî – Dâr al-Fikr
13 - Hebrew version of Abu l-Salt's treatise on music " : Hanoch Avenary "
14 - قوة/صمود ، حزن ، ضعف/ركود ، شوق/حنين ...
15 - كما يجري الآن في الملاهي الليلية ، ويقال لو نوميرو وينطق بها بعضهم النم۫رة وهي النوبة .
16 - المعتمد ابن عبّاد ، أتى به سلطان المغرب لأته ...... قبره يوجد في أغمات قرب مرّاكش .
17 - https://www.youtube.com/watch?v=KmV8xz3N48g
18 - https://www.youtube.com/watch?v=XgjZxQLiv7k
عازف يرتدي "الع۫صابة" المغربية ( من كتاب الكانتيڭاس Cantigas )
1 - آكتا أكوستيكا Acta Acustica المجلة الأوروبية لعِلم الإصغاء/ السمعيات Journal of the European Acoustics Association : جزء 92 ، 2006 ، ص807811 .
2 - La musique arabe » : Erlanger » ا 6 مجلدات ، من 1930 إلى 1959 ، Librairie Orientaliste Geuthner ، باريس
3 - Bernard Carra de Vaux : « Epître à Scharaf Addin », Journal Asiatique, n°7, 1891
4 - Histoire de l’acoustique musicale » : Donval » ، منشورات فوزو Fuzeauا 2006 (أنظر في الويب)
5 - Histoire générale de la musique », Fétis » ا، 1872
6 - رشيد صبحي أنور : تاريخ الموسيقى العربية ، مؤسسة باڤاريا ، 2000
7 - الكندي :
رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف ، زكريا يوسف ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1962
رسالة الكندي في اللحون والنغم ، زكريا يوسف ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1965
8 - Histoire universelle de la musique et de la théorie musicale » : Donval » ، منشورات هارماطان Harmattanا، 2015 (أنظر في الويب)
9 - ڤيلوطو Villoteau ا: « De l'état actuel de l'art musical en Égypte » ا، 500 صفحة
10 - هنري جورج فارمر :
History of arabian music to the XIIIème century », Luzac, Londres, 1929 »
Historical Facts of the Arabian Musical Influence », Georg Olms Verlag, 1970 »
11 - ابن سينا : " جوامع علوم الموسيقى " ، جزء من " كتاب الشفاء " ( جزء 2 من 10 ) ، تحقيق زكريا يوسف ، الناشر " ذوي القربى " https://archive.org/stream/jawamea_ilm_al-mosiqa#page/n29/mode/2up
12 - صفي الدين الأرموي :
" الرسالة الشرفية في النِسب التأليفية " ، تحقيق غطاس خشبة ، دار الكتب والوثائق القومية ، القاهرة ، 2008
" كتاب الأدوار " ، تحقيق غطاس خشبة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986
13 - سليم الحلو : " تاريخ الموسيقى الشرقية " ، دار مكتبة الحياة ، 2007-2006
14 - الفارابي : " كتاب الموسيقى الكبير " ، 1028 صفحة في جزأين ، تحقيق غطاس خشبة ، دار الكتب والوثائق القومية ، القاهرة ، 2009
15 - شيرين مألوف : " تاريخ نظرية الموسيقى العربية " ، الكسليك ، لبنان ، 2002
16 - إبراهيم التادلي : أغاني السقا ومغاني الموسيقا أو الإرتقا إلى علوم الموسيقا " ، تحقيق عبد العزيز بنعبد الجليل ، أكاديمية المملكة المغربية
17 - راموس ، Ramos de Parejaا : " Musica practica " ا ، 1482 .
18 - كريستيانوڤيتش Alex/Alexandre Christianowitsch ا : Esquisse historique de la Musique Arabe aux temps anciens " ، 1863 "
19 - عبد العزيز بنعبدالجليل : " مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية " ، الطبعة الثانية ، 2000
20 - شارل دو فوكو Charles de Foucauld ا : " Reconnaissance au Maroc " ا، 1888 .
http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k200835s
21 - أحمد بن خالد الناصري : " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى " ، عدة أجزاء ، طُبع عدة مرات ، الأولى سنة 1894 مطبعة البولاق القاهرة والأخيرة سنة 2001 منشورات وزارة التقافة والاتصال . تُرجم للفرنسية في مراحل .
22 - ابن المنجم : " رسالة في الموسيقى " ، تحقيق يوسف شوقي ، دار الكتب والوثائق القومية ، 1047 صفحة ، 1976
23 - La tierce harmonique dans la musique occidentale " : Gut Serge "، الناشر Champion Slatkine ، 1990
24 - شايي Jacques Chailley:
« Traité Historique d’Analyse Harmonique » ، الناشر A. Leducا 1977
« L’Imbroglio des Modes » ، الناشر A. Leduc ا 1960
25 - دوبوا .Dubois Th :
Traité d’harmonie », Heugel/Leduc, 1921 »
26 - جيانيلوس Giannelos D. : « la Musique Byzantine », l’Harmattan, 1996
27 - ݣوستاف ريز Reese Gustave : " الموسيقى في العصور الوسطى " ، " Music in the Middle Ages " Norton , New-York, 1940
28 - ريبيرا Ribera y Tarrago ا : « La musica arabe y su influencia en la española » ا 1927
29 - لومي Lemay Richard ا : A propos de l’origine arabe de l’art des troubadours ». Annales. Histoire, Sciences sociales. pp990-1011, 1966, vol 21, n°5 »
30 - مارو Marrou Henri-Irénée ا : .Les Troubadours », Editions du Seuil, 1971 »
31 - دولاكويسطا De La Cuesta I. Z. : « Las Cançons dels Trobadors », Institut d’Estudis Occitans, Toulouse, 1979
32 - صاكا Saka, Pierre : « Histoire de la chanson française », Nathan, 1980.
33 - فورستر Forster Cris : « Musical Mathematics. On the art and science of acoustic instruments », 944 pages, Chronicle Books, 2010
34 - الشعشوع أمين : " الموسيقى الأندلسية المغربية " ، Editorial Almuzara ا ، 2011
35 - كتاب الأغاني ، أبو الفرج الأصفهاني ، جزء 3 ، " ابن مسجع " ( ص 261 )
36 - دومينيك دوڤي Devie D. : « Le tempérament musical », Société de Musicologie du Languedoc, 1992
37 - القطّاط Guettat ا : La musique classique du Maghreb », Sindbad, Paris, 1980 »
38 - التيفاشي أحمد : " متعة الاسماع في علم السماع "
39 - ابن سعيد المغربي : " المُغرب في حلى المغرب "
40 - يونس الشامي : " النوبات الأندلسية المدونة بالكتابة الموسيقية "
41 - أحمد عيدون : Editions EDDIF ، Musiques du Maroc ،ا 1992
42 - كاتز Katz : « The traditional indian theory and practice of music and dance », Publisher E. J. Brill, Leiden/New-York/Koln, 1992
43 - لاڤينياك Lavignac A. et De La Laurencie L. : « Encyclopédie de la musique et Dictionnaire du Conservatoire », 11 volumes, 1913 à 1931, Librairie Delagrave
44 - نظير جايرزبوي Jairazbhoy Nazir :
The ragas of North Indian music », Barrie & Rockliff, Londres, 1968 »
45 - پيكار Picard F.ا : Musique Chinoise », Minerve, 1991 »
46 - لالوى Laloy ا : La Musique Chinoise », 1903, Henry Laurens éditeur, Paris »
47 - شاڤان Chavannes :
Mémoires historiques de Se-ma Tsien », Leroux, Paris, 1897-99 »
48 - دان۫ييلو Daniélou Daniel :
Traité de musicologie comparée », Hermann, 1959 »
49 - موسوعة ڭروڤ
New Grove dictionary of music and musicians », Stanley Sadie, Ed. Macmillan, 1980 »
50 - جورج إفراح .Ifrah G ا : Histoire Universelle des chiffres », Laffont, 1994 »
51 - مشاقة ميخائيل : " الرسالة الشهابية في الصناعة الموسيقية "
Eli Smith : « A Treatise on Arab Music », « Journal of the American Oriental Society » 1 (1849)
Louis Ronzevalle : « Un traité de musique arabe moderne », « Mélanges de la faculté orientale de l'Université Saint-Joseph de Beyrouth », 6, 1913
52 - " مؤتمر الموسيقى العربية " ، وزارة المعارف العمومية ، المطبعة الأميرية ، القاهرة ، 1933 ( طبعة جديدة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2007 )
53 - " المؤتمر الثاني للموسيقى العربية " ، فاس 8-18 أبريل 1969 ، وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية ، إخراج وتنسيق إدريس الشرّادي ، 206 صفحة ، تقديم لمحمد الفاسي .
54 - صالح المهدي : " الموسيقى العربية " ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت
55 - هرمز فرهت Hormoz Farhat :
The Dastgāh Concept in Persian Music », Cambridge University Press, 1990 »
56 - وداد فامورزاده algébrique de structure اLa musique persane, Formalisation
http://www.chrysalis-foundation.org/famourzadeh-2005-thesis-1.pdf
57 - كاويل Cowell Henry ا : New Music Resources », Cambridge University Press, 1966 »
58 - حنان أبو المجد : " تأثير موسيقى الشرق ..... " ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 2006
59 - وولهاوس W. S. B. Woolhouse : "ا Essays on musical intervals "ا ، 1835
60 - بوسانكيه R. H. M. Bosanquet :
An Elementary Treatise on Musical Intervals and Temperment ”, Macmillan & Co. , London, 1876 “
61 - ڤيشنڭرادسكي Ivan Wyschnegradskyا : La loi de la pansonorité », Contrechamps, Genève, 1996 »